إرحلوا

تتصرف المرجعية وكأنها متفاجئة بالفساد ومعاناة الناس. يقلدها الصدر وكأنه ليس شريكا بالفساد.

منذ الخامس والعشرين من شباط سنة 2011 وحتى اليوم، إنخرطت جماهير شعبنا في تظاهرات مطلبية إحتجاجية ضد سوء الأوضاع الإقتصادية والبطالة ونقص وإنعدام الخدمات والفساد وتفشي الإرهاب. وقد إختلفت الشعارات التي رفعتها الجماهير حسب مزاج السلطات وهي تتعامل مع المتظاهرين وليس حسب مزاج الشارع. فشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ما لبثت الجماهير أن تخلت عنه سريعا تحت ضغط المرجعيات الطائفية والقومية من جهة، ومن وعود كبار مسؤولي الدولة في تلبية مطالب الجماهير من جهة ثانيّة، ولتتركز الشعارات حول نقص الكهرباء وشحّة المياه والبطالة بشكل عام. الا أنّ الشعارات تطورت بشكل بطيء جدا لتطالب بمحاربة الفساد الذي أثّر على حياة الناس بشكل كبير جدا، وفي النهاية تبلور الشعار الذي لا زالت الجماهير ترفعه اليوم وهي تخوض أكبر تظاهرات شهدها العراق لليوم، وهو شعار المطالبة بالإصلاح. هذا الشعار الذي أثار القلق عند حكام المنطقة الخضراء، ونتيجة تشديد الجماهير عليه دخلت المرجعية الدينية على خط التظاهرات مطالبة هي الأخرى بالإصلاح وكأنّ الفساد كان وليد اللحظة! كما ودخل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر على الخط هو الآخر مطالبا بالإصلاح على الرغم من أنّ التيار الصدري كان ولا يزال جزء من منظومة الفساد التي يطالب المواطن بإنهائها!

أنّ تظاهرات تموز هذا العام أكثر إتّساعا من تلك التي اندلعت عامي 2011 و2015، فالسلطة مستمرة في فسادها وسرقاتها، والجماهير طفح بها الكيل وهي تعاني من نقص حاد في توفر الطاقة والماء وفرص العمل وسوء القطاعات الخدمية الأخرى، علاوة على انهيار كامل للقطاعات الانتاجية غير النفطية. لكن، وعلى الرغم من إتّساع زخم التظاهرات ولعدم وجود قيادات ميدانية فاعلة لها، فأنّ شعارات الجماهير لا زالت تراوح مكانها لتتوقف عند نفس المطالب التي رفعتها أوّل مرّة في شباط 2011! ويبدو أنها ميّالة للقبول بحلول آنية هي أشبه بالسراب كتلك التي أطلقها المالكي إثر تظاهرات شباط 2011 والتي طالب فيها من الشعب مهلة 100 يوم لتلبية مطالبه، وها نحن وبعد سبعة أعوام نرى الأوضاع أسوأ من ذي قبل.

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا وفي ظل حراك جماهيري على الرغم من عفويّته. فإننا لسنا بحاجة اليوم الى شعارات كالشعارات التي ترفعها ورفعتها الجماهير في مختلف المدن والبلدات. فالمطالبة بتوفير الطاقة الكهربائية والماء والعمل وغيرها من المطالب، لا تستطيع قوى المحاصصة الفاسدة توفيرها لا على المدى القصير ولا حتّى على المدى البعيد وسبع سنوات على إطلاق المالكي تعهده وعدم تنفيذه كافية لنعرف فساد هذه السلطة وسذاجة قطاعات لا بأس بها من شعبنا. فالأمر لا يتعلق بالفساد فقط، ولا بالمحاصصة كنهج فاشل ومدمر، بل يرتبط أساسا بتنفيذ أجندات ورغبات دول إقليمية لها مصلحة مباشرة في إستمرار الأوضاع في بلدنا على ما هي عليه خدمة لمصالحها ولإغراق السوق العراقية ببضائعها الفاسدة والسيئة، ولتتحكم من خلال تصدير الكهرباء على سبيل المثال لبلدنا بشريان حياتنا الإقتصادي وخنقه متى ما أرادت.

أنّ إستمرار رفع شعارات مطلبية كتوفير الكهرباء والماء وفرص العمل، وحتى محاربة الفساد وإصلاح المنظومة السياسية وغيرها من الشعارات المطلبية الأخرى من قبل الجماهير داخل وخارج العراق. غير كافية لدفع السلطات لتحقيقها مطلقا، فحكومة الخضراء تعرف جيدا من أنّ رفع هذه الشعارات تعني أنّ الجماهير ستركن للهدوء حالما تبدأ السلطات بإطلاق حزمة وعودها لتوفيرها، وقد جرّبت مرات عدّة لليوم هذه الوسيلة وأطلقت وعود عدة دون تنفيذ أو تراجعت عنها بعد فترة وجيزة.

على الجماهير اليوم أن تطور شعارها لإنهاء كافة الأوضاع السلبية التي يعيشها بلدنا وعدم الإكتفاء بالشعارات المطلبية. وقد كان شعار التظاهرة أمام بناية السفارة العراقية بكوبنهاغن والتي نظمها التيّار الديموقراطي وبمشاركة واسعة من قبل جماهير القوى الديموقراطية ومجموعة من الإسلاميين المتنورين، هو الشعار الذي على جماهير شعبنا أن تتبناه. هذا الشعار لم يكن سوى "إرحلوا".

لا خلاص للعراق الا برحيل هذه السلطة الفاسدة بأحزابها المختلفة، فمستقبل وطننا وشعبنا مرهونان برحيل هؤلاء الطغاة واللصوص. ليكن هتاف "أرحلوا" على لسان كل متظاهر من أجل كرامة شعبه ووطنه. أطلقوها صيحة قويّة في تظاهراتكم، فالشعارات المطلبية تعني إستمرار هذه العصابات الفاسدة والمجرمة في الحكم وإستمرار جرائمها ومأساتنا.