إلى أين يقود السراج ليبيا

ضخ سلطة الوفاق وديعة بمليارات الدولارات في البنك المركزي التركي، يقف شاهدا على تبديد المال العام في طرابلس ودليلا آخر على أن شواغل الليبيين ومشاكلهم المالية والاجتماعية خارج اهتمامات وأولويات السراج.
صفر دولار إجمالي إيرادات النفط الليبي خلال يناير
طرابلس تئن تحت وطأة أزمة سيولة وشح في النقد الأجنبي
حكومة السراج توفر المال لتركيا ولا توفره لليبيين
وديعة السراج لتركيا تؤكد وجاهة قرار إغلاق حقول نفطية
إغلاق الجيش الليبي لحقول نفطية يأتي لوقف نهب المال العام

طرابلس - إلى أين يقود رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج ليبيا، سؤال بات يردده الليبيون سرا وعلانية على ضوء أزمة سيولة وشح في النقد الأجنبي تعيشها طرابلس بينما تحول حكومته مليارات الدولارات لتركيا كوديعة بلا عائدات لدعم الليرة التركية التي هوت إلى أدنى مستوياتها في الأيام الأخيرة بفعل السياسات النقدية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتدخلاه العسكرية الخارجية.

وكان لافتا أن تلك الوديعة التي لم تؤكدها حكومة السراج خشية تفجر الغضب في غرب ليبيا، كانت مكافأة لأردوغان على إرسال آلاف المرتزقة وشحنات السلاح إلى طرابلس.

كما تأتي الوديعة المثيرة للجدل، بينما أعلن البنك المركزي الليبي الخاضع لسلطة الوفاق أن إجمالي إيرادات النفط في شهر يناير/كانون الثاني بلغت صفر دولار.

وناشد المركزي الليبي في بيان الاثنين "الجميع لتضافر الجهود لاستئناف إنتاج النفط في البلاد وتصديره، إذ ترتبت خسائر بقيمة 2.5 مليار دينار (1.77 مليار دولار) بسبب غياب الإيرادات النفطية".

وأشاعت وديعة الوفاق الليبية لتركيا، استياء في العاصمة طرابلس وفاقمت حالة انعدام الثقة القائمة منذ سنوات في سلطة تبدو عاجزة ومربكة.

ورغم أن إعلان المركزي الليبي يعتبر مفزعا بكل المقاييس إذ تعتمد ليبيا على إيرادات النفط لتأمين استيراد حاجياتها من الخارج بالعملة الصعبة، إلا أنه يعكس في جانب كبير منه وجاهة شروط القيادة العامة للجيش الوطني والقبائل الليبية لإعادة فتح حقول النفط واستئناف الإنتاج.

وتسعى الحكومة الموازية في شرق ليبيا التي رفضت في 2016 الاعتراف بحكومة السراج كونها لم تنقل ثقة البرلمان، إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الليبي وتحصين الثروة الوطنية من عمليات النهب المنظم وغير المنظم.

وتقول مصادر محلية إن إعادة هيكلة الاقتصاد وتحصينه تثير مخاوف حكومة الوفاق وتركيا وجماعة الإخوان، إذ تعني عملية إعادة الهيكلة حرمان تلك الأطراف من المصادر الرئيسية التي تمول منها أنشطتها.

ويبدو واضحا أن قرار إغلاق حقول وموانئ نفطية يأتي لوقف نهب السلطة في طرابلس والميليشيات الداعمة لها لأموال الليبيين المتأتية أساسا من إيرادات النفط.

الليبيون يصطفون في طوابير طويلة لتسلم رواتبهم أو معاشاتهم
طرابلس تعاني من أزمة سيولة وشح في النقد الاجنبي بينما يحول السراج اموالا ضخمة لأنقرة لدعم الليرة التركية

ويقف ضخ حكومة الوفاق وديعة بنحو 4 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، شاهدا على تبديد المال العام في طرابلس ودليلا آخر على أن شواغل الليبيين ومشاكلهم المالية والاجتماعية خارج اهتمامات وأولويات سلطة الوفاق.

وشهد قطاع النفط في ليبيا الشهر الماضي، توترات نتيجة غلق حقلي نفط الشرارة (الأكبر في البلاد) والفيل بعد وقف خط أنابيب ناقل وتسبب بتقليص الإنتاج والإمدادات العالمية.

وذكر المصرف أن استمرار هذا الإقفال للمصدر الأبرز لإيرادات ليبيا، يهدد الأوضاع المالية والاقتصادية والسياسية، مشيرا إلى أن إجمالي إيرادات النفط في ديسمبر/كانون الأول 2019، بلغ 2.47 مليار دينار (1.75 مليار دولار).

وأعلنت المؤسسة الليبية للنفط في وقت سابق الاثنين، اضطرارها إلى إغلاق مصفاة الزاوية غربي البلاد منذ 3 أيام نتيجة إقفال صمام بمنطقة على خط الأنابيب الرئيسي بين حقل الشرارة النفطي والمصفاة، ما تسبب في وقف الإنتاج بالحقل.

وحذرت المؤسسة من أن غلق المصفاة "سيتسبب بتفاقم مشكلة إدارة واستيراد وتوزيع مشتقات الوقود في السوق المحلية، ما سيكلف الخزانة العامة مبالغ لاستيراد كميات إضافية من الوقود لتعويض الفاقد".

وبلغ إجمالي الإيرادات المالية غير النفطية خلال يناير/كانون الثاني الماضي نحو 2.53 مليار دينار (1.78 مليار دولار)، بحسب بيانات المصرف المركزي.

وقالت قبائل ومجتمعات في المناطق الغنية بالنفط في شرق ليبيا والخاضع لحماية الجيش الوطني الليبي في بيان إن "فتح الحقول مرهون بعدة شروط منها تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات والمرتزقة السوريين والأتراك والتوزيع العادل لإيرادات النفط على كافة المدن والمناطق الليبية، مطالبا بضرورة نقل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط إلى مدينة بنغازي".

وتختزل تلك الشروط الجهود والمساعي التي تبذلها القيادة العامة للقوات الليبية المسلحة لوقف نهب المال العام وأيضا لوضع حد للدعم المادي لأنقرة على حساب الشعب الليبي.

وبفضل الوديعة التي قدمتها حكومة الوفاق للمركزي التركي، انتعشت العملة التركية في تعاملات متقلبة الاثنين لتسجل مستوى أقل من ستة ليرات للدولار وتمحو جزءا كبيرا من خسائر حادة تكبدتها يوم الجمعة بعدما أعلنت الجهة المسؤولة عن تنظيم القطاع المصرفي قيودا جديدة على معاملات النقد الأجنبي.

وقال مستثمرون ومتعاملون إن الهبوط الحاد المفاجئ للعملة ثم تعافيها، بعد أن ظلت عالقة داخل نطاق ضيق لأسابيع، تشير إلى أن بنوك الدولة عاودت التدخل لحماية الليرة بعد أن باعت عشرات المليارات من الدولارات خلال العام الماضي.

وقالت الجهة التنظيمية التركية يوم الأحد إنها ستخفض سقف تبادل البنوك التركية العملات سواء في المعاملات الفورية أو الآجلة مع الكيانات الأجنبية إلى عشرة بالمئة من حقوق المساهمين بدلا من 25 بالمئة كما تحدد في أغسطس/اب 2018 في أوج أزمة الليرة.

ويوم الجمعة الماضي، هبطت الليرة إلى 6.05 وهو أقل مستوى في التعاملات العادية منذ مايو/ايار 2019.