أول شركة خاصة تصدّر النفط الليبي في الشرق بشحنة ضخمة

الشركة تحمل اسم 'أركنو' وتأسست منذ 2023، بينما يقول خبراء في الأمم المتحدة إنها تصدر نفطا بقيمة 600 مليون دولار على الأقل منذ مايو الماضي.

بنغازي - أفاد خبراء في الأمم المتحدة وسجلات شحن بأن شركة ليبية مرتبطة بالفصيل القوي الذي يسيطر على شرق البلاد صدرت نفطا بقيمة 600 مليون دولار على الأقل منذ مايو/أيار، مما يمثل نهاية احتكار المؤسسة الوطنية للنفط على صادرات الخام.

والشركة غير المشهورة تحمل اسم "أركنو" وتأسست في 2023 وهي أول شركة ليبية خاصة تصدر شحنات نفط، ما يعني أن بعض إيرادات النفط تتحول بعيدا عن مصرف ليبيا المركزي.

ومنذ سقوط الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في 2011 نشبت صراعات في ليبيا بين فصائل مسلحة، كما انقسمت البلاد إلى حد كبير بين منطقة تحت سيطرة حكومة معترف بها دوليا في طرابلس بالغرب وإدارة أخرى في الشرق تسيطر عليها قوات القائد العسكري خليفة حفتر.

وتركزت الخلافات في الأغلب على تقاسم وتوزيع عائدات النفط من قبل المصرف المركزي في طرابلس. وعطلت القوات التابعة لحفتر، التي تسيطر على معظم حقول النفط الليبية، الإنتاج أو الصادرات مرارا كان أحدثها في أغسطس/آب لضمان استمرار تدفق الأموال إلى الشرق.

وقالت لجنة خبراء في الأمم المتحدة في تقرير في 13 ديسمبر/كانون الأول لمجلس الأمن إن "أركنو" تخضع لسيطرة غير مباشرة من صدام حفتر أحد أبناء خليفة حفتر.

وقال تشارلز كاتر مدير التحقيقات في "ذا سنتري" وهي مجموعة دولية للتحقيقات والسياسات "هذه سابقة مذهلة تعكس النفوذ المتنامي لأطراف مسلحة على قطاع النفط".

وراجعت رويترز أيضا أكثر من 20 وثيقة تضمنت سندات شحن وقرارات حكومية ورسائل من شركة النفط من أجل هذه التقرير، إضافة إلى مقابلات مع مصادر دبلوماسية وتجارية وخبراء في الشأن الليبي.

ووفقا لموقعها الإلكتروني وحسابها على لينكدإن، يقع مقر "أركنو" في مدينة بنغازي المطلة على البحر المتوسط بشرق ليبيا ولها رصيف يخضع لسيطرة قوات حفتر. وقال مصدران إن الشركة تأسست في أوائل 2023 على يد موظفين سابقين في مؤسسة النفط الليبية.

ووفقا لتقرير للأمم المتحدة، جرى تعيين صدام حفتر رئيسا لأركان القوات البرية للجيش الوطني الليبي في مايو/أيار من العام الماضي، مما سمح له بتأكيد السيطرة على علاقة ليبيا مع الدول المجاورة ومصالحها الاقتصادية.

وأظهرت رسالة بتاريخ 11 يوليو/تموز العلاقة بين "أركنو" وصادرات النفط لأول مرة عندما حصلت في مايو/أيار على ملكية شحنة من شركة الخليج العربي للنفط، وهي شركة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط.

وأشارت سجلات شحن إلى أن الشركة صدرت منذ ذلك الحين سبع شحنات نفطية أخرى، ليصل إجمالي صادراتها بين مايو/أيار وديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 7.6 مليون برميل بقيمة حوالي 600 مليون دولار، وفقا لمتوسط أسعار خام برنت الشهرية.

وبحسب بيانات مجموعة بورصات لندن وشركة كبلر ووثائق راجعتها رويترز، اشترت شركة إكسون موبيل الأميركية إحدى الشحنات المتجهة إلى إيطاليا في 28 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال مصدر مطلع على الأمر إن إكسون اشترت الشحنة من تاجر آخر، وليس مباشرة من أركنو.

