أين أخطأ ترامب وأين أصاب في تصفية سليماني

محللون يتوقعون أن توحد تصفية سليماني الميليشيات الشيعية العراقية وتحفز بقية وكلاء إيران في المنطقة لتنفيذ عمليات انتقامية.

كأن إيران كانت تنتظر عملية بحجم تصفية سليماني لإعادة تنشيط وكلائها
إيران تسعى للاستفادة من تصفية سليماني لتأجيج النعرات الطائفية والقومية
تصفية سليماني تذهب بعيدا عن أهداف ترامب

بغداد - لم يخرج التوتر الأميركي الإيراني بعد تصفية واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني حتى الآن عن سياق حرب كلامية وتهديدات متبادلة بالتصعيد، لكن ثمة مخاوف جدية من أن يتحول التوتر من مستواه الراهن إلى مواجهة دامية على الساحات التي تحتفظ فيها إيران بنفوذ واسع من خلال وكلائها في المنطقة.

ويعتقد محللون أن التصعيد قد يذهب بعيدا عن الأهداف التي رسمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أمر شخصيا بتصفية سليماني في بغداد.

وربما كان ترامب يريد من وراء قتل سليماني ضرب عمود البيت الشيعي المناهض لبلاده، لكن نتيجة هذه العملية قد تكون عكسية وقد يجد الرئيس الأميركي نفسه أمام ما تسميه طهران بـ"محور مقاومة" أكثر تشددا وتماسكا واتساعا.

وقد يكون ترامب قد نجح في التخلص من مهندس العمليات القذرة للحرس الثوري الايراني في الخارج والذي يحسب له تعزيز نفوذ وتمدد إيران في الشرق الأوسط ما جعله أبرز وأقوى شخصية إيرانية بعد المرشد، لكن محللين يرون أن ذلك ربما يساعد طهران على إعادة تنشيط وكلائها في المنطقة بشكل أقوى مما كان عليه مستغلة ولاء تلك الأذرع الشديد لسليماني التي تعتبرها ملهمها وقائدها. 

وتشير بعض القراءات إلى أن صدمة تصفية سليماني وأبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية عراقية موالية لطهران، كانت كبيرة، إلا أنها كانت وجيزة بالنسبة لتلك الفصائل.

قاسم سليماني كان أقوى شخصية إيرانية بعد المرشد علي خامنئي
قاسم سليماني كان أقوى شخصية إيرانية بعد المرشد علي خامنئي

وسرعان ما جمعت تلك الفصائل قواها وخرجت بخطاب شديد مناهض للولايات المتحدة أعاد التذكير بفترة الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003.

ولا يمكن أن يكون الرئيس الأميركي قد أمر بتصفية سليماني من دون أن يكون قد درس تبعات هذه الضربة أو وضع في حسبانه نتائجها العكسية.

ويقول الباحث في العلاقات الدولية كريم بيطار "سيكون هناك توحيد للصفوف وتعزيز للعصبية الطائفية وسرعان ما سيكون لقرار دونالد ترامب نتائج عكسية".

وأضاف أنه في إيران ولبنان والعراق "ستوضع كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جانبا في مواجهة حالة أمنية طارئة".

وبالفعل، فقد تجلى ذلك في إعادة انتشار سياسي لقوى عراقية كانت خففت من خطابها المعادي لواشنطن في أعقاب دحر تنظيم الدولة الإسلامية والانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2018.

واعتبر فصيل كتائب حزب الله المنضوي ضمن قوات الحشد الشعبي والموالي لإيران، أن عملية الاغتيال هي "بداية نهاية الوجود الأميركي في المنطقة"، فيما رفع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر سقف المواجهة، حيث دعا في تغريدة على تويتر "الفصائل العراقية المقاومة  إلى اجتماع فوري لإعلان تشكيل أفواج المقاومة الدولية".

ويقول ترامب إن تصفية سليماني كان يفترض أن تتم قبل سنوات، في إشارة إلى تجنب الإدارات الأميركية السابقة المجازفة بقطع يد إيران الطولى في المنطقة.

وتقول واشنطن إن قائد فيلق القدس كان يعد ميليشيات إيران لشن هجمات على مصالح أميركية في الشرق الأوسط.

حماس تستثمر في مقتل سليماني لإعادة تعزيز علاقاتها مع إيران
حماس تستثمر في مقتل سليماني لإعادة تعزيز علاقاتها مع إيران

ويعتقد محللون أن قتل سليماني أعطى للفصائل الشيعية العراقية الموالية لطهران، ذريعة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي وتصدعاتها التي برزت في السنوات الأخيرة بما يمكنها من تعزيز مواجهة الخصم الأميركي وكبح نفوذه في العراق لصالح إيران.

وأعاد الصدر إحياء 'جيش المهدي' الذي كان له دور كبير في مقارعة الأميركيين عقب دخولهم إلى العراق حتى أن الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي كان على خلاف مع الصدر انضم إلى خط المواجهة ضد الأميركيين في خندق واحد مع غريمه (الصدر).

وقال الخزعلي  الذي تعتبره واشنطن إرهابيا عالميا "إذا لم تخرجوا أو ماطلتم في ذلك، فستجدون ردا عراقيا قويا سيزلزل الأرض من تحت أقدامكم وسيجعل السماء جحيما فوق رؤوسكم".

وجاء كلام الخزعلي في أعقاب جلسة برلمانية طارئة الأحد دعا فيها النواب الحكومة إلى "إنهاء تواجد أي قوات أجنبية" على أراضي العراق عبر المباشرة بـ"إلغاء طلب المساعدة" المقدم إلى المجتمع الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وشهدت الجلسة تغيّبا للنواب الأكراد ولعدد كبير من القوى السنيّة، فيما بعث المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني برسالة تعزية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، في خطوة غير مسبوقة بين مرجعيتي النجف وقم.

وبين المرجعيتين خلافات صامتة منذ سنوات، حيث تسعى المرجعية المحلية لترسيخ نفسها في العراق في مواجهة هيمنة مرجعية قم الإيرانية التي تدين لها معظم الفصائل الشيعية العراقية وقادتها بالولاء أكثر من ولائها للعراق.

ويرى الخبير في الحركات الإسلامية قاسم قصير أن "نتائج الاغتيال (تصفية سليماني والمهندس) أعادت توحيد قوى المقاومة وأعادت جعل الأولوية مواجهة الولايات المتحدة"، مضيفا "الاغتيال كان خطأ استراتيجيا والرد سيكون في كل المنطقة ولن يكون محصورا في العراق".

وبالفعل، أعادت عملية تصفية سليماني توحيد الخطاب "الممانع" من طهران إلى بيروت، مرورا بدمشق واليمن والأراضي الفلسطينية.

ورغم العلاقة الوثيقة لإيران مع حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان بيان حركة حماس التي كانت على قطيعة طويلة مع طهران الأبرز في موقف الفصائل الفلسطينية، مع وصفها مقتل سليماني بـ"العربدة الأميركية". وشارك رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في عزاء سليماني بطهران.

وفي اليمن، دعا المتمردون الحوثيون إلى "رد سريع ومباشر" ضد القواعد الأميركية. وهذا يفسّر ما قاله الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في كلمة له الأحد بأن "قاسم سليماني ليس شأنا إيرانيا، بل يعني محور المقاومة ويعني الأمة".

وأضاف "إذا مرت قضية الاغتيال بشكل عابر سنكون أمام بداية خطيرة لكل حركات وقيادات ودول ومحور المقاومة".

وفي الولايات المتحدة تباينت ردود الفعل على تصفية سليماني بين مشيد بها كردّ على الانتهاكات الإيرانية ومحاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد وبين محذر من ارتدادات عنيفة قد تهدد المصالح الأميركية في المنطقة.

وكانت التجاذبات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي كبيرة لكنها فسرت بحالة الاستقطاب الانتخابي في خضم الاستعدادات للانتخابات التمهيدية في المعسكرين المتنافسين والرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني.

ويرى بيطار أن "السيف المسلط فوق رأس طهران ومخاطر التدخل الأجنبي تثير غضب الإيرانيين سواء من مؤيدي أو معارضي النظام وحتى في العراق"، مضيفا أن "هذا الاغتيال سينتهي بتقوية النظام الإيراني الذي سيستفيد من ظاهرة التجمع حول رايته وسيتمكن من اللعب على وتر القومية التي كانت موجودة قبل ثورة العام 1979".