أول ظهور علني للبشير منذ عزله

الرئيس السوداني السابق يمثل أمام نيابة مكافحة الفساد مرتديا الزي التقليدي في تحقيق يشمل تهما تتعلق بالفساد المالي في مسار قضائي يرجح أن يكون طويلا.

الخناق القضائي يضيق على الرئيس المعزول
محاكمة البشير قد تطول فيما يلاحق دوليا بتهم ارتكاب جرائم حرب
مصير مجهول ينتظر الرئيس السوداني المعزول
حميدتي: فض اعتصام الخرطوم فخ نُصب لقوات الدعم السريع

الخرطوم - وجهت نيابة مكافحة الفساد اتهامات للرئيس الرئيس السوداني المعزول عمر البشير اليوم الأحد بينما ظهر للمرة الأولى منذ الإطاحة به في أبريل/نيسان الماضي.

وبدا البشير إلى حد بعيد مثلما كان قبل اعتقاله وسار برشاقة من السيارة إلى المبنى وابتسم وتحدث للحراس الذين يقتادونه. وبعد دقائق خرج متجهم الوجه بعد توجيه المدعين اتهامات له.

وذكر شاهد أن البشير الذي كان يرتدي الملابس السودانية التقليدية: الجلباب الأبيض والعمامة، اقتيد في سيارة تويوتا لاند كروزر إلى مكتب النيابة في العاصمة الخرطوم.

وعزل الجيش البشير واعتقله في 11 أبريل/نيسان بعد 16 أسبوعا من الاحتجاجات على حكمه الذي دام 30 عاما. وهو محتجز في سجن كوبر في خرطوم بحري في الجهة المقابلة من وسط العاصمة عبر النيل الأزرق.

ويلاحق البشير منذ عزله في قضايا فساد مالي وتمويل الإرهاب ويجري التحقيق معه في الخرطوم فيما يلاحق دوليا بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور، لكن المجلس العسكري الذي تشكل عقب قرار عزل الرئيس والذي يقود البلاد حاليا أعلن في أكثر من مناسبة أنه لن يسلم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية تاركا هذا القرار لحكومة مدنية يجري تشكيلها بعد انتهاء مرحلة الحكم الانتقالي.

والبشير الذي مثل اليوم الأحد أمام النيابة العامة جاء للحكم قبل ثلاثة عقود بانقلاب عسكري وغادره أيضا بانقلاب عسكري كان استجابة للاحتجاجات العارمة التي طالبت برحيل النظام السابق ورموزه.

ونجح الرئيس المعزول في تشكيل شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات والارتباطات مع جماعات متمردة ومع دول تحتضن جماعات الإسلام السياسي ومن ضمنها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

ويتوقع أن يواجه مسارا قضايا طويلا بالنظر لحجم التهم وللتعقيدات التي ترافق محاكمته محليا وأيضا لوجود موالين له كثر في مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية.

وكان المجلس العسكري قد أعلن مؤخرا أنه أحبط الكثير من محاولات الانقلاب عليه، فيما ذكرت مصادر مقربة منه أن 68 ضابطا معظمهم إسلاميون محتجزون حاليا بتهمة تدبير محاولة انقلاب على المجلس ولم يعرف ما إذا كانوا من الموالين للبشير أم لا.

لكن الرجل الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طيلة ثلاثين عام يحتفظ بعلاقات قوية مع الضباط الإسلاميين في الجيش بحسب مصادر محلية. ويشكل هذا المعطى خطرا على أمن السودان وعلى مسار الانتقال الديمقراطي الذي يقوده المجلس العسكري.

وتتحدث تقارير متطابقة عن تحركات من حين إلى آخر لتعطيل عملية الانتقال الديمقراطي والتشويش على جهود المجلس العسكري لقيادة السودان لبرّ الأمان.

ومن ضمن تلك المحاولات محاولة الوقيعة بين الجيش والمحتجين في واقعة فض اعتصام الخرطوم بالقوة يرجح أن ضباطا موالين للبشير تورطوا فيها.

مسيرة سياسية وعسكرية للبشير تنتهي به في سجن كوبر
مسيرة سياسية وعسكرية للبشير تنتهي به في سجن كوبر

واعتبر نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) اليوم الأحد، أن فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم هو فخ نُصب لقوات الدعم السريع (تابعة للجيش).

وتتهم قوى إعلان الحرية والتغيير قائدة الحراك الشعبي، تلك القوات بفض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران وأحداث عنف تلته، ما أسفر عن مقتل 128 سودانيا، بحسب اللجنة المركزية لأطباء السودان (تابعة للمعارضة)، الأحد.

وأضاف حميدتي خلال مؤتمر صحفي "مشكلتنا في التفاوض مع قوى التغيير هي تشكيل مجلس تشريعي غير منتخب يريد استبعاد المنظومة العسكرية".

وتتهم قوى التغيير المجلس العسكري بالإصرار على الهيمنة على عضوية ورئاسة مجلس السيادة، أحد أجهزة الحكم المقترحة في المرحلة الانتقالية.

وتشترط تلك القوى للعودة إلى المفاوضات مع المجلس العسكري أن يعترف بارتكابه جريمة فض الاعتصام وتشكيل "لجنة تحقيق دولية".

وتابع حميدتي "نخاف أن يتمزق السودان ونسعى إلى توفير الأمن لأن هنالك من يريد للسودان أن يغرق في الفوضى".‎

وقال "لست راغبا في الاستمرار في الحكم 9 شهور ونطالب مكونات الشعب السوداني بتحمل مسؤوليتها"، مضيفا "نطالب شباب الثورة بالتصدي للمشهد السياسي ولابد للأحزاب العريقة أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية وبابنا مفتوح لهم".‎

وأعلن حميدتي خلال تجمع شعبي شمالي الخرطوم السبت أن المجلس العسكري يمتلك "تفويضا شعبيا" لتشكيل حكومة تكنوقراط، ما زاد من مخاوف قوى التغيير من احتمال التفاف الجيش على مطالب الحراك الشعبي للاحتفاظ بالسلطة، كما حدث في دول عربية أخرى.

ويشهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة منذ أن عزل الجيش البشير من الرئاسة تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.

ومثل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش إحدى أدوات قوى التغيير للضغط على المجلس العسكري لتسليم الحكم إلى سلطة مدنية.

ووسط اتهامات متبادلة، انهارت الشهر الماضي مفاوضات بين المجلس العسكري وقوى التغيير بشأن المرحلة الانتقالية، لكن إعلان قوى الحرية والتغيير تعليق العصيان المدني بشّر بعودة الطرفين لطاولة المفاوضات والدفع باتجاه حل سلمي للأزمة الراهنة.