إعادة نشر فيديو لتدريبات قديمة تكشف زيف تهديدات 'حسم'

مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يؤكد أن المقطع المتداول للتنظيم المرتبط بالإخوان لا يعدو كونه إعادة منتجة لمحتوى قديم يعود إلى عام 2017.
اعادة نشر فيديو قديم على أنها تدريبات جديدة يكشف ضعف التنظيم
الجماعات المتطرفة تستغل حالة الغليان في المنطقة بسبب حرب غزة

القاهرة - في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة حالة من التوتر المتصاعد نتيجة الحرب الجارية في غزة، وتزايد الدعوات المتطرفة لاستغلال الفوضى الأمنية، أطلّ تنظيم "حسم" الإرهابي مجددًا بفيديو دعائي يحمل تهديدات لمصر، في محاولة واضحة لإثبات الوجود وخلق حالة من البلبلة. لكن سرعان ما تم كشف زيف هذه التهديدات، بعدما أثبت مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن المقطع المتداول لا يعدو كونه إعادة منتجة لمحتوى قديم يعود إلى عام 2017.
وسلط البيان الصادر عن المرصد الضوء على ما وصفه بـ"الاحتيال الإعلامي" الذي مارسه تنظيم "حسم"، مؤكدا أن الفيديو الذي انتشر مساء الجمعة عبر بعض قنوات التنظيم على منصات التواصل الاجتماعي، ويحمل عنوان "قادمون"، ليس جديدًا كما حاول التنظيم الترويج، بل هو إعادة مونتاج لمقطع سابق بعنوان "قاتِلوهم"، تم بثه قبل نحو ثماني سنوات.

وانتهى الفيديو، الذي احتوى على لقطات لتدريبات عسكرية بإطلاق نار وتجارب باستخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة، برسالة تهديد موجهة للأمن المصري، أثار جدلاً واسعًا قبل أن يتضح أنه لا يعكس قدرات حقيقية أو نشاطًا ميدانيًا فعليًا، بل مجرد محاولة يائسة لاستعادة الزخم بعد فشل التنظيم في تجنيد عناصر جديدة أو تنفيذ عمليات ملموسة خلال السنوات الأخيرة.
وأشار تحليل مرصد الأزهر لمضمون المقطع بوضوح إلى تطابق المشاهد مع الفيديو القديم، مع إجراء تعديلات في المونتاج وبعض الكتابات المصاحبة، دون إضافة أي محتوى ميداني جديد. وهذا الأمر، بحسب مختصين، يكشف حجم التراجع الذي تعاني منه "حسم"، سواء على مستوى التأثير الإعلامي أو القدرة اللوجستية والتنظيمية، إذ إن الاعتماد على مواد دعائية قديمة يعكس عجز التنظيم عن إنتاج محتوى جديد من واقع العمليات أو التجنيد.
ويقول تقرير المرصد إن هذا "الإصدار المصور لا يخرج عن كونه استعراضًا إعلاميًا باهتًا"، يهدف إلى إعادة اسم "حسم" إلى واجهة الأخبار، بعد أن فقد التنظيم قدرته على إثارة الرأي العام أو تهديد الأمن الداخلي فعليًا مشيرا إلى أن "التهديدات التي تضمنها الفيديو ما هي إلا محاولات انتقامية للتشويش على الاستقرار الذي تنعم به مصر، لا سيما في ظل تصاعد موقعها الإقليمي والدولي وتقدمها على مسار الإصلاح الاقتصادي".

الإصدار المصور لا يخرج عن كونه استعراضًا إعلاميًا باهتًا

ووفق ما ورد في البيان ، فإن بثّ الفيديو في هذا التوقيت لم يكن صدفة، بل يتقاطع مع دعوات تنظيم داعش الإرهابي الأخيرة، التي تحث أتباعه على استغلال حالة الفوضى والصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الحرب في غزة، من أجل تنفيذ عمليات إرهابية وإثبات الوجود. ويُعتقد أن تنظيم "حسم"، الذي لطالما ارتبط تنظيميًا وفكريًا بجماعة الإخوان الإرهابية، تلقف هذه الدعوة، في محاولة لإحياء نفسه من خلال لعب دور الذراع المحلية لداعش في مصر.
إلا أن مثل هذه المحاولات لم تلقَ صدى واسعًا، بل على العكس، قوبلت بسخرية واستهجان في الأوساط الأمنية والإعلامية، بعد انكشاف التزوير في الفيديو. وهو ما يعزز الاعتقاد بأن التنظيم يعيش مرحلة من التآكل والعزلة بعد الضربات الأمنية التي تلقاها في السنوات الماضية، والتي طالت بنيته الأساسية ومصادر تمويله وقياداته الميدانية.
من جانبه، أكد مرصد الأزهر في بيانه "ثقته الكاملة" في قدرات الأجهزة الأمنية المصرية، مشيرًا إلى جاهزيتها العالية في مواجهة أي تهديدات محتملة، سواء من "حسم" أو غيرها من التنظيمات المتطرفة، مثل "داعش". وأضاف البيان أن "قوات الأمن المصرية نجحت خلال السنوات الأخيرة في اقتلاع جذور الإرهاب، وجعلت من الدولة المصرية نموذجًا في الاستقرار وسط محيط إقليمي ملتهب".
ويأتي تأكيد المرصد في ظل تنامي المخاوف من أن تستغل بعض الجماعات المتطرفة حالة الغليان في المنطقة بعد اشتداد الحرب في غزة، والتحولات السياسية والأمنية التي ترافقها، لمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية. لكن الأجهزة الأمنية المصرية، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة، رفعت مستوى التأهب منذ بداية الأزمة، وتم تعزيز الإجراءات في المناطق الحدودية، مع تكثيف الرقابة على الداخل وملاحقة العناصر المشبوهة.
وفي سياق متصل، شدد مرصد الأزهر على أهمية "تحصين المجتمع المصري، وخاصة فئة الشباب، من محاولات التضليل التي تمارسها هذه الجماعات"، مؤكدًا أن "المعركة اليوم ليست فقط أمنية، بل فكرية بالدرجة الأولى" مضيفا "وعي أبناء الوطن هو الدرع الحقيقي لمواجهة هذه المخططات، ونحن نحرص على تقديم قراءة تحليلية عميقة للدوافع الخفية وراء أي تحرك إعلامي أو دعائي متطرف".
وأوضح أن خطورة هذه المقاطع تكمن أحيانًا في قدرتها على جذب متعاطفين أو مراهقين مغرر بهم، مشيرًا إلى ضرورة تكاتف المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية في التصدي لهذا النوع من الاستقطاب الإلكتروني.
وختم البيان برسالة واضحة جاء فيها "نثق بقدرة الدولة المصرية وأجهزتها على إفشال أي مخطط إرهابي مهما تنوعت أساليبه. كما نؤكد أن الحل الحقيقي لإنهاء استغلال الجماعات المتطرفة للقضية الفلسطينية، هو تحقيق حل عادل وشامل يُنهي معاناة الشعب الفلسطيني، ويقطع الطريق أمام أولئك الذين يتاجرون بالقضية لتحقيق أجنداتهم الإرهابية".
وبهذا، يظهر جليًا أن محاولة "حسم" الأخيرة لا تعبّر عن عودة فعلية للتنظيم، بقدر ما تعكس مأزقه الإعلامي والتنظيمي، في وقت تقف فيه مصر على أرضية صلبة أمنيًا، رغم كل التحديات الإقليمية المحيطة.