واشترت يونيبك، الذراع التجارية لمؤسسة الصين للبترول والكيماويات (سينوبك) أكبر شركة تكرير في العالم والمملوكة للحكومة الصينية، شحنتين أخريين على الأقل، متجهتين إلى بريطانيا وإيطاليا.

ولم ترد سينوبك على طلب للتعليق. ولم يتضح بعد ما إذا كانت اشترت الشحنات مباشرة من أركنو أو من تاجر آخر.

وليبيا، ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا وعضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، تعيش حالة من عدم الاستقرار منذ الإطاحة بالقذافي، لكن صادرات النفط ظلت تحت سيطرة البنك المركزي.

ولا تزال مؤسسة النفط، التي تعمل منذ فترة طويلة بشكل مستقل وحافظت على الحياد السياسي في البلد المضطرب، تمثل الجزء الأكبر من الصادرات الليبية.

واستنادا لبيانات كبلر، صدرت المؤسسة نحو 264 مليون برميل من النفط بقيمة تقرب من 21 مليار دولار خلال نفس الفترة التي شهدت شحنات "أركنو" الثماني.

عادة ما يتم سداد ثمن شحنات النفط الخام التي تصدرها المؤسسة الوطنية للنفط بالدولار في حساب مصرف ليبيا المركزي في المصرف الليبي الخارجي في نيويورك، قبل نقلها إلى حساب حكومة طرابلس لدى المصرف المركزي.

وبحسب وثائق شحن، طلب دفع ثمن شحنات أركنو من خلال حسابات في بنك الإمارات دبي الوطني المرتبط بحكومة دبي وبنك التجارة والاستثمار في جنيف.

وقال بنك الإمارات دبي الوطني إنه لا يمكنه تأكيد أو نفي أي علاقات مع عملاء بسبب سياسات داخلية والتزامات تنظيمية. وقال بنك التجارة والاستثمار أيضا إن سياسته تلزمه بعدم تأكيد أو نفى أي علاقات مع عملاء. وقال خبراء الأمم المتحدة إن حفتر مدعوم من مصر وروسيا والإمارات.

وعاش حفتر في الولايات المتحدة 20 عاما قبل أن يعود للانضمام إلى الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي. وفي عام 2014، شن حفتر معركة بنغازي، التي لا تزال معقلا له حتى الآن، وتفرض القوات التابعة له قبضة محكمة على شرق ليبيا، حيث تقع معظم حقول النفط الرئيسية في البلاد.

ووفقا لخطاب من المؤسسة الوطنية للنفط بتاربخ 10 يوليو/تموز، فبالإضافة إلى السماح لها بتصدير النفط الخام، أصبحت "أركنو" شريكا في حقلي النفط الرئيسيين السرير ومسلة. والخطاب كان خلال فترة رئاسة فرحات بن قدارة للمؤسسة والذي استقال الشهر الماضي.

وتدير شركة الخليج العربي للنفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط الحقلين وتمثلان أغلب إنتاجها الذي يبلغ نحو 300 ألف برميل يوميا من الخام عالي الجودة، وهو نفس النوع الذي تصدره الشركة.

وقال كاتير من مؤسسة ذا سنتري "يبدو أنه لا يوجد دليل على أن شركة أركنو قدمت بالفعل أي خدمات أو قامت بأعمال تطوير في حقلي مسلة والسرير النفطيين.. ونتيجة لهذا فإن حصولها على مئات الملايين من الدولارات من المؤسسة الوطنية للنفط، والتي يجري دفعها في شكل شحنات نفط للتصدير، تثير شكوك كبيرة بشأن احتمالية وجود فساد".

ووفقا لقرار للحكومة الليبية صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصبحت أركنو شريكة للمؤسسة الوطنية للنفط في تطوير ثلاثة حقول نفطية أصغر حجما هي السلطان واللطيف في شرق ليبيا والطهارة في الغرب.

وقال تقرير للأمم المتحدة إن أعضاء الفصائل المسلحة جرى تعيينهم في مناصب مختلفة في المؤسسة الوطنية للنفط نفسها ضمن تعديل وزاري تضمن إنشاء مكتب في موقع مختلف مسؤول عن اتفاقيات تقديم الخدمات مع الشركات الخاصة، موضحا أنه "من بينها اتفاقية مع أول شركة نفط خاصة في ليبيا، شركة أركنو للنفط".