إفريقيا الحاضر الغائب في مؤتمر برلين حول ليبيا

إفريقيا التي أصيبت بالصدمة جراء الأزمة في ليبيا وارتداداتها على أمن منطقة الساحل حيث يشن الجهاديون هجمات دموية، تريد إسماع صوتها في القضية الليبية بعد تهميشها لسنوات.
إفريقيا المهمشة في الجهود لتسوية النزاع الليبي تريد إسماع صوتها
التدخل التركي في ليبيا يثير قلقا إفريقيا من توسع الصراع
رئيس الاتحاد الإفريقي أمام مهمة تبدو صعبة في مؤتمر برلين

نيامى - تبدو إفريقيا الحاضر الغائب في مؤتمر برلين رغم أنها معنية أكثر من أوروبا بتطورات الوضع في ليبيا، فالترتيب والدفع أوروبي لسحب البساط من تحت أقدام روسيا وتركيا بعد أن ألقت الدولتان بثقلهما في الملف الليبي، فيما تبدو الدول الإفريقية المدعوة للمؤتمر قد دعيت من باب رفع العتب أكثر منه إشراكا في إيجاد حلّ للأزمة.

ولم تخف أوروبا قلقها من صراع إقليمي أوسع بعد تدخل تركيا في الأزمة الليبية دعما لحكومة الوفاق الوطني في مواجهة تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إلى قلب العاصمة طرابلس. كما تتوجس من طوفان من المهاجرين الأفارقة انطلاقا من الساحل الليبي ويبدو أنه هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع الأوروبيين لتوجيه الدعوة للاتحاد الافريقي لمؤتمر برلين.

وتدعم الدول الأوروبية حملة حفتر المستمرة لمكافحة الإرهاب في ليبيا إلا أنها تلح في المقابل على حل سياسي ينهي الصراع الحالي مع قناعتها بأن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة والمنبثقة عن اتفاق الصخيرات في 2015، تبدو عاجزة منذ توليها السلطة في طرابلس في مارس/اذار 2016 عن كبح انفلات سلاح الميليشيات والمهربين.

وفي خضم هذا المشهد المتقلب والذي يزداد تعقيدا بفعل التدخلات التركية، تسعى إفريقيا التي أصيبت بالصدمة جراء الأزمة في ليبيا وعواقبها في منطقة الساحل حيث يشن الجهاديون هجمات دموية، إلى إسماع صوتها في القضية الليبية بعد تهميشها لعدة سنوات.

ومن المقرر عقد مؤتمر دولي حول ليبيا برعاية الأمم المتحدة الأحد في برلين سيحضره رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، لكن مهمته لن تكون سهلة، فيما قال إبراهيم يعقوبة وزير الخارجية السابق في النيجر إن "مشاركة اللاعبين الجدد تزيد من تعقيدات الأزمة الليبية".

وتقول ايبا كالوندو المتحدثة باسم فكي "لقد طالب الاتحاد الإفريقي بانتظام بدور رئيسي في العملية الجارية، لكن تم تجاهله دائما". والمسألة لم تبدأ أمس.

وغرقت ليبيا في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011 بعد انتفاضة شعبية وتدخل عسكري بقيادة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وهذا التدخل رفضته إفريقيا ومازال جيران ليبيا يشكون منه بمرارة.

وإذا كانت هناك أسباب داخلية للهجمات الجهادية في الساحل، إلا أن الأزمة في ليبيا أوجدت فراغا أمنيا فضلا عن انتشار آلاف قطع السلاح والذخيرة والمتفجرات، ما ساهم بطريقة حاسمة في الصعود القوي للجماعات الجهادية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال الأعوام الأخيرة.

وقد كرر الرئيس النيجيري محمد ايسوفو القول في نيامي في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أن "المجتمع الدولي مسؤول عما يحدث لنا من خلال قراره الكارثي بالتدخل في ليبيا".

وكان قد صرح بأن "ليبيا إفريقية لا يمكننا تسوية النزاع الليبي مع تهميش الاتحاد الإفريقي"، فيما قال الرئيس التشادي إدريس ديبي إن "المعركة ضد الإرهاب في الساحل تنطوي بالضرورة على حل الأزمة الليبية. لا تزال الفوضى الليبية تشكل المصدر الرئيسي لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل بأكملها" وفق ما أكد في تصريح سابق في ديسمبر/كانون الأول 2019 في روما.

ويستمر الوضع في التدهور في هذه المنطقة، ففي العام الماضي أدت الهجمات الإرهابية إلى مقتل أربعة آلاف شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر رغم الإجراءات التي اتخذتها فرنسا والولايات المتحدة إلى جانب الجيوش الوطنية.

وكان مصدر دبلوماسي غربي قال قبل بضعة أشهر إنه "يمكن لإفريقيا أن تأمل في الحصول على تجاوب أكبر مع تدهور الوضع الأمني في الساحل".

وبعد تجاهلها لفترة طويلة، نشطت لجنة الرفيعة المستوى تابعة للاتحاد الإفريقي المعنية بليبيا برئاسة رئيس الكونغو دوني ساسو نغيسو في الأسابيع الأخيرة.

وفي السادس من يناير/كانون الثاني قال الرئيس الكونغولي إن "ليبيا بلد إفريقي والضحايا من إفريقيا بشكل أساسي لذا فإن كل إستراتيجية لحل الأزمة الليبية تتجه إلى تهميش القارة الإفريقية قد تكون غير فعالة تماما وتؤدي إلى نتائج عكسية".

وتوجه مبعوث من نغيسو إلى الجزائر البلد الرئيسي في النقاشات الدولية الحالية، بهدف بحث سبل "تنشيط عملية المفاوضات بين الأطراف الليبية"، وفق بيان للرئاسة الجزائرية، لكن الجانبين بحثا كذلك "دور الاتحاد الإفريقي في إحياء عملية السلام".

وتقول كلوديا غازيني من "مجموعة الأزمات الدولية" إن "الملف لا يزال بيدي الأمم المتحدة التي لا ترى بالضرورة الاتحاد الأفريقي صوتا حاسما".

وأوضح مصدر في النيجر أن الاتحاد الإفريقي "منقسم"، مشيرا على سبيل المثال إلى أن "مصر لا تريد أن يتولى الاتحاد الإفريقي مسؤولية هذا الملف".

ويثير انقسام ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، والقوة الضاربة في مكافحة الإرهاب التي يجسدها الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، قلق القارة.

وأدى دخول لاعبين جدد إلى تصاعد المخاوف الإفريقية، فهناك روسيا ومصر والإمارات والعديد من الدول العربية والغربية التي تدعم جهود حفتر الرامية لإعادة الاستقرار وتطهير ليبيا من الإرهاب وتركيا التي تدعم سلطة الوفاق في طرابلس التي سمحت للرئيس التركي بنشر جنوده في هذا البلد.

ولم يعد خافيا الدور التركي في تأجيج الصراع في ليبيا التي يعتبرها أردوغان بوابة للتمدد في إفريقيا وساحة حيويا لإسناد جماعات الإسلامي السياسي ومنها جماعة الإخوان التي تسيطر على غرب ليبيا إلى جانب ميليشيات متطرفة.

ولم يوقع حفتر بعد مشاورات استضافتها موسكو وحضرتها تركيا على اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار في ليبيا، لكن وقف إطلاق النار لايزال ساري المفعول منذ الأحد الماضي.

وكان حفتر قد أبدى دعمه للجهود والحراك الدبلوماسي لحل الأزمة إلا أن القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أكدت مرارا أن مفتاح حل الأزمة يبدأ بتفكيك ميليشيات حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج ووقف تسليح تركيا للميليشيات المتطرفة وتدخلاتها في الشأن الليبي.