إساءة الأمانة كلفتها النفسية باهظة

سلوك الإنسان وفقا لدراسة شملت 40 بلدا يتميز بإيثار غيره عن نفسه عند ايجاده محفظة نقود ضائعة وخوفه من أن يشعر كأنه لص.
تباين بين الدول في مستويات الأمانة لدى السكان
سويسرا والبلدان الاسكندينافية تتصدر قائمة أكثر البلدان أمانة
الصين والمغرب والبيرو وكازاخستان تتذيل الترتيب
موضوع الأمانة يستقطب اهتمام العلماء

 واشنطن – لطالما استقطب موضوع الأمانة لدى البشر اهتمام العلماء في مجالات التحليل النفسي والاقتصاد، لكن نادرا ما طاول هذا المنحى الحياة الواقعية، إلا أن فريقا من الباحثين أجرى تجربة اجتماعية على الحس المدني لدى آلاف الأشخاص في 40 بلدا جرى إعطاؤهم محفظات نقود "ضائعة" لرصد تفاعلهم في مواقف مماثلة.
وتكشف النتائج التي نشرتها مجلة "ساينس" فروقات كبيرة بين البلدان، إذ تصدّرت سويسرا والبلدان الاسكندينافية قائمة أكثر البلدان أمانة فيما ذيّلت الصين والمغرب والبيرو وكازاخستان الترتيب.

كلما كان المبلغ في داخل المحفظة 'الضائعة' أكبر كان يميل الأشخاص أكثر إلى الاتصال بأصحابها لإبلاغهم بذلك 

لكن رُصدت ظاهرة مشابهة بدرجة كبيرة في كل البلدان تقريبا، وهي أنه "كلما كان المبلغ في داخل المحفظة "الضائعة" أكبر كان يميل الأشخاص أكثر إلى الاتصال بأصحابها لإبلاغهم بذلك".
وفي المعدل، تمت إعادة 40% من المحفظات الخالية من المال إلى أصحابها، في مقابل 51% بالنسبة لتلك التي تحوي أموالا. ويبدو بحسب هذه النتائج أن قلة الأمانة لا تزيد مع ارتفاع قيمة المبالغ المتاحة "للسرقة"، ما لا يتناسب مع صورة الإنسان المدفوع حصرا بالجشع المادي.
وبحسب فريق الباحثين من جامعات زيوريخ وميشيغن ويوتا، هذه البحوث واستطلاعات الرأي المكملة لها تظهر مكونين رئيسيين للسلوك الإنساني هما الإيثار وأيضا صورة الشخص عن نفسه وخوفه من أن يشعر كأنه لص.
وكتب معدو الدراسة "عندما يمكن للأشخاص الإفادة بصورة كبيرة من سلوك قائم على إساءة الأمانة، تزيد لديهم الرغبة في الغش غير أن الكلفة النفسية المترتبة عن نظرة الشخص لذاته على أنه لص تزيد أيضا وتكون باهظة وتتخطى أحيانا الشعور الأول".
وقد كلفت هذه التجربة 600 ألف دولار، وهي غير مسبوقة بحجمها. وقد ألقى أشخاص متعاونون مع الباحثين أكثر من 17 ألف محفظة متطابقة على طاولات ومنصات استقبال مؤسسات مختلفة (فنادق ومصارف ومراكز شرطة…)، بواقع حوالى 400 مرة في كل بلد.
وكان هؤلاء يبلغون موظفا بأنهم وجدوا المحفظة المصنوعة من البلاستيك الشفاف على الأرض ويطلبون منه أن يهتم بأمرها ثم يغادرون المكان.
وكانت كل محفظة تحوي ثلاث بطاقات شخصية (عليها عنوان بريد إلكتروني) وقائمة تبضع ومفتاحا. وكان بعض هذه المحفظات خاليا من النقود فيما البعض الآخر كان يضم ما يوازي 13,45 دولارا بالعملة المحلية وبالقدرة الشرائية للبلد.
وتخطت نسبة المحفظات المعادة 70% في النروج وسويسرا. أما في الصين فقد أعاد أقل من 10% من الموظفين المحافظ الخالية من الأموال، وأكثر من 20% أعادوا المحافظ التي تحوي مبالغ مالية.
وفي الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا، أجرى الباحثون التجربة عينها مع 94,15 دولارا، ما زاد نسبة المحفظات المعادة إلى 72%.
كما أن المحفظات الخالية من المفاتيح كانت تعاد بنسب أقل.
وقال طالب الدكتوراه في جامعة زوريخ كريستيان زوند "عندما يكون في المحفظة نقود، يشعر الناس فجأة بأنهم يسرقون كما أن هذا الانطباع يصبح أقوى كلما زادت قيمة المبلغ".
ولا يكفي معدل الثراء أو الفقر النسبي لتفسير الفروق بين البلدان، وفق آلان كون الأستاذ في جامعة ميشيغن.
ويبدو أن للقيم الثقافية المحلية والنظام السياسي أثرا في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، كلما كانت الروابط العائلية أقوى تاريخيا في بلد ما، كلما تراجعت نسبة إعادة المحفظات إلى أصحابها. وقد يكون مرد ذلك إلى أن الناس معتادون في هذه البلدان على الاهتمام بمجموعاتهم الضيقة أكثر من الغرباء، وفق كريستيان زوند.
وطلب الفريق أيضا من 279 عالم اقتصاد التكهن ما إذا كانت المحفظات المليئة بالأموال تعاد بنسب أقل من سواها. وقد نجح أقل من ثلث هؤلاء بتوقع النتيجة بشكل صحيح.
وهذا ما دفع آلان كون للقول بأنه "حتى الخبراء ينظرون بصورة تشاؤمية إلى الدوافع التي تحرك سلوك البشر".
وقال "الناس أكثر أخلاقية مما نعتقد ويجب على السلطات العامة أن تتعلم أكثر منهم".