إلهام العراقي العماري تقتحم تجربة الزمن بروحانية عالية

في هذا الحوار نحاول الاقتراب أكثر من عوالم واحدة من أبرز التشكيليات المغربيات خلال السنوات الأخيرة ومحطات بصمت مسارها الفني.
ليلى بارع
الدار البيضاء

 إلهام العراقي العماري، واحدة من أبرز التشكيليات المغربيات خلال السنوات الأخيرة، تميزت معارضها الأخيرة بالاهتمام بموضوع الزمن/ الوقت، عبر ثلاثة معارض تشكيلية كبيرة، معارض قدمت أعمال عكست للمتابع لأعمالها  إنعطافة  كبيرة في مسارها التشكيلي والذاتي، في هذا الحوار نحاول الاقتراب أكثر من عوالم  الفنانة إلهام العراقي، وأهم المحطات التشكيلية التي بصمت مسارها التشكيلي.

بداية لنتحدث عن المراحل التي مرت منها تجربتك كفنانة تشكيلية ؟

أول مرحلة من مراحل أعمالي التشكيلية كانت تشخيصية، حيث كان التركيز على مجموعة من الأعمال الفنية التي عكست تنوع التراث المغربي، خاصة منطقة الجنوب والشمال المغربي، تلك كانت البداية،  وكانت رسوماتي تعكس هذا التنوع بشكل كبير وعميق. بعدها جاءت مرحلة تخلط بين التشخيصي و التجريدي، حيث يكون هناك عنصر تشخيصي واحد يحيط به الكثير من التجريد وينزع العمل نحو نوع من الضبابية في نهاية العمل، لتأتي المرحلة التي أسميها المرحلة البركانية، المتوهجة ، مرحلة قدمت فيها أعمالا بسمات متشابهة، وعرفت هذه المرحلة انتشارا واسعا داخل وخارج المغرب...

 

أتوقف عند هذه المرحلة التي تميزت فيها أعمالك بانتشارها داخل وخارج المغرب كيف عشت تلك المرحلة؟

لن أخفي الأمر، كنت حينها احس بأن طاقتي تستنزف وكانت مرحلة العودة الى الذات تم تجاوز الذات، قدمت فيها أعمالا تتميز بالتوهج، وقد تجنبت فيها اللون الأخضر تماما، بحيث ان اللون الأزرق والأصفر كانا يتجاوران جنبا لجنب دون اي يختلطا ودون أن ينتج عنهما اللون الأخضر، كأن هناك خيطا رفيعا بينهما، وكانت تقنية اشتغلت بها دون وعي خلال هذه المرحلة، لم أنتبه لها حتى تم لفت نظري لهذه النقطة، يمكن ان أقول بأنها كانت مرحلة مخاض معين، مرحلة ولدت بعدها تجربتي الحالية، تجربة الزمن.

 

مرحلة الزمن هي المرحلة الآنية من تجربتك التشكيلية المتميزة، هل نتحدث عن هذه المرحلة؟

تجربتي مع موضوع الزمن، هي التجربة الحالية التي أشتغل عليها ، وقد  نتج عنه عدة معارض جماعية داخل و خارج المغرب، و معارض فردية أذكر منها  ثلاثة، المعرض الأول كان بمدينة الرباط بالباب الكبير لوداية، وكانت تيمته: الأزمنة، وبعده جاء المعرض الثاني بمدينة طنجة المغربية واحتضنه برواق محمد الدريسي وتم تنظيمه تحت تيمة: ميزان الوقت. أما المعرض الثالث فكان بمدينة فاس برواق محمد قاسمي تحت عنوان: كم الساعة؟ وسؤال ما هو الوقت؟

 

