أي مستقبل لاحتجاجات الجزائر بعد رحيل قايد صالح؟

الجزائريون يؤكدون في احتجاجاتهم أن مطالبهم تستهدف نظاما بأكمله لا أشخاصا، مؤكدين أن رحيل قايد صالح لن يمنع الحراك من المطالبة بإنهاء سطوة المؤسسة العسكرية.
الحراك الجزائري يرفض تبون وكل رموز بوتفليقة
الشارع الجزائري منقسم بين التظاهر أو عدمه بعد رحيل قايد صالح

الجزائر - دخل الحراك الشعبي بالجزائر الجمعة الـ45 دون انقطاع، لكنها تعد أول محطة بعد رحيل قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي كان أقوى رجال النظام في المرحلة الانتقالية، حيث يرى مراقبون أنها مرحلة مفصلية قد تكون منعرجا للأزمة السياسية.
وبالتزامن مع جنازة قائد الأركان، بدأت دعوات كالعادة للتظاهر في الجمعة الـ45 للحراك، وكتب سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (مستقلة) منشورا على صفحته بموقع فيسبوك يدعو لاستمرار الحراك.
وقال "موعدنا الجمعة 45 في مسيرتنا السلمية الحضارية من أجل الانتقال إلى الجمهورية الجديدة الديمقراطية الاجتماعية والمدنية".
وفي تلميح إلى مرحلة ما بعد قايد صالح كتب "لمَ لا يتم لأول مرة في تاريخ الجزائر تعيين شخصية مدنية كوزير للدفاع في الحكومة القادمة كإشارة حسنة لفتح مسار سياسي جديد"، وذلك بالتزامن مع استعداد الرئيس الجديد لتشكيل أولى حكوماته.
وخلال الأشهر الماضية كان الشعار الأبرز للمتظاهرين هو "دولة مدنية وليس عسكرية"، وهي عبارة اعتبرها الراحل قايد صالح في خطابات سابقة بأنها "شعار خبيث هدفه ضرب ثقة الشعب في جيشه ولا يوجد له وجود إلا في مخيلة من أطلقوه".

لمَ لا يتم لأول مرة في تاريخ الجزائر تعيين شخصية مدنية كوزير للدفاع في الحكومة القادمة كإشارة حسنة لفتح مسار سياسي جديد

وفي ظل هذا التحول برحيل صالح يقول الإعلامي مروان الوناس، "ينبغي أن نؤكد أن الحراك الشعبي منذ بدايته لم تكن لديه مشكل مع الأشخاص، وإن كان في الكثير من المرات يرفع أسماء أشخاص بعينهم، ويندد بها باعتبارها هي من تمثل واجهة النظام".
وقال الوناس والذي كان حاضرا في المظاهرات منذ بدايتها، "الحراك مشكلته مع سياسات السلطة ومطالبه هي التغيير الجذري للنظام وليس مع بقاء أو ذهاب الأشخاص بعينهم ويمكن أن يذهب الفريق أحمد قايد صالح ويأتي شخص آخر ولكن تبقى السياسات وهذا ليس من مطالب الحراك".
ويضيف "أعتقد أن الحراك مصر على مطالبه حتى بعد رحيل قايد صالح، بل بالعكس الآن بوجود واجهة مدنية للنظام السياسي بانتخاب الرئيس تبون هناك مبرر مباشر لكي تدخل السلطة في حوار مباشر أو مفاوضات أو أي صيغة من صيغ التواصل من أجل النظر في المطالب".
واستدرك "لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل لأنه في النهاية يجب الجلوس على طاولة الحوار حتى وإن كنا جد بعيدين على هذا المستوى".
وتابع "رحيل قايد صالح سيجعل تبون أكثر تحررا لأنه لن يكون مدينا للرجل الذي ساهم بقسط وفير في وصوله إلى الرئاسة".
وخلص إلى أن "الفرصة مواتية لتبون والسلطة الجديدة وللحراك لبدء صفحة جديدة وطي المرحلة الماضية، وأعتقد أن الوضع مناسب بعد رحيل قايد صالح لإعادة ترتيب الأوراق والخروج من وضعية الانسداد السياسية".

من جهته يقول الإعلامي حسان زهار "لا أتصور أن مستقبل الحراك بعد رحيل صالح سيكون مثل الحراك في الأسابيع والشهور الماضية لاعتبارات كثيرة".
وأوضح زهار أن أولى هذه الأسباب، أنه بعد رحيل صالح عقب تسليمه السلطة "اكتشف جزء كبير من الشعب حجم المخادعة التي كانت تروجها بعض أذرع العصابة (نظام بوتفليقة السابق) التي ذهبت إلى حد تخوين قيادة الجيش والتشكيك في نواياها للاستحواذ على الحكم".
أما الاعتبار الثاني فقد "كشفت جنازة قايد صالح وقبلها انتخابات الرئاسة وجود ملايين كثيرة من الشعب لا تؤيد المطالب غير الواقعية للحراك، خاصة في أسابيعه الأخيرة ورفضهم لمطالب المرحلة الانتقالية الخطرة والمجلس التأسيسي الذي تنادي به القوى العلمانية".
وهذا حسب زهار "ما يجعل الحراك غير قادر من الآن فصاعدا، التحدث لوحده عن آمال الشعب في الحرية والديمقراطية ولا احتكار الشارع".
وزاد "أن دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس تبون واستجابة جزء كبير من نشطاء الحراك من المعتدلين خاصة، من شأنه أن يعزل الأطراف المتطرفة داخله ويجعلهم في مواجهة مباشرة مع بقية الشعب".
أما المعطى الآخر وفق محدثنا فهو "أن نجاح الانتخابات الرئاسية ومشاركة 40 بالمائة من الهيئة الناخبة فيها وهي نسبة لا تختلف عن النسب العالمية وتنصيب رئيس للجمهورية وسقوط بقية الباءات التي ظل الحراك يطالب بسقوطها مثل بدوي وبن صالح ووفاة قائد الأركان، أسقط معظم الذرائع التي يستند إليها دعاة استمرار الحراك بذات الزخم السابق".

الحراك الجزائري يطالب بعد وفاة قايد صالح برحيل بقايا نظام بوتفليقة
الحراك الجزائري يطالب بعد وفاة قايد صالح برحيل بقايا نظام بوتفليقة

من جهته يرى توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة، "أن مقاربة الربط بين الحراك ووفاة المرحوم قايد صالح خاطئة".
وأوضح بوقاعدة "الحراك ليس مرتبطا بالأشخاص بقدر ارتباطه بالهدف الذي كان سببا في وجوده واستمراره كل هذه الفترة ، وهو التأسيس لدولة الحق والقانون بداية بالآليات التي تضع هذا الهدف على السكة".
وقال "الحراك سيستمر ربما بوتيرة أقل عددا مما كان عليه في السابق، كما أن توقيت الوفاة والمشهد الذي رافق الجنازة سيجعل البعض ينسحب في الفترة اللاحقة، لكن لا أرى أن السلطة قدمت لحد الآن ما يقودنا إلى القول أن أسباب الحراك انتهت".
وتابع "نحن في ظرف سياسي مختلف عما قبل انتخاب عبدالمجيد تبون، نعم وربما سوف تقل حدة الشعارات المناوئة للمؤسسة العسكرية، لكن ستبقى شعارات المناهضة لرجالات بوتفليقة الذين يتصدرون المشهد وأولهم الرئيس تبون".

وعاشت الجزائر هذا الأسبوع حدثا سياسيا بارزا بالرحيل المفاجئ لقائد أركان الجيش الإثنين الماضي إثر أزمة قلبية، وهو الذي كان شخصية مركزية في النظام طيلة أشهر الأزمة.
فموقف قايد صالح بدعم الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/شباط الماضي، كان حاسما في دفع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، للتنحي في 2 أبريل/نيسان.
كما كانت جنازته غير مسبوقة من حيث التعاطف الشعبي بعد أن حضرتها حشود ضخمة من المواطنين، يقول مراقبون إنها عكست صرامة وحنكة الرجل في التعامل مع الأزمة دون إراقة دماء أو صدامات ووفائه بتعهدات حول تسليم السلطة لشخصية مدنية.
وكانت الخطابات الرسمية في نعيه تحمل عبارة واحدة هي الوفاء لمسيرته، وقال مدير الإعلام بوزارة الدفاع بوعلام ماضي، في كلمة تأبينيه باسم المؤسسة العسكرية بشأن توقيت وفاته "وكأن العليَّ القدير برحمته أمهله هذه المدة حتى يرى الدولة الجزائرية الجديدة".
وتابع "لقد عاهدناك في حياتك ونجدد عهدنا ونحن نُشيّعك اليوم إلى مثواك الأخير، إننا سنبقى أشبالا وأسودا كما عهدتنا، حامين عرين الوطن من كل الطامعين والحاقدين، مُتشبعين بالقيم السامية التي حرصتَ على ترسيخها".
أما رئيس الجمهورية الجديد عبدالمجيد تبون، فقال في رسالة رثاء للراحل بعد جنازته، "نَم قرير العين أيها الأخ الكريم يا فقيد وسنبقى على العهد، وعلى الدرب نسير، نصون الأمانة، ونحفظ الوديعة ونستكمل إن شاء الله بالروح الوطنية العالية بناء الجزائر الجديدة".