إرث البشير يعقد مهمة إرساء السلام بالسودان

الشارع السوداني يتوجس رفض شق من الفصائل المسلحة تسليم السلاح للسلطة خاصة وأن مجموعتين منهما رفضتا الانضمام لاتفاق السلام الموقع في الثالث من أكتوبر.
بقايا نظام البشير تقف حجر عثرة أمام إلقاء كثيرا من المتمردين للسلاح

الخرطوم - يشكل جمع السلاح من الأفراد والمجموعات المسلحة في السودان أصعب ملف يواجه تحقيق بنود اتفاق السلام الموقع السبت الماضي بين الحكومة والمتمردين، فيما خلف نظام البشير تركة ثقيلة تعثر جهود إرساء السلام في بلد يعاني حربا أهلية دامت عشرين عاما.

وقال جبريل ابراهيم قائد حركة العدل والمساواة وهي واحدة من المجموعات المتمردة الموقعة على الاتفاق إن "جمع السلاح مسألة صعبة وتتطلب جهدا جماعيا. الناس لن تسلم السلاح الا في اللحظة التي تقتنع فيها أن الحكومة يمكن أن تحقق لهم الأمن".

ولبلوغ هذا الهدف ينبغي وفق إبراهيم "تحقيق سلام اجتماعي". وقال "إذا كانت لدينا حكومة ديمقراطية تستمع الى صوت الشعب فإن الناس سيخلصون الى أنهم ليسوا بحاجة الى سلاح لحماية أنفسهم".

إذا كانت لدينا حكومة ديمقراطية تستمع الى صوت الشعب فإن الناس سيخلصون الى أنهم ليسوا بحاجة الى سلاح لحماية أنفسهم

في الخرطوم ما زالت السلطة الانتقالية حتى الان كيانا مختلطا يضم عسكريين ومدنيين. وقد تولت مقاليد السلطة عقب ثورة شعبية أنهت في 2019 حكم عمر البشير الذي استمر قرابة ثلاثين عاما. وكانت أولوية هذه السلطة الجديدة هي إبرام السلام مع المتمردين.

تحت حكم البشير كان المتمردون الذين ينتمون الى أقليات إثنية يكافحون من أجل توزيع أكثر عدلا للموارد ومزيد من الحكم الذاتي لأقاليمهم. وسرى وقف إطلاق نار فعلي بين السلطة والمتمردين بعد سقوط البشير وتوقيفه واحالته الى المحاكمة في الخرطوم.

وذكر قائد سابق لمجموعة مسلحة أن عدد المتمردين يبلغ خمسين الفا ينتمي 15 ألفا منهم الى مجموعتين رفضتا الانضمام الى اتفاق السلام الموقع في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول أعلن الجيش تدمير 300 ألف قطعة سلاح تم تسليمها "طواعية" من قبل مدنيين.

ولكن التوجس يظل كبيرا بين سكان دافور (غرب) وجنوب كردفان والنيل الأزرق (جنوب) حيث أوقعت الحرب مئات الآلاف من القتلى.

السلام بالسودان يواجه مطب جمع الأسلحة من المتمردين
السلام بالسودان يواجه مطب جمع الأسلحة من المتمردين

المفتاح

يقول جوناس هورنر الخبير المتخصص في السودان إن "الثقة هي مفتاح جمع السلاح. إلا أن العسكريين، وثيقي الصلة بالانتهاكات التي ارتكبها نظام البشير، لم يظهروا بعد رغبة في التصدي للعنف لإقناع سكان المناطق الريفية بأن بإمكانهم البقاء السلاح".

ولا يعتقد هورنر وهو نائب مدير إدارة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، أن المتمردين الموقعين للاتفاق سيسلمون كل سلاحهم، مشيرا الى أن حركتي تمرد كبيرتين لم توقعا الاتفاق.

ويتابع "لن يلقوا السلاح ما لم تصبح السلطة مدنية تماما، عبر إبعاد الأشخاص المرتبطين" بنظام البشير.

ويقول ياسر عرمان الرجل الثاني في حركة تحرير شمال السودان (متمردة) الموقعة على الاتفاق، إنه "ينبغي تسليم الأسلحة الى القوات النظامية" ولكن "يتيعن علينا بناء جيش محترف لا يتدخل في السياسة".

ومنذ استقلاله عام 1956، ظل السودان طوال ما يقرب من ستة عقود تحت حكم دكتاتوريات عسكرية.

في جوبا تعامل الموقعون على الاتفاق مع ملف جمع السلاح كخبراء نزع ألغام، لإدراكهم انه قضية قابلة للانفجار إذ أعدوا بروتوكولا ينبغي احترام كل حرف فيه من أجل تطبيق الاتفاق وتجنب حرب جديدة، بحسب المفاوضين.

تشكيك

يقضي البروتوكول بإصلاح الجيش من خلال تشكيل "مجلس أعلى" في الأقاليم الثلاثة (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق) خلال الأيام الـ45 المقبلة، يكلف تنفيذ الاجراءات الخاصة بنزع سلاح المتمردين ودمجهم في الجيش السوداني.

في دارفور ينبغي أن تستغرق عملية الدمج 15 شهرا. وفي الاقليمين الآخرين فان الأمر سيتم على ثلاث مراحل تستغرق 39 شهرا.

وذكر الموقع الالكتروني 'غانبوليسي.أورغ' التابع لجامعة سيدني، أنه كان هناك 2.76 مليون قطعة سلاح ناري في 2017 في يد المتمردين في السودان من بينهم 6724 فقط مسجلة.

ويقر محمد حسن التعايشي المتحدث باسم وفد التفاوض الحكومي، أن "الملف الأمني في الاتفاق هو الأكثر تعقيدا". وأضاف "يتعين علينا إدماج المتمردين في الجيش الذي ينبغي إصلاحه وجمع السلاح سيتم في الوقت الذي ينضم فيه المتمردون الى معسكرات تدريب" القوات النظامية.

غير أن جوناس هورنر يشكك في ذلك، قائلا "إن نزع سلاح المدنيين ليس هدفا واقعيا. طالما ليس هناك ما يشبه سلاما دائما مع سلطة تحظى بالثقة فلن يكون هناك ما يشجع المتمردين على الالتزام ببرامج الحكومة لنزع السلاح".