أي خيار أمام النهضة: رئيس حكومة منها أو واجهة حكم من خارجها

مجلس شورى حركة النهضة التونسية يصر على تشكيل حكومة يترأسها أحد قياديها لاستنساخ تجربة الترويكا التي أغرقت البلاد في أزمات سياسية وتدهور اقتصادي وانفلات أمني لا سابق له.
النهضة تناور سياسيا بفرض رئيس حكومة منها أو الحكم خلف الواجهة
قيادي بارز في نداء تونس يتهم الجهاز السري للنهضة باختراق الحزب
هل ستنجح النهضة في كسب ثقة البرلمان بعد فشل حكوماتها السابقة؟

تونس - تسعى حركة النهضة التونسية حسب ماهو معلن على لسان رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، إلى استنساخ تجربة الترويكا  بتعيين رئيس حكومة من حزبها رغم فشل حكومتي الترويكا في إدارة البلاد (2011-2014)، أو الدفع بشخصية من خارج الحركة للحكم من خلال واجهة سياسية مثلما حصل الرئيسين السابقين الحبيب الصيد ويوسف الشاهد.

وأكدت اليوم الأحد حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس، على أن رئيس الحكومة يجب أن يكون من صفوفها.

وأعلنت الحركة عزمها ترشيح شخصية من داخلها لرئاسة الحكومة المرتقبة، معتبرًا أنها لن تكون حكومة محاصصة حزبية وإنما ستبنى على قاعدة البرامج المشتركة.

وجاء في تصريح للهاروني على أنه بعد حوار واسع وعميق وصريح، أكد مجلس الشورى أن النهضة ستشكل هذه الحكومة برئاسة شخصية حزبية.

وأكد على أن الدورة 32 للمجلس خلصت إلى الإجماع حول رئاسة النهضة للحكومة المرتقبة، مشيرا إلى أن "هذا الأمر غير قابل للتفاوض"، وفق تعبيره.

وحلّت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية أولى في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 6 أكتوبر/تشرين الأول ونالت 52 مقعدا من أصل 217 يتألف منها مجلس نواب الشعب، بحسب نتائج رسمية أعلنتها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات.

وتحظى الحركة بأغلبية برلمانية تخول لها مهمة تشكيل حكومة، حيث تسعى إلى إعادة تجربة الترويكا بعد ثورة 2011 بتعيين حكومتين من صفها فشلتا خلال ثلاث سنوات في إدارة مأمولة لتونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

وشكلت حركة النهضة في الـ24 من ديسمبر/كانون الأول 2011 حكومة أولى برئاسة حمادي الجبالي أحد قياديها الذي استمر بمقر الحكومة بالقصبة إلى غاية 13 مارس/آذار 2013.

وشهدت تونس  في تلك الفترة هشاشة أمنية لا مثيل لها، حيث حدثت اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية استثنائية، فضلا عن عجز اقتصادي نجم عنه غليان اجتماعي، ما دفع الجبالي إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة.

وبعد ذلك صادق البرلمان التونسي الخاضع لسيطرة الترويكا على حكومة ثانية برئاسة علي العريض وهو من نفس حزب الجبالي، إلا أن مطالب شعبية نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والأمنية دفعت حكومة العريض إلى التنحي عن الحكم والذهاب إلى انتخابات جديدة ساهمت سنة 2014 في خسارة النهضة الأغلبية البرلمانية التي كانت من نصيب نداء تونس.

وتعد الترويكا في فترة ما قبل 2014 ائتلافا حاكما رئاسيا وحكوميا وبرلمانيا يتكون من ثلاثة أحزاب ذات الأغلبية الممثلة في البرلمان بقيادة حركة النهضة صاحبة الأغلبية.

وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية لهذا العام ومع ترقب حذر لعملية تشكيل الحكومة المقبلة، لوح قادة من حركة النهضة أنهم ربما سيوافقون على إعادة الانتخابات التشريعية عوض المضي في المشاورات حول تشكيلها ما يشير إلى مأزق الإسلام السياسي.

وتحوم شكوك بالفشل حول نجاح مهمة النهضة في تشكيل حكومة مقبلة في تونس، حيث تبقى مسألة التحالفات العقدة الأساسية التي تشق طريق الحزب صاحب الأغلبية والمكلف بهذه المهمة.

وستقع حركة النهضة في موقف صعب نظرا لعدم قدرتها على تشكيل حكومة قادرة على الحصول على ثقة 109 نائب في البرلمان المنتخب.

النهضة تلوح بإعادة الانتخابات التشريعية في حال رفضت بقية الأحزاب منحها الثقة في البرلمان لتشكيل حكومة يترأسها أحد قياديها، ما ينذر بأزمة سياسية مرتقبة في ظل رفض أكثر من كتلة برلمانية هامة التحالف مع الحركة.

ويشترط تشكيل الحكومة نيل ثقة 109 نائبا برلمانيا وهو مالا يملكه أي حزب أو ائتلاف حالي بالبرلمان التونسي، حيث سيبقى تحقيق هذا الأمر رهن التحالفات التي تصعب في ظل رفض كل من حزب 'قلب تونس' الذي جاء ثانيا و'التيار الديمقراطي' ثالثا والحزب الحر الدستوري الخامس، التحالف مع حركة 'النهضة' صاحبة الأغلبية والمكلفة بهذه المهمة.

وتصعب مهمة حركة 'النهضة' التي برزت نواياها على لسان رئيسها في أن يكون رئيس الحكومة من الحركة، في نيل ثقة البرلمان في ظل هذه الانقسامات والتركيبة البرلمانية المشتتة التي تحتوي على أحزاب متناقضة أيديولوجيا.

ويجب على الحزب المكلف بتكوين الحكومة أن لا يتجاوز في مهمته شهرين على أقصى تقدير، وفي حال فشل في تشكيل حكومة أو عدم نيل ثقة البرلمان في المدة المحددة، يعين رئيس الجمهورية بالتشاور مع الكتل النيابية بتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة.

وعند فشل هذه الشخصية -التي لا يشترط أن تكون من الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية- في تشكيل حكومة في مدة لا تتجاوز الشهرين، يحق لرئيس الجمهورية الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة لتجاوز أزمة البرلمان.

وبحسب مجلس نواب الشعب التونسي فإن رئيس الجمهورية المنتخب حديثا قيس سعيّد سيؤدي اليمين الدستورية في الـ23 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وبعد الانتهاء من مراسم التنصيب سيكون أمام سعيّد مهلة أسبوع لتكليف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي تشكيل حكومة.

وسيكون أمام حركة النهضة مهلة شهر لتشكيل حكومة قادرة على نيل ثقة غالبية النواب، وهي مهمة بالغة الصعوبة في مجلس مشتت.

وقد تلجأ حركة النهضة على عادتها إذا فشلت في رسم تحالفات تشكل على إثرها حكومة يرأسها أحد قياديها، إلى مناورة سياسية جديدة باختيار شخصية من خارج الحزب لتحكم خلف الواجهة، تكرار لتجربتي الرئيسين السابقين للحكومة التونسية الحبيب الصيد في 5 فبراير/شباط 2015 ويوسف الشاهد في 20 أغسطس/آب 2016.

وفي الوقت الذي تسعى فيه حركة النهضة إلى كسب التحالفات لتشكيل حكومة يرأسها أحد قياديها أو المناورة باختيار شخصية من خارج الحزب تكرارا لسيناريو الصيد والشاهد ، اتهم الناطق الرسمي باسم حزب نداء تونس المنجي الحرباوي النهضة باختراق الحزب.

وأفاد الحرباوي "بأن وثائق تم نشرها من قبل هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي تثبت تورط الجهاز السري لحركة النهضة في اختراق حزب نداء تونس".

وكان الشاهد قد انتمى لسنوات إلى حزب نداء تونس قبل أن يستقيل ويؤسس حزبه الجديد 'تحيا تونس'، مستفيدا من انشقاقات حصلت بحزب نداء تتالت على إثرها استقالات أضعفت الحزب داخل البرلمان ورجحت الأغلبية لحركة النهضة.

وتشير تقارير صحفية إلى أن حركة النهضة هي من غذت الصراعات داخل حزب نداء تونس لتساهم في تفكيكه واستقالة قياديه، لتنجح في كسب الأغلبية البرلمانية التي فشلت في اكتسابها عن طريق صندوق الاقتراع في انتخابات 2014.

ويرى محللون أن كل من الصيد والشاهد كانا في فترة حكمهما، مجرد أدوات تتحكم بهما حركة النهضة في قيادة تونس بفكرها السياسي، حيث شهدت تونس منذ فترة الصيد إلى سنوات حكم الشاهد التي ستنتهي قريبا بتعيين رئيس حكومة جديد، وضعا اقتصاديا متدهورا خلف استياء شعبيا عارما.

وعبر الشارع التونسي القابع تحت نير البطالة والفقر والمكتوي بغلاء المعيشة، في أكثر من موضع عن استيائه من الأوضاع التي آلت إليها تونس من تراجع اقتصادي وتراجع قيمة الدينار التونسي.

وانفجر الشارع التونسي مؤخرا خلال العملية الانتخابية في وجه منظومة الحكم، وعبر عن رفضه للطبقة السياسية التي مسكت البلاد منذ ثورة 2011 بتصويت عقابي، رشح صعود أوجه سياسية جديدة، رغم تواجد حركة النهضة بأغلبية برلمانية محتشمة مقارنة بالسنوات الماضية.

وفشلت حركة النهضة في الوصول إلى قصر قرطاج، بعد إخفاء مرشحها عبدالفتاح مورو في بلوغ الدور الثاني من الاقتراع لاختيار رئيس الجمهورية.

ووصل للدور الثاني من انتخابات رئيس الجمهورية التونسية كل رجل الأعمال نبيل القروي وأستاذ القانون قيس سعيد، حيث نجح الأخير في الفوز برئاسة تونس.

وسعيّد أستاذ جامعي متقاعد يبلغ 61 عاما كان مغمورا إلى حد كبير على الساحة السياسية، لكنّه انتخب رئيسا للبلاد بنسبة 72,71 بالمئة من الأصوات في الدورة الحاسمة التي واجه فيها مرشّح حزب “قلب تونس” المثير للجدل نبيل القروي.