أوجلان بطل في نظر الأكراد قاتل بالنسبة للأتراك
إسطنبول - ينظر الكثير من الأكراد إلى عبدالله أوجلان المسجون منذ 26 عاما وهو مؤسس حزب العمال الكردستاني الذي أعلن الاثنين حلّ نفسه وإلقاء السلاح، على أنه "يجسّد" قضيتهم في تركيا، بينما يعتبره الأتراك قاتلا ويحملونه مسؤولية الصراع الذي أسفر عن نحو 40 ألف قتيل.
وفي إعلان تاريخي صدر في 27 فبراير/شباط، دعا أوجلان حزبه الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة "إرهابية"، إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في خطوة أساسية نحو إنهاء نزاع مسلّح مع تركيا بدأ قبل أربعة عقود.
ويقبع أوجلان الذي يبلغ اليوم 76 عاما، في الحبس الانفرادي منذ العام 1999 على جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول. وكانت تلك ثالث دعوة يطلقها الزعيم الكردي لوقف إطلاق النار، بعد محاولتَين باءتا بالفشل في مطلع الألفية الثالثة وفي العام 2013.
وقال في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب حزب المساواة وديموقراطية الشعوب "ديم" المؤيد للأكراد زاره في سجنه "على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى 'العمال الكردستاني' حل نفسه".
وفيما كانت جهود السلام مجمّدة منذ حوالي عقد، أطلق معسكر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مبادرة قام حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها في أكتوبر/تشرين الأول على أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة. ودعا بهجلي حينها أوجلان إلى نبذ العنف وحلّ حزبه لقاء الإفراج المبكر عنه.
وفي الخريف بعث مؤسس الحزب برسالة إلى العامّة عن طريق عائلته قال فيها إنه الوحيد القادر على نقل القضية الكردية "من مسرح النزاع والعنف إلى القانون والسياسة".
وأطلق أوجلان تمردا مسلحا ضد أنقرة في العام 1984 بهدف إقامة دولة للأكراد الذين يشكّلون نحو 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وقضى في هذا التمرد عشرات آلاف الأشخاص.
وما زال حضوره قويا بين الأكراد في أوروبا حيث يلوح لاجئون أكراد بانتظام بأعلام ولافتات تحمل صورة وجهه المستدير الذي يتوسطه شارب أسود كثيف غزاه الشيب مع الوقت.
وُلد أوجلان في الرابع من أبريل/نيسان 1949 وهو واحد من ستة أشقاء وشقيقات في عائلة فلاحين تركية كردية مختلطة في قرية أوميرلي في جنوب شرق تركيا، ولغته الأم هي التركية.
وأصبح ناشطا يساريا أثناء دراسته العلوم السياسية في الجامعة في أنقرة، وزُجّ في السجن مرة أولى في العام 1972.
أسّس حزب العمال الكردستاني بعد ستة أعوام على ذلك، ثم ظلّ لسنوات متواريا بين سوريا ولبنان، وباشر حزبه الكفاح المسلح في العام 1984. وقاد القتال من الأراضي السورية إلى حيث لجأ، ما تسبب بتوتر بين دمشق وأنقرة.
لا يجسّد القضية فحسب بل يجسّد الأمة الكردية بكاملها
وأُرغم على ترك سوريا في العام 1998، فانتقل إلى روسيا ثم إيطاليا وبعدها اليونان بحثا عن ملاذ لكن انتهى به المطاف في القنصلية اليونانية في كينيا حيث علم عملاء أميركيون بوجوده وأبلغوا تركيا بذلك.
وألقي القبض عليه في 15 فبراير/شباط 1999 إثر عملية لقوات الأمن التركية التي نقلته إلى تركيا حيث جرت محاكمته وصدر حكم بإعدامه.
ومع أنه أفلت من الإعدام عندما ألغت تركيا هذه العقوبة في العام 2004، بقي في عزلة داخل زنزانة في سجن جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة جنوب اسطنبول.
ويرى الكثير من الأكراد فيه بطلا وينادونه "آبو" (العمّ). لكن غالبا ما يطلق عليه الأتراك لقب "بيبك كاتيلي" (قاتل الأطفال) خصوصا على خلفية قصف أهداف مدنية.
ولم يحصل الأكراد على دولة عندما انهارت السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ويُعتبرون اليوم أكبر شعب بلا دولة في العالم.
ويعدّون أكبر أقلية في تركيا، وينتشرون في دول عدة في المنطقة خصوصا العراق وسوريا وإيران، حيث تمثلهم أحزاب سياسية وزعامات تقليدية، لا يرتبط كثير منها بالحزب.
ومع اعتقال أوجلان، اعتقدت أنقرة أنها قطعت رأس حزب العمال الكردستاني، غير أنه الزعيم الكردي استمر حتى من داخل زنزانته في قيادته، وأمر بوقف لإطلاق النار استمر من 1999 حتى 2004.
وفي العام 2005، أمر أتباعه بالتخلي عن فكرة الدولة الكردية المستقلة، وبالقيام بحملة من أجل الحكم الذاتي في بلدانهم.
وبدأت في العام 2008 بعض المحاولات لحلّ "القضية الكردية" في تركيا، وبعد سنوات عدة شارك أوجلان في أول محادثات سلام غير رسمية عندما كان إردوغان رئيسا للوزراء.
وأدت المفاوضات التي قادها رئيس الاستخبارات آنذاك هاكان فيدان الذي يشغل اليوم منصب وزير الخارجية، إلى رفع آمال الأكراد في التوصل إلى حل لمستقبلهم داخل حدود تركيا.
لكن الجهود انهارت في يوليو/تموز 2015، ما أدّى إلى اندلاع أحد أكثر الفصول دموية في النزاع. وفي العام التالي، اعتبر أوجلان أن "هذه الحرب لن يفوز أي من الجانبين فيها"، حسبما نقل عنه شقيقه محمد.
ومذاك الحين، "تنوّع المجتمع الكردي وفرضت الحركة السياسية والقانونية الكردية نفسها كلاعب رئيسي"، حسبما يقول حميد بوزرسلان مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.
ويضيف الباحث "يبقى أوجلان اللاعب المحوري"، لافتا إلى أنه "بالنسبة لعدد كبير من الأكراد، لا يجسّد القضية فحسب بل يجسّد الأمة الكردية بكاملها".
ولا يعرف حتى الآن ماذا سيكون مصير أوجلان، غير أن مسؤولا في حزب العدالة والتنمية الحاكم لمح إلى أن نظام اعتقاله "سيُخفّف"، بحسب "صحيفة تركيا" الموالية للحكومة.
وقال هذا المسؤول "ستُتخذ بعض التدابير الإدارية. سيُعيّن ضابط لمساعدته في سجن إمرالي. ستُخّفف ظروف الاعتقال ... ستزداد كذلك وتيرة اجتماعاته مع حزب المساواة وديموقراطية الشعوب وعائلته".
ولفت أيضا إلى أن "الزعيم الكردي يخشى على حياته في حال خرج من السجن ويعلم أنه سيواجه مشكلة أمنية حين يخرج".