رفع الغطاء السياسي عن حزب الله يحيي امال محاسبة قتلة لقمان سليم
بيروت - عاد ملف التحقيق باغتيال الناشط السياسي لقمان سليم المعارض لحزب الله إلى الواجهة مجددا مع بداية عهد جديد في لبنان يتم خلاله إعادة فتح القضايا التي تم إغلاقها أو المماطلة بها بسبب ضغوط سياسية، بما فيها قضية سليم الذي أعلن القضاء في شباط/فبراير الماضي، توقف التحقيق فيها وإصدار قرار ظني باتهام "مجهولين" بالوقوف وراء خطفه وتصفيته.
وأعلنت رشا الأمير شقيقة الناشط السياسي لقمان سليم، أن القاضية رندة كفوري قررت إعادة فتح ملف اغتيال شقيقها، الذي كان قد توقف قبل أشهر بسبب عدم تمكن المحققين من الوصول إلى هويات مرتكبي الجريمة.
وفي تغريدة على حسابها على إكس، قالت الأمير "قررت الرئيسة رندة كفوري من محكمة التمييز وباسم الشعب اللبناني إعادة فتح ملفّ اغتيال لقمان سليم"، مضيفة نقلا عن كفوري قولها "لا بد من الإشارة أنه بمعزل عن أخلاقيات القاضي المطلوب نقل الدعوى منه … هذا فضلا عن القرارات التي اتخذها … يستدعي نقل الدعوى".
وسليم هو باحث وناشر وناشط سياسي لبناني، وُلد في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 1962، حاصل على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون في باريس، وعُرف في مجال التأريخ والنشر والبحوث والترجمة واللغة.
وكان من أبرز معارضي حزب الله في البيئة الشيعية وتعرّض لكثير من حملات التخوين، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 حين كان حراك 17 أكتوبر /تشرين الأول في أوجّه، تعرّض منزله الواقع في الضاحية الجنوبية في بيروت للاعتداء، وحمّل سليم حينها حزب الله المسؤولية.
وقال في بيان أصدره آنذاك "استدراكاً على أي محاولة تعرُّض لفظية أو يدوية لاحقة، لي أو لزوجتي أو لمنزلي أو لدارة العائلة أو لأي من أفراد العائلة، أو القاطنين في الدارة، فإنني أحمِّل قوى الأمر الواقع (حزب الله) ممثلةُ بشخص (أمينه العام) حسن نصر الله المسؤولية التامّة عما جرى وعما قد يجري". مضيفاً "اللهم إني بلغت اللهم فاشهد".
ومطلع فبراير/شباط2021 عثر على سليم جثة داخل سيارته، مصابا بخمس رصاصات في الرأس وطلقة في أعلى الظهر، إضافة إلى كدمات على وجهه وزنده الأيسر في بلدة العدوسية جنوب لبنان.
واعتبر الكثيرون أن اغتيال سليم هو رسالة تخويف للناشطين في بلد تُرك فيه الناس لمصيرهم بمواجهة حزب الله. وكانت شقيقته رشا الأمير، قد قالت في حديث صحافي إنها "لا تتهم أحداً في اغتيال أخيها"، لكنّ "المسؤولين عن الجريمة معروفون، هم قاموا بتوجيه أصابع الاتهام لأنفسهم، من المعروف مَن هو المتحكم في هذه المنطقة" في إشارة إلى المنطقة التي وُجد فيها سليم مقتولاً، مذكّرةً بأنّ شقيقها كان قد سبق وتعرض لتهديدات متنوعة.
وتوقف التحقيق في جريمة اغتيال سليم في شباط/فبراير الماضي، بعد أن أصدر قاضي التحقيق بلال حلاوي قراره الظني، وجاء فيه أن القرار اتخذ نتيجة "عدم توفر أدلة تحدد هوية مرتكبي الجريمة لتوقيفهم وسوقهم إلى العدالة"، مكتفيا بتوجيه الاتهام إلى "مجهولين بالوقوف وراء خطف وتصفية لقمان سليم".
وأثار القرار في حينه استياء عائلة سليم، التي اعتبرت أن القاضي خضع لضغوط سياسية وتجاهل المذكرات المقدمة له. واعتبرت عائلة سليم أن القضاء عجز عن تحقيق العدالة وعن تسمية قاتل سليم، وأنها محاولة لطي صفحات الملف وعدم تحقيق العدالة.
وأصدرت القاضية رندى كفوري قبل إحالتها إلى التقاعد حُكمًا قضائيًا يقضي بنقل الدعوى من قاضي التحقيق الأول ببيروت بلال حلاوي لقاضٍ آخر يُكلّف عبر المرجع القضائي المختص.
وأتى هذا الحُكم بعد أن تقدّمت عائلة سليم منذ أشهر، وبالتزامن مع وجود الملف لدى حلاوي، بدعوى أمام محكمة التمييز طلبت فيها نقل الدعوى لقاضٍ آخر، بحجة أن حلاوي "اتخذ إجراءات قضائيّة تساهم في عرقلة تحقيق العدالة للقمان".
وتم طي العشرات من الملفات لدى القضاء اللبنانيّ تتعلق بملفات الاغتيالات السياسيّة خلال العقود الماضية، التي أخذت منذ العام 2005 منحى متصاعداً، بدأ مع محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، حتى اغتيال لقمان سليم.
اللافت في هذه الاغتيالات قاسم مشترك واحد، هو اختلاف جميع الشخصيات المستهدفة مع حزب الله وهذا يطرح شكوكاً حول هوية الجهة المتورطة بهذه الاغتيالات. وما يزيد الشكوك أكثر، هو سلوك الأجهزة الأمنية والقضائية، التي تكشف غالباً جميع الجرائم وتفكك شبكات التجسس الأجنبية لكنها تتعطّل وتصاب بالشلل عند كل جريمة سياسية أو اغتيال من هذا النوع.
ويرى الكثيرون اليوم مع دخول لبنان مرحلة جديدة في ظل التغيرات السياسية الأخيرة، أن الحصانة بدأت ترفع عن مرتكبي الجرائم والتأسيسي لتحقيق العدالة في أكثر الملفات الحساسة ومنع التدخل السياسي في العمل القضائيّ.
ويبدو ذلك واضحًا في ملف المرفأ الذي بدأ يتحرك بوتيرة سريعة بعيدا عن الضغوط السابقة، لاستكمال التحقيقات وترى المصادر نفسها أن الحكم القضائيّ يوحي أن القضاء يحاول إعادة ثقة المواطنين بقضاء عادل قادر على تحقيق العدالة.
وتعكس سلسلة الاستجوابات مرحلة جديدة لإحياء التحقيقات في ملف المرفأ بعد تجميدها سنتين، وتعطيل مهمة المحقق العدلي برفع دعاوى خصومة ضده.