إمرأة إمامة تجسد نموذجا تحرريا يظهر سماحة الإسلام

العديد من النساء المسلمات يحاولن تقديم صورة حقيقية عن دينهن عبر التعريف بالأصول الحقيقية له للحد من ظاهرة التعصب تجاه المسلمين والإسلام.
للمرأة قدرة كبيرة في رفع الشبهات عن الإسلام وإظهار حقيقته
تمييز المسلمين عن غيرهم داخل المجتمع الواحد وإقصاؤهم يوفر أرضا خصبة للتطرف

باريس - تهدف كاهنة بهلول أول امرأة فرنسية تشغل منصب إمام جامع إلى إظهار حقيقة الإسلام وتصحيح الرؤى الخاطئة التي تشوّه سماحته عبر خطوة جريئة تقطع مع النظرة التشددية تجاه المرأة وحصرها في وظائف محدودة عبر تأويلات منقوصة وأخرى خاطئة تمنعها من تأدية أدوار لم تنكرها النصوص الدينية، ساعية إلى تكريس قيم الإسلام الحقيقية الداعية على التعايش السلمي بين الأديان وتواصل الثقافات وتقارب المذاهب رغم كل الاختلافات.

وتسعى بهلول أيضا بتقلدها هذا المنصب الاستثنائي في حياة المسلمين إلى تحديث الإسلام ليكون أكثر إنسانية وتقدما وشمولية، محاولة تغيير الكثير من المفاهيم الذكورية المتشدّدة التي تحول دون صلاة النساء المحجبات وغير المحجبات مع الرجال تحت سقف واحد.

وظهرت الإمامة الفرنسية في أكثر من مقابلة تلفزيونية بعد أن تقدمت مع مدرّس الفلسفة والصحافي فاكر كورشان، بمقترح لتأسيس 'مسجد فاطمة' في باريس.

وأثارت بهلول ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي عند إمامتها صلاة جمعة مختلطة في الحادي والعشرين من فبراير/شباط 2020 في قاعة مستأجرة في باريس.

وقالت بهلول لوسائل الإعلام إنها لم تستيقظ في يوم من الأيام وقررت أن تصبح إمامة بل كانت رحلة طويلة، وإن ما دفعها إلى ذلك هو "أزمة المعنى في الإسلام".

وأضافت في تصريح لقناة 'يورونيوز' الأوروبية أن "الإسلام بشكل عام على الصعيد الدولي، وتحديدا في البلدان الإسلامية، يمر بأزمة، لأن المسلمين يعيشون على فكر هو نتاج القرون الوسطى".

وتابعت "أعتقد أن هذه الأزمة تدعونا جميعا للعمل، وخاصة المسلمين عليهم استعادة نصوصهم وقراءتها مرة جديدة، والسماح لأنفسهم بالإطلاع عليها وتفسيرها بالأدوات التي نمتلكها اليوم في القرن الحادي والعشرين، لأن الأزمة التي نواجهها هي أزمة معنى".

وولدت بهلول في فرنسا لأب جزائري مسلم وأم فرنسية من أصول مسيحية ويهودية، ونشأت الفتاة التي تبلغ من العمر  42 عاما في الجزائر في وقت صعود الحركات الأصولية ما رافقها من إرهاب سمّي بـ"العشرية الحمراء". وعند عودتها إلى فرنسا حصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس.

لا يمنع القرآن المرأة إطلاقا من أن تكون إمامة ولم يتطرق أبدا للحديث عن هذه الوظيفة

وأشارت بهلول إلى أن القراءات والتفسيرات الذكورية للنصوص المقدسة أدت إلى فكرة أن النساء لا يمكن أن يصبحن أئمة قائلة "لا يمنع القرآن المرأة إطلاقا من أن تكون إمامة. ولم يتطرق أبدا للحديث عن هذه الوظيفة، وهي مهمة وُضعت لاحقا لتنظيم العبادة الإسلامية. ولو عدنا إلى التقليد النبوي نفسه، سنجد مثالا لامرأة عيّنها النبي إمامة. ولكن اتضح أن القراءات والتقاليد الذكورية وتفسيرات النصوص التي قام بها الرجال على مدى قرون، تشير إلى أن المرأة لا يمكن أن تكون إمامة وبشكل قاطع، وكل ما يتعلق بالمرأة وقدرتها على أداء هذه الوظيفة وضع جانبا".

وترى بهلول أن "نصوص الإسلام المقدسة" لا تتعارض مع فكرة أن تصبح إمامة، بل يعتقد الناس أن ذلك ممنوع لأنهم لم يتعودوا على رؤية امرأة تؤمّ المصلين.

ولم تحضر بهلول دورات خاصة أو مركز تدريب ولم تحصل على شهادة في ذلك، لكنها ترى أنه لا وجود في الإسلام لسلطة دينية مركزية تقوم بتسمية الأئمة، ولذا فإن "الأمر متروك للمجتمع لقبولك أو عدم قبولك أو لمنحك الشرعية".

وفي العام 2018، أعلنت عن إنشاء 'مسجد فاطمة'، وهو مكان للعبادة يصلي فيه الرجال والنساء معا، حيث يقود الصلاة أئمة من الذكور والإناث، مع إلقاء الخطب باللغة الفرنسية والترحيب بغير المسلمين.

واعتبرت بهلول أن إمامة امرأة شابة في مسجد ستسمح للشباب المسلمين أن يلقوا نظرة مختلفة عن الإسلام، مشيرة إلى أن شباب اليوم يرون في المساجد رجالا فقط وكبارا في السن ونظرتهم إلى الإسلام وقراءتهم قديمة وليست مواكبة للحداثة.

وبسبب تفشي جائحة كورونا، انتقلت جل أنشطة هذا المسجد إلى الإنترنت.

وقالت بهلول إن "المسجد ليس مكانا بل هو مجتمع"، مؤكدة أن التجمع يتواصل.

وتقدم في قناتها التي تديرها على يوتوب وتحمل اسم "حدثني عن الإسلام" محاضرات متنوعة تمس حياة المسلمين المعاصرة كالحجاب والحرية والاختلاط بغية تقديم وجه حداثي للتراث الديني والثقافي الإسلامي، يحقق تطلعات الكثير من المسلمين الفرنسيين الليبراليين.

كاهنة بهلول: المسجد ليس مكانا بل هو مجتمع
كاهنة بهلول: المسجد ليس مكانا بل هو مجتمع

هذه الخطوة التي قامت بها بهلول ليست الأولى، إذ سبقتها آمنة ودود التي أصبحت مثالا يحتذى وكأول امرأة يصلي وراءها مسلمون في الولايات المتحدة، وكذلك الدنماركية شيرين خانخام، وعرفت ألمانيا أول تجربة تقوم فيها امرأة بدور الإمام.

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات يؤدي الصلاة في مسجد ابن رشد غوته ببرلين النساء والرجال معا ويعمل مؤسسوه السبعة على نشر إسلام حداثي متحرر من تابوهات الماضي. وعلى عكس ما يجري في مساجد برلين الأخرى الثمانين، تصلي المحجبات وغير المحجبات جنبا إلى جنب وكذلك الشيعي والسني. وكل الأقليات والطوائف والتيارات المسلمة مرحب بها بما في ذلك فئة المثليين.

ومع استمرار الصور النمطية عن الإسلام التي تغذي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الاتحاد الأوروبي، تحاول العديد من النساء المسلمات تقديم صورة حقيقية عن دينهن عبر التعريف بالأصول الحقيقية للإسلام، للحد من ظاهرة التعصب تجاه المسلمين والإسلام.

وأوردت دراسة للمركز الأوروبي لرصد العنصرية وكراهية الأجانب حملت عنوان "المسلمون في الاتحاد الأوروبي" أدلة كثيرة على أن الإسلاموفوبيا تتزايد في أوروبا. فيما توصلت دراسة أخرى أجريت في العام 2015 وحملت عنوان "التمييز ضد المسلمين في فرنسا: أدلة من تجربة ميدانية" إلى أن التمييز ضد المسلمين هو عامل مساعد في عملية التطرف.

ومن المفارقات أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبّر بوضوح عن وجهة النظر هذه في أعقاب هجمات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وقال ماكرون إن التمييز ليس السبب الرئيسي للتطرف، لكنه يوفر أرضا خصبة لها.

ووجدت الدراسة أن المسلمين يفقدون المزيد من فرص العمل عندما يكونون متديّنين وتتسع هذه الفجوة أكثر عند مقارنة المسلمين المتديّنين بالمسيحيين المتديّنين.

واتساقا مع حقيقة أن الصور النمطية تعتمد على السياق الاجتماعي، فإن التديّن يساعد المسيحيين على إقناع المؤسسات الباحثة عن موظفين بسهولة.