إسماعيل فهد إسماعيل.. سيد الرواية الكويتية

صلاح عبدالصبور يكتب مقدمة أولى روايات إسماعيل فهد إسماعيل "كانت السماء زرقاء" 1965 مؤكدا أنها رواية القرن.
أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها
الأبنودي: استطاع هذا الروائي الشاعر الحزين جدًا، القوي جدًا، الخبير بمسائلنا أن يمزج بين تجربته الخاصة والعامة في بساطة وعفوية مذهلة.
رواية "كانت السماء زرقاء" رواية مفصلة ونافذة الأثر في الوقت ذاته

بقلم: مصطفى عبدالله

عندما وصلني نبأ رحيله قبل ساعات كتبت على حسابي على الفيسبوك هذه العبارة: "تجم الرواية الكويتية هوى.. صديقي الروائي إسماعيل فهد إسماعيل .. في ذمة الله".
ففي تقديري أنه أهم اسم في مدونة الرواية الكويتية - دون منازع - منذ انتبه الشاعر المصري الكبير صلاح عبدالصبور إلى أهميته في عام 1955، وكتب له مقدمة أولى رواياته "كانت السماء زرقاء" التي نبّهت إلى أهميتها من جديد في مقالي  المنشور بعدد نوفمبر 2017 من مجلة "الشارقة الثقافية".
وكنت قد لمست مدى اعتزاز الراحل إسماعيل فهد إسماعيل بهذه اللفتة الرائعة من شاعر في حجم صلاح عبدالصبور أحد أهم رواد حركة التجديد في القصيدة العربية الحديثة به أثناء الزيارات المتعددة له في مجلسه الخاص بدولة الكويت، وهو ما أكده من جديد عندما كان ضيفُا على معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل عدة أعوام في الدورة التي حلت فيها الكويت ضيف الشرف على هذا المعرض بعد ثورة 2011 
في ذلك اليوم قدمه الأديب سعيد الكفراوي وشاركه المنصة الأديب الكويتي طالب الرفاعي –وبالمناسبة - إسماعيل هو الذي قدَّمَ لي طالب الرفاعي قبل أن تعرفه الساحة الثقافية العربية.
المهم، تحدث إسماعيل في تلك الندوة القاهرية عن قصة نشر روايته الأولى في بيروت، ونوَّه بالدور الذي لعبه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي في ذلك، ولفت إلى أهمية دراسة صلاح عبدالصبور في منحه صك الاعتراف أو شهادة الميلاد الأدبية، وهو بعد يتلمس خطواته الأولى على درب الإبداع الطويل.

الرواية مفاجأة كبيرة

ومن المؤكد أنك عزيزي القارئ مشوق للتعرف على كيفية تقديم صلاح عبدالصبور له، ولذلك سأقرأ عليك ما كتبه في مقدمة الطبعة الأولى للرواية الصادرة عام 1965 عن "دار العودة" في بيروت.
 يقول صلاح عبدالصبور: "في الأعوام الأخيرة أسجل بضعة ظواهر لعل أولها: هذا التحول الكبير في منهج الروائي العظيم نجيب محفوظ.
وثانيها: قراءتي لثلاثة أعمال روائية جديدة أود أن أشير إليها كإشارات إلى أدب القرن العشرين.
وثالثها: ما يعتمل في صدور الروائيين والقصاص الجدد من أزمات يعبرون عنها أحيانًا بالإبداع، وأحيانًا أخرى بالسخط والجدل العنيف.
أما الأعمال الثلاثة التي أشرت إليها فهي: رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، و"سداسية الأيام الستة" لإميل حبيبي، ثم هذه الرواية الصغيرة الجديدة لإسماعيل فهد إسماعيل.
وإسماعيل فهد إسماعيل قد يبدو اسمًا جديدًا على كثير من القراء العرب، وقد كان جديدًا بالنسبة لي حتى لقيته. إذ زارني قادمًا من الكويت إلى القاهرة في عمل يتصل بالتربية والتعليم اللذين يمارسهما، وقضينا ساعة نثرثر، ثم دفع إلىَّ بعملين من أعماله؛ مجموعة قصصية، ورواية لأقرأهما، وأحدثه عن رأيي فيهما.
وكانت الرواية مفاجأة كبيرة لي، فهذه الرواية جديدة كما أتصور، رواية القرن العشرين، قادمة من أقصى المشرق العربي، حيث لا تقاليد لفن الرواية، وحيث ما زالت الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان.
ولم يكن سر دهشتي هو ذلك فحسب، بل لعل ذلك لم يدهشني إلا بعد أن أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها.
رواية "كانت السماء زرقاء" رواية مفصلة ونافذة الأثر في الوقت ذاته.
إنهما رحلتان يخوضهما البطل نحو عمق الحياة، رحلتان مشوبتان بالمعاناة والتفسخ والعذاب".

حظي بتقديم أكثر من شاعر عربي كبيرر
ينفرج فمك عن ابتسامة واسعة

واللافت أن هذا الروائي الكويتي حظي بتقديم أكثر من شاعر عربي كبير، فقد قال عنه صديقي عبدالوهاب البياتي: "أعتقد أن هذه الرواية جديدة بحق، وسيكون لها شأن مهم بين الإنتاج الروائي العربي".
أما الشاعر عبدالرحمن الأبنودي فقال عنه: "لقد استطاع هذا الروائي الشاعر الحزين جدًا، القوي جدًا، الخبير بمسائلنا أن يمزج بين تجربته الخاصة والعامة في بساطة وعفوية مذهلة".
وأعترف بأن عدم فوز رواية إسماعيل فهد إسماعيل: "في حضرة العنقاء والخل الوفي" بجائزة البوكر للرواية العربية في دورة 2014 أزعجني كثيرًا لأنني من العارفين بقيمته الأدبية، ولعل عدم فوزها رغم وصولها إلى القائمة القصيرة تسبب في أن أعبرها إلى رواية أخرى له هي: "على عهدة حنظلة"، الصادرة عن دار العين، والتي اتبع فيها الراحل تكنيكًا روائيًا عبقريًا يزيد من غموضها، ويضاعف من حيرة قارئها، ثم سرعان ما تتكشف الحجب، وتضاء المناطق المظلمة فيها، وهنا يقول الدكتور عبدالبديع عبدالله الأستاذ بجامعة بورسعيد: "انظر كيف صنع إسماعيل هذه الذاكرة المفترضة في الرواية".
لم يكن ذلك بإمكانه إلا بالاستعانة بمن شكلوا هذه الذاكرة في وجدانه الإنساني، ولهذا السبب استعاد كتابات زملائه من الكتاب والفلاسفة وعلى رأسهم إميل حبيبي وغسان كنفاني، بل واستعاد أيضًا شخصية المسرحي السوري سعد الله ونوس الذي أعجبته شخصية "حنظلة" أو أعجبه صبر حنظلة، فأراد أن يصنع منه نصًا مسرحًيا ينقل عبره إحساسه.. بل إنه استعان بتاريخه منذ طفولته في قريته، إلى خروجه مع أهله إلى المنفى.. إلى حياة المخيم.. إلى عمله، متنقلًا بين بيروت والكويت، وأخيرًا.. لندن، حيث كانت محطته الأخيرة، التي انفجر فيها فيض مشاعره في تساؤلات وإجابات لا حدود لها:
"ناوشك صوت حنين وهي تتقمص شخصية الرجل الرسمة، لتتريث بين المقطع والآخر تاركة فسحة زمن لسؤال مفترض موجه من جانب ذلك الصحفي.  

مش ممكن أبيع بلدي
التكنيك الذي كتب به الراحل رواياته 

No  مستر me not شيوعي me قصدي iam ثورة حتى النصر me  مع فتح.. فاطمة my wife كانت ولا تزال مع فلسطين  my boyالكبير مع الشعبية، الـ small  مع المقاومة الوطنية اللبنانية، my  بنت مع الديمقراطية.. الباقي مش عارف مع مين.. يعني كل الفاميليا ضد أمريكا والصهاينة.. وعرب أمريكا وكامب ديفيد وجماعة أبو حصيرةi قصدي يا مستر: مش ممكن أبيع بلدي، ولا ممكن أهدى أو أسكت and if  كل أولادي يرجموا حجارة.. yes ، ولك يا زلمة.. قصدي: يا مستر  no one من ها الزعامات بيعرف شو عمن تعذّب.. المسيح انصلب مرة، إحنا كل يوم.. قال أيش أيوب صبر!  My wife  فاطمة دايمًا بتقول: الكل باعونا..  فاطمة my love  أخت الرجال بتسوى ألف زلمة من اللي شاطر ببزط الحكي بس.. yes فاطمة اللي بعدها معلقة مفتاح بيتنا بالناصرة برقبتها... طبعًا إحنا بنحب لبنان وخصوصًا الجنوب لأنو قريب من الجليل.. والمثل قال: كرما لعين الحلوة تكرم مرجعيون.. عم تسألني إذا أنا مسلم أو مسيحي؟ سني أو شيعي؟ أما سؤال بارد صحيح.. مُش فهّمتك من الأول يا أخو الشليتة إني poor  ابن poor. 
سادت ثواني صمت.
همس حنظلة. طوت "حنين" قصاصة الصحيفة، أعادتها لحقيبتها، سمعتها تُفلت زفرة قصيرة: اللهم إني بلغت. 
استطردت:
 سواء كنت تعرف أم لا.. رسمتك هذه بما حوته من كلمات انعكاس حقيقي لما تعرف أم لا.. رسمتك هذه بما حوته من كلمات انعكاس حقيقي لما يعتمل في ضمير الإنسان العربي على الرغم من كونها فلسطينية خالصة.  
يناورك وعيك، تحضرك نظرة العتب في عيني، "وداد" لدى انتهائها من قراءة كتابات مُلحقة بهذه الرسمة أو تلك.
 تُلفت انتباهك. أنت لا تبذل جهدك تتحرى صحة كلماتك إملائيًا. ينفرج فمك عن ابتسامة واسعة. يجب أن أكتب المفردات المطلوبة كما تُنطق. دهشتها باستنكارها. لماذا. أضع الكلمات المتداولة على لسان الشخصية ببساطتها وعفويتها. لا تقتنع بردّك. تُضيف من جانبك: هناك مزيّة أخرى.. الأخطاء اللغوية تستفز المثقفين فلا ينسون المواضيع ذات الصلة. تسلّم لك "وداد" غير راضية. وجهة نظر. صدق أو لا تصدق. قالت "حنين". بي شوق للقراءة من مخطوط سرايا".
هذا هو التكنيك الذي كتب به الراحل رواياته التي تشي بأن مبدعها كان يحلم بأن يكون مخرجًا سينمائيًا، فقد كان يرى الدنيا كلها من حوله تتحرك داخل كادر.