إقصاء الأكراد من اللجنة الدستورية يعيد التناغم بين أردوغان والأسد

الإدارة الذاتية الكردية تصف إقصائها من اللجنة الدستورية لسوريا التي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيلها، بالقرار غير العادل.

دمشق - رفض الأكراد في سوريا إقصائهم من اللجنة الدستورية، التي أعلنت الأمم المتحدة اليوم الاثنين عن تشكيلها كجزء من العملية السياسية لإنهاء النزاع المستمر منذ العام 2011.

واعتبرت الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا في بيان الاثنين "إقصاءها" عن اللجنة "إجراء غير عادل".

يأتي ذلك بعد أن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تشكيل اللجنة الدستورية لسوريا وهي خطوة منتظرة منذ وقت طويل في إطار عملية سلام متعثرة.

وقال غوتيريش للصحفيين الاثنين "ستسهل الأمم المتحدة في جنيف عملها" مضيفا أن اللجنة ستجتمع خلال الأسابيع المقبلة.

ولا تضم اللجنة ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشمال شرق سوريا وهو ما كان يثير مخاوف الأكراد من قبل، حيث يجهض إقصائهم من اللجنة الدستورية الاعتراف بحقوقهم القومية في سوريا.

وردا على إعلان المنظمة الدولية قالت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية "لن نكون معنيين بأي مخرجات بدوننا".

وتسيطر الإدارة الذاتية التي أعلنها الأكراد قبل سنوات على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا بعد أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية التابعة لها، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، من طرد تنظيم داعش الّإرهابي من آخر نقاط سيطرته في شرقي البلاد.

وترى الأمم المتحدة في اللجنة خطوة تالية ضمن جهود التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب السورية المستمرة منذ ما يربو على ثماني سنوات.

وتعثرت عملية تشكيل هذه اللجنة منذ الإعلان عنها في لقاء جمع بعض الأطراف السورية في سوتشي في كانون الثاني/يناير 2018. وأبرز أسباب الخلاف تمثلت برفض السلطات السورية قسماً من الأسماء التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة السابق.

إلا أن غوتيريش أعلن الأربعاء أنّ الأطراف السورية توصّلت إلى "اتفاق على تكوين اللجنة".

ويفترض أن تضم اللجنة 150 عضواً، خمسون منهم تختارهم دمشق، وخمسون تختارهم المعارضة، وخمسون يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة بهدف الأخذ في الاعتبار آراء خبراء وممثلين للمجتمع المدني.

غوتيريش
معضلة عودة المفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية أمام غوتيريش

وبالإضافة إلى تشكيلة اللجنة الدستورية، فإنّ الخلاف بين المعارضة والنظام يدور أيضاً حول آلية عملها وتوزع المسؤوليات بين أعضائها. وتطالب المعارضة بصوغ دستور جديد لسوريا، فيما لا توافق السلطات السورية إلا على تعديل الدستور الحالي.

وكان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون قد وصف في وقت سابق الاثنين، المباحثات في دمشق مع وزير الخارجية وليد المعلم بشأن اللجنة الدستورية بـ"الناجحة".

وإثر لقائه المعلم، قال بيدرسون للصحافيين "اختتمت اليوم جولة أخرى من المناقشات الناجحة للغاية مع وزير الخارجية المعلم".

وأضاف "لقد تطرقنا إلى جميع القضايا العالقة المتصلة باللجنة الدستورية" مشيراً إلى "محادثات إيجابية" أجراها كذلك مع رئيس هيئة التفاوض السورية، التي تمثّل أبرز مكونات المعارضة السورية.

ومن المنتظر إن يطلع المبعوث مجلس الأمن على مضمون المحادثات.

وأعلنت وزارة الخارجية السورية من جهتها في بيان أن الاجتماع كان "إيجابياً وبناء"، وجرى خلاله "بحث القضايا المتبقية المتعلقة بتشكيل اللجنة الدستورية، وآليات وإجراءات عملها، بما يضمن قيامها بدورها وفق إجراءات واضحة ومتفق عليها مسبقاً، وبعيداً عن أي تدخل خارجي".

وأكد المعلم "التزام سوريا بالعملية السياسية (...) ومواصلة التعاون مع المبعوث الخاص لإنجاح مهمته".

وأوردت صحيفة الوطن، المقربة من الحكومة السورية، في عددها الاثنين، أنه من المحتمل أن يعلن بيدرسون تشكيل اللجنة خلال أعمال الجمعية العامة، على أن تباشر أعمالها نهاية الشهر المقبل في جنيف.

ويواجه بيدرسون، الدبلوماسي المخضرم، مهمة صعبة تتمثل بإحياء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السوريتين في الأمم المتحدة، بعدما اصطدمت كل الجولات السابقة بمطالب متناقضة من طرفي النزاع.

الأكراد خارج التسوية الثلاثية وسط صمت أميركي
الأكراد خارج التسوية الثلاثية وسط صمت أميركي

ويرى مراقبون للشأن السوري أن الاجتماع الذي عقد في أنقرة منذ أسبوع بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا كان سببا في الضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقبول التقارب مع نظام بشار الأسد مقابل إقصاء الأكراد من اللجنة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشجع فيها موسكو أنقرة للتعاون مع النظام السوري لمحاربة العدو الكردي المشترك، لكن تركيا رفضت الإصغاء إلى مثل تلك الاقتراحات من قبل.

يكن يبدو أن أردوغان الذي وجد نفسه في مأزق تمسك واشنطن بحلفائها الأكراد فيما يخص المنطقة الآمنة جعله يغير رأيه هذه المرة، حيث شدد في ختام الاجتماع الثلاثي على خطر تعزيز قدرات القوات الكردية في شمال سوريا.

وفي إشارة واضحة إلى الأكراد جاء في بيان تركي في ختام القمة أن محاولات جماعات "فرض واقع جديد على الأرض" وطرح "مبادرات حكم ذاتي غير مشروعة" غير مقبولة.

ويتألف العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة من مقاتلين أكراد من وحدات حماية الشعب، التي لها علاقات قوية مع حزب العمال الكردستاني. لذلك، عارضت تركيا ضم أعضاء هذه المنظمة إلى اللجنة الدستورية.

وقبل القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان  بيوم واحد، بعثت الحكومة السورية رسالة إلى غوتيريش وصفت فيها قوات سوريا الديمقراطية بـ"الميليشيا الإرهابية الانفصالية".

وقالت وسائل إعلام تركية إن هذه الرسالة هي رسالة أيضا إلى الحكومة التركية، في إشارة إلى عودة التناغم بين دمشق وأنقرة بعد أن كان أردوغان يعتبر نظام الأسد غير شرعي وقد حاول بشتى الطرق العمل على تنحيته من السلطة في السنوات الماضية.