إجراءات العسكر خففت التوتر ولم تنه الاحتقان الشعبي في السودان

الغضب يتصاعد في الشارع السوداني بسبب ما يعتبره المحتجون بطئا في استجابة المجلس العسكري برئاسة البرهان، لتسليم السلطة لحكومة مدنية.

المحتجون ينظرون لأعضاء المجلس العسكري كامتداد لنظام البشير
معركة ليّ أذرع بدأت مع البشير وتستمر مع قادة المجلس العسكري
المحتجون يتمسكون بالشارع في معركة لا تبدو لها نهاية قريبة

الخرطوم - لم تفلح الإجراءات المتوترة التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي في السودان في تهدئة الاحتقان في الشارع السوداني وسط نذر تصعيد أوسع.

واتخذ المجلس حزمة إجراءات شملت عزل مسؤولين وإحالة آخرين للتقاعد وصولا بإيداع الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من أشقائه وعددا من رموز نظامه، السجن.

لكن كل تلك الإجراءات لم تنجح في احتواء الاحتجاجات المتواصلة والتي تتركز أساسا أمام مقر وزارة الدفاع والأفرع العسكرية والإدارية للوزارة في بعض المدن.

والاعتصام أمام مقر وزارة الدفاع وأفرعها له رمزية بالنسبة للمحتجين الذين احتكموا للشارع في معركة ليّ أذرع بدأت مع نظام البشير وتستمر مع قادة المجلس العسكري فيما لا تبدو لها نهاية قريبة.

ويتمسك المعتصمون بالمرابطة أمام مقر قيادة الجيش السوداني بالخرطوم، ومقرات الحميات العسكرية بعدد من مدن البلاد، لتحقيق أهداف الثورة وطرد رموز النظام.

ويتصاعد الغضب في الشارع السوداني بسبب ما يعتبره المحتجون بطئا في استجابة المجلس العسكري برئاسة عبدالفتاح البرهان، لتسليم السلطة لحكومة مدنية.

كما أن احتفاظ بعض قادة النظام السابق بمناصب حكومية وعدم ورود صور أو فديوهات تؤكد اعتقال الرموز السابقة، ساهمت في تهيئة الأجواء المتصاعدة ضد المجلس العسكري.

وزاد من الاحتقان لدى المعتصمين والمعارضة، إعادة وجوه النظام لمناصب حكومية رفيعة كتعيين القيادي بالمؤتمر الوطني (حزب البشير) عبدالماجد هارون اليوم الجمعة، لتسير وزارة الإعلام عقب إقالة الوكيل السابق.

وكان المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي قد صرح في أول مؤتمر صحفي عقب استلام البرهان رئاسة المجلس، أن "هناك إشارات سالبة واستهداف لبعض أعضاء المجلس ليس لها مبرر" من جانب الحراك الشعبي.

وشن ناشطون سياسيون وحقوقيين على مواقع التواصل الاجتماعي هجوما على المجلس العسكري وتشكيلته. وقال عضو سكرتارية الصحفيين السودانيين خالد فتحي "إنها محاولة التفاف على الثورة وأهدافها بطريقة سيئة".

وشدد "إنهم يحاولون سرقة الثورة ونحن لهم بالمرصاد وسنظل في اعتصامنا إلى أن تحقق كل الأهداف"، متوقعا أن يصعد تجمع المهنيين وتحالفات المعارضة والمعتصمون في الميدان تجاه المجلس العسكري في الأيام المقبلة لأنهم "أصحاب الحق ويجب تنفيذ مطالبهم".

وهناك إشارات قادت المحتجين وقادة الحراك إلى النظر صوب تشكيلة المجلس العسكري الذي يضم بعض المحسوبين على النظام السابق وعلى رأسهم رئيس اللجنة السياسية عمر زين العابدين ونائب مدير جهاز الأمن السابق وعضو المجلس العسكري جلال الدين الشيخ.

وجلال الدين الشيخ برز في 20 فبراير/شباط من العام الماضي عندما أصدر الرئيس المخلوع عمر البشير، قرارا بتعيينه نائبا لمدير جهاز الأمن والمخابرات مع عودة صلاح عبد الله قوش مديرا.

وترقى الرجل أكثر، متوليا منصبا رفيعا في المجلس العسكري الانتقالي الذي استلم السلطة بعد عزل البشير وتنازل عوض بن عوف عن رئاسة المجلس لعبدالفتاح البرهان.

والشيخ المقرب من قوش قبيل ترقيته وتعيين نائب له، عمل في منصب محافظ "جبل أولياء"، أحد محافظات جنوب الخرطوم في أغسطس عام 2015.

وعمل أيضا في هيئة الإدارة بجهاز الأمن والمخابرات منذ تسعينات القرن الماضي متنقلا في مواقع قيادية، لكن تمت إحالته إلى التقاعد في 2009 من الجهاز، ليشغل بعدها منصب الأمين العام لمجلس التعايش السلمي في الخرطوم.

والفريق أول ركن عمر زين العابدين هو نائب رئيس التصنيع الحربي ورئيس اللجنة السياسية للمجلس العسكري بقيادة بن عوف وظهر في أول مؤتمر صحافي للمجلس بعد الإطاحة بالبشير.

وبقي زين العابدين رئيسا للجنة السياسية تحت قيادة البرهان وينظر إليه على أنه الخبير الاستراتيجي السياسي للمجلس.

ولم يتوقف الأمر بخصوص الهجوم على الشيخ وزين العابدين في المجلس العسكري، بل تعداهم إلى آخرين بالمجلس، اتهموا بالارتباط بالنظام السابق.

وقال نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان والقيادي بتحالف نداء السودان على صفحته بفايسبوك "المجلس العسكري ورئيسه عبدالفتاح برهان ونائب الرئيس محمد حمدان حميدتي لا صلة لهم بالإسلاميين وبتنظيم الاخوان المسلمين وهم حلفاء واقعيين ومحتملين لقوى التغيير وهذه معلومات وليس تحليلا، وهم الذين وفروا الالية الفاعلة ليطيح الشعب بعصابة الانقاذ، بينما الفريق اول عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية والفريق اول شرطة الطيب بابكر والفريق أمن جلال الدين الشيخ والفريق طيار صلاح عبدالخالق هم من عتاة الإسلاميين في الجيش والشرطة والامن، وأي تحركات لتجميع الإسلاميين وتطوير الثورة المضادة تحت مختلف الشعارات ستعتمد عليهم، والفريق عمر زين العابدين على وجه التحديد الان هو العقل المدبر للإسلاميين في القوات النظامية".

وأضاف أن الشارع هو الذي يحكم ومن مصلحة قيادة المجلس العسكري ممثلة في الرئيس ونائب الرئيس التحالف مع الشارع في شراكة طابعها الحكم المدني الديمقراطي وانهاء الحرب وتفكيك دولة التمكين والوصول لانتخابات ديمقراطية، هذا هو البرنامج الذي يمكن أن يحرر شعبنا من دولة التمكين ويقضي على الثورة المضادة".

وأشار إلى أنه في مقدمة الأعضاء المحسوبين على النظام السابق، يأتي أيضا الفريق أول شرطة الطيب بابكر، مدير الشرطة في عهد البشير والذي عمل سابقا قائد لقوات الاحتياطي المركزي وشق طريقه ليتدرج في قوات الشرطة بالبلاد إلى أن قام البشير بترقيته إلى مدير عام الشرطة السودانية في العام 2018.

كما لفت كذلك إلى عضو المجلس الفريق طيار ركن صلاح عبدالخالق، قليل الظهور إعلاميا، إلى أن ظهر مؤخرا في المجلس العسكري عضوا.

وعبدالخالق يشغل منصب رئيس أركان القوات الجوية منذ 27 فبراير/شباط 2018، عقب ترقيته من قبل الرئيس المعزول.

وما يجعل الموقف قابل للتطور هو أن رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان، ليس له انتماء سياسي للنظام السابق ولحزب المؤتمر الوطني الحاكم، بحسب المقربين منه، وهو عسكري قاتل في عدة مناطق من جنوب السودان.

أما نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس فهو قائد قوات الدعم السريع والتي ساهمت بشكل كبير في انخفاض وتيرة الحرب في دارفور وكانت تتبع لجهاز الأمن.

وباتت تتبع للجيش السوداني منذ 2017 ومؤخرا باتت تتحمل مسؤولية حراسة الحدود السودانية للحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والتهريب وهي الرافد الأكبر للقوات السودانية التي تقاتل في حرب اليمن.

ويعتبر أعضاء المجلس الآخرون عسكريون غير مسيسين، دفع بهم تواجدهم في الجيش لدخول المجلس العسكري وعلى رأسهم اللواء مهندس بحري إبراهيم جابر والفريق ركن ياسر العطا والذي تم ترقيته إلى رتبه الفريق مؤخرا.

وسبق للعطا أن قاد الفرقة 14 مشاة وتولى مواجهة التمرد في جنوب كردفان. وكذلك شغل العطا منصب قائد قوات حرس الحدود ويعتبر من الشخصيات المؤثرة في القوات المسلحة السودانية.

والأمر نفسه ينطبق على الفريق الركن مصطفى محمد المصطفي وتم ترفيعه إلى رتبة الفريق في سبتمبر/أيلول من العام الماضي وتعيينه رئيسا لهيئة الاستخبارات العسكرية.

وبالنسبة لشمس الدين الكباشي المتحدث باسم المجلس العسكري، تمت ترقيته من قبل البشير في فبراير/شباط 2017 إلى رتبة فريق وهو أيضا نائب رئيس أركان القوات البرية والتدريب السودانية.

ومع تعرف الناشطين والسياسيين والمعتصمين أكثر في الأيام القليلة الماضية على علاقة أعضاء المجلس بنظام البشير، تلوح مواجهة قادمة بينهم وبين المجلس العسكري، حسب المحللين.