إلغاء محاكم الميدان بارقة أمل للكشف عن مصير آلاف المفقودين في سوريا

مرسوم الأسد قد يساعد معتقلين كثر في سجون النظام السوري ينتظرون أحكام إعدامهم، فيما يترقب ناشطون توضيح ما ينتج عنه.

 

بيروت – أنهى الرئيس السوري بشار الأسد العمل بمحاكم الميدان العسكرية التي يؤكد حقوقيون أنها أصدرت أحكام إعدام بحق “الآلاف” خلال النزاع، في خطوة قابلها ناشطون بحذر في انتظار اتضاح مداها.
وأعلنت الرئاسة السورية في بيان الأحد أن الأسد أصدر مرسوما ينهي العمل بمرسوم صادر في العام 1968 يتضمن “إحداث محاكم الميدان العسكرية”.
وأوضحت أن القضايا المرفوعة أمام محاكم الميدان ستحال “بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية”. وبات المرسوم نافذا من تاريخه.
ويرى مراقبون أنه هذه الخطوة ربما جاءت لامتصاص غضب الشارع السوري، مع تصاعد الاحتجاجات في جنوب سوريا المطالبة بإجراء تغييرات سياسية، حيث شهدت مدينة السويداء الجمعة  الماضية، أكبر تظاهرة مناهضة للنظام منذ بدء الاحتجاجات التي انطلقت قبل نحو أسبوعين بمشاركة نحو ألفي شخص.
وترتبط محاكم الميدان العسكرية، بصورة شديدة القتامة في أذهان السوريين وقد واجهت انتقادات خصوصا في فترة النزاع الذي بدأ عام 2011.
وقالت منظمة العفو الدولية إن هذه المحاكم تعمل “خارج نطاق قواعد وأصول النظام القانوني السوري”.ّ
وفي تقرير أصدرته عام 2017، نقلت عن قاضِ سابق فيها قوله “يسأل القاضي عن اسم المحتجز، وعما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا. وسوف تتم إدانة المحتجز بصرف النظر عن إجابته”.
وأضافت “يخضع المحتجزون قبل إعدامهم لإجراءات قضائية صورية لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة أو اثنتين… وتتصف هذه الإجراءات بأنها من الإيجاز والتعسف بحيث يستحيل معهما أن يتم اعتبارها كإجراءات قضائية معتادة”.
ووصفت الإجراءات بـ”مهزلة… تنتهي بإعدام المحتجزين شنقاً”.

وأفاد المحامي السوري غزوان قرنفل بأن محاكم الميدان التي أنشئت بعد حرب يونيو 1967، توسّع اختصاصها ليشمل المدنيين في الثمانينات بعد أحداث مدينة حماه (وسط) التي قمعها النظام بالقوة.

وقال إنها “لا تتقيد بقواعد الأصول وأحكامها لا تقبل الطعن”، و”لا دور للمحامي” في إجراءاتها.
وأشار إلى أن “الكثير من المعتقلين خلال سنوات الثورة والصراع المسلح صدرت بحقهم أحكام بالإعدام عن تلك المحاكم ونفذت فور المصادقة عليها”.

ويصف رجال الفقه الدستوري المحاكم الميدانية العسكرية بأنها أسلوب شاذ لا يأتلف مع قيام القضاء العادي كسلطة مستقلة كما لا يأتلف مع الأسلوب الديمقراطي في الحكم و قد أتت دساتير عديدة منها عربية على منع إنشاء مثل هذه المحاكم.

ولا تتقيد محاكم الميدان العسكرية تتقيد بأصول ولا بالعقوبات والقضاة فيها لا يشترط تخرجهم من كلية الحقوق ولا يربطهم بالقانون أي رابطة، والتي يكون من اختصاصها أصلا محاكمة العسكريين في حالات محددة، إلا أن مرسوما تشريعيا قضى بتوسيع صلاحيات هذه المحاكم لمحاكمة المدنيين.

ومن هذه المحاكم محكمة أمن الدولة العليا المنشأة بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968 المعدل و أحكام هذه المحكمة يصادق عليها رئيس الجمهورية الذي له حق تعديلها أو إلغائها أي أن أحكام هذه المحكمة خاضعة لرقابة السلطة التنفيذية وتصديقها ولا رقابة عليها لأية جهة قضائية .

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ 2011 تسبّب بمقتل حوالي نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتيّة وأدّى إلى تهجير الملايين. وبدأ النزاع باحتجاجات شعبية قمعها النظام، وتشعّب مع انخراط أطراف خارجيين ومسلحين وتنظيمات جهادية.
ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى مختلف الأطراف وخصوصاً النظام، مجهولاً. وقدّر قرنفل بأن يكون “الآلاف أعدموا بأحكام صادرة عن تلك المحاكم”.
وقال ناشط طالبا عدم كشف اسمه إن صدور المرسوم “تأخر كثيرا… بعدما قضى جراء تلك المحاكم آلاف السوريين وربما عشرات الآلاف”.
وقال أن الإجراء “مطلب قديم للناشطين لكن توقيته  ليس واضحا”، داعيا إلى “التعامل مع القرار بحذر وانتظار ما قد ينتج عنه قبل الترحيب به خاصة أن النظام لم يعترف يوما بمخالفة هذه المحاكم لحقوق الإنسان والمعتقلين”.
وأشار إلى أن المرسوم “قد يساعد معتقلين كثرا لا يزالون يقبعون في سجون النظام تحت وطأة هذه المحاكم الميدانية ينتظرون أحكام إعدامهم”، متحدثا عن أن بعض العائلات “كانت تدفع آلاف الدولارات لوسطاء ومحامين فقط لإنقاذ المعتقل بإخراجه من محكمة الميدان إلى محاكم عسكرية عادية”.
وأوضح دياب سرية من “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” أنه “إذا تمّت إحالة المعتقل إلى المحاكم العسكرية، سيسمح له بمحامٍ على الأقل”.
وأشار إلى أن “حوالي 70 بالمئة من المعتقلين في سجن صيدنايا بعد العام 2011، عرضوا على محكمة الميدان العسكري التي حكمت على أغلبهم بالإعدام”.
وأمل في أنه “إذا سُمِح بالاطلاع على أرشيف تلك المحاكم… أن يعلم الأهالي مصير أحبائهم المفقودين والمختفين قسرا منذ سنوات”.
وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع هذا القرار الذي قد يغير مصير مئات المفقودين، وقال المحامي عارف الشعال على حسابه في فيسبوك، “وأخيراً ألغيت هذا اليوم محاكم الميدان العسكرية المحدثة قبل أكثر من نصف قرن، ويعتبر إلغاؤها إزاحة لأهم الكوابيس الجاثمة على صدر العدالة”.
وأضاف “لقد كانت واحدة من أسوأ المحاكم على الإطلاق، حيث كانت محكمة سرية لا يدخلها محامي ولا يوجد فيها ضمانة حق الدفاع، وقراراتها لا تقبل الطعن وتخضع بالمطلق للسلطة التنفيذية التي تملك الحق بإلغاء أحكامها.  عدا عن ذلك وجود هذه المحكمة كان مرتعاً خصباً للفاسدين من المحتالين والنصابين والسماسرة الذين يزعمون أن لهم يد طولى فيها ويتقاضون من المساكين مبالغ خيالية بسبب ذلك وهم كاذبون، حدث قضائي كبير يحتسب لصانع القرار، ولكن مازال الطريق طويلاً نحو ما نطمح إليه من سمو الدستور واستقلال القضاء وسيادة القانون”.
ويربط البعض بين قرار إنهاء محاكم الميدان العسكرية، وزيارة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسون إلى دمشق الأسبوع المقبل قائلين أنها ربما تكون مبادرة من قبل الأسد لإظهار الليونة والاستعداد للتعاون في إطار التقارب العربي بعد حضوره قمة جدة في مايو الماضي.
ونقلت صحيفة “الوطن أون لاين ” السورية  الأحد عن  مصادر قولها إن بيدرسون سيصل إلى دمشق في التاسع من الشهر الجاري ويجري لقاء مع وزير الخارجية والمغتربين  السوري فيصل المقداد.

وكشفت المصادر عن أن بيدرسون سيبحث في إمكانية تحديد موعد لانعقاد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور، بعد توافق المشاركين في لجنة الاتصال العربية على عقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية في سلطنة عمان بتسهيل وتنسيق مع الأمم المتحدة قبل نهاية العام الجاري، والترحيب الأممي على لسان بيدرسون بالخطوة العربية.
وحسب المصادر ، سيلتقي المبعوث الأممي خلال زيارته دمشق كلاً من الرئيس المشترك للجنة مناقشة تعديل الدستور أحمد الكزبري، والسفير الروسي في دمشق الممثل الخاص لرئيس روسيا لتطوير العلاقات مع سوريا ألكسندر يفيموف، والسفير الإيراني في سوريا حسين أكبري.