كم استغرقت عملية التحول والإعداد لمرحلة معارضك المتعلقة بالوقت؟

الاشتغال على المعرض الأول حول الوقت أخذ مني أربعة سنوات من الاعداد والعمل الفعلي، اشتغال احسست أنه يحدث بسبب تغير داخلي عميق، وكان قفزة فنية داخلية كبيرة في مساري، واشتغلت على مواضيعه بورشة تقع في طابق أرضي، لها نوافذ معزولة، و تغطية هاتفية ضعيفة، مما يساعد في تركيزي، و خلو تي في العمل ، اشتغل على وقع القرآن في كامل الهدوء، يمكن لي ان اقول بان مهما كانت نوعية العمل الذي اقوم به فإن عمق تجربتي هي عبارة عن ذكر و حمد و شكر للواحد خالق كل شيء بما فيه الزمن و الوقت ، ذكر يتخذ أشكالا متغيرة، هذا هو ما أشعر به وما اشتغل كفكرة عليه. هذا الجانب الصوفي والروحاني في شخصيتي كفنانة وإنسانة ينعكس على شخصيتي بأكملها، وكأنني أنضج روحانيا وفنيا مع كل تجربة جديدة... وعودة لسؤال بداية اشتغالي على الزمن، فهذه التجربة بدأت منذ تسع سنوات كاملة، لكنني أحسس أنني ما زلت في البداية، وهي تجربة فنية روحانية أحس أن هناك أشياء كثيرة قادمة، ما زالت في الطريق لتتشكل.

 

ما الذي حرك بداخلك مفهوم الزمن/ الوقت؟

سأخبرك بشيء لم ابح به من قبل لأحد، التفكير بالوقت والعمل عليه بشكل معكوس ومقلوب، حدث ذلك في الطواف بالكعبة، كنت في حالة تخشع كبير، حينها كنت أطوف من جهة وكنت أرى ان الكعبة وكل الأشياء تدور من الجهة الأخرى، وبدأت أكرر في داخلي بأنه ما أشاهده هو الوقت الحقيقي وقلت في نفسي يجب ان أشتغل على عمل فيه تتجسد عملية الدوران العكسي كما حدث أثناء طوافي بالكعبة، وأن علي أن أجمع أثناء عملي القادم بين الوقت الحقيقي الذي عشته وهذا الوقت الآخر، في مكان وزمان غير الذي اوجد فيه، كأنني اخرج من وقت الضغط والحقيقي وادخل في الوقت الآخر أتحرر نحو وقت آخر فيه راحة وتحرر دائم، ولأن الوقت الواقعي يفرض علي نفسه لكن كل الإضافات في اللوحات التي اشتغلت عليها كانت تتعلق بالوقت الآخر...

 

تتميز لوحاتك باستخدام لغة الباينري/ Binary، كتقنية ضمن تقنيات أخرى إشتغلت بها؟

هذه لغة يدرسها المهندسون خاصة وهي لغة الحاسوب أيضا، ويمكن ترميز نصوص كاملة بها، تعلمت هذه اللغة واشتغلت بها . وهذا أمر يتعلق بتجربتي الروحية الخاصة، وعلاقتها بأعمالي الفنية، فغالبا أكتب ما أحسه بهذه اللغة،  وهذا كود خاص بي اكتب به أشياء كثيرة وأدمجها في أغلب لوحاتي ، وهناك أشخاص قادرون على قراءة  تلك اللغة والنصوص التي أكتبه اخلال زيارة معارضي، وتكون مفاجأة جميلة للمتلقي العارف لهذه اللغة، مما يجعل التلقي مختلفا من شخص لآخر، وهي تقنية استخدمتها كما ذكرت في معارضي حول الزمن، حين اجد أنني بحاجة لها لإكمال اللوحة، حاجة تتعلق بطريقة تفكيري وفلسفتي الخاصة بالفن الذي اشتغل عليه.

ففي معرضي حول الوقت، هناك لوحة كبيرة رسمتها بالزيت، وهي التقنية المفضلة عندي، الناظر لها سيرى فقط نقوش بريشة رقيقة جدا بلغة الباينري، أي الواحد والصفر، ولكنها في العمق مكتوب عليها نصوص تحيل على ذبذبات روحية خاصة، وكلها مكتوبة بجملة لا إله إلا الله، وهي تقنية أشتغل بها على الكثير من اللوحات وهو ما يجعل رد فعل المتلقي مختلفا في كل مرة يتأمل اللوحة.

 

ما هو جديدك حاليا؟

اشتغل على رسومات/ les croquis،   تحمل معظم الأفكار التي أنوي الاشتغال عليها ويتعلق الأمر بنفس الموضوع وهو تيمة الوقت، لأن الأفكار هي الأهم وهي تذهب حين لا تشتغل عليها في لحظتها ولو على شكل نقاط،  فالأفكار المتميزة هي الأصعب لأن التقنية والتطبيق أسهل بكثير. أما بخصوص المعارض التي سأكون حاضرة فيها، فقد قدمت ملفي الفني لعدة جهات، و بانتظار التأكيدات نتمنى الأجمل مستقبلا.