إنما الأفيون دين طالبان


شبح الماضي الأكثر قتامة بدأ يتضح اليوم على أفغانستان، أرض المقايضات المشبوهة ومفاتيح سوق المخدرات التي تدرّ أموالا هائلة بيد طالبان.
طالبان قبل أن تستولي على كابول كانت تحصل على أربعين في المئة من تمويل نشاطها من الأفيون الآن، علينا أن نضع نسبة جديدة أعلى بعد أن استحوذت على البلاد برمتها

من البساطة بمكان أن نفهم عدم المبالاة التي تبديها حركة طالبان بوصفها الحاكم الجديد لأفغانستان، إزاء القرارات الدولية المتعلقة بإيقاف كل المساعدات والتمويلات المالية المرصودة لبلد يعيش أصلا على الدعم الخارجي.

لأنها وببساطة أيضا وضعت يدها على مصادر الدخل المربحة للغاية وحصلت على الجائزة الاقتصادية، فأرض أفغانستان لا تفقد خصوبتها لزراعة الحشيش، دعك من الوعود الاقتصادية الأخرى بإعلان دول مجاورة مثل الصين وباكستان استعدادها للتعامل التجاري مع كابول.

من المهم معرفة أن أفغانستان تعتمد على أربعة مليارات دولار سنويا من المساعدات الدولية، ويقوم المانحون الأجانب بتغطية 75 في المئة من الإنفاق الحكومي.

لكن لم يشغل بال قادة الحركة الإرهابية إعلان صندوق النقد الدولي تعليق المساعدات المرصودة لأفغانستان، بعد أن كان من المقرّر أن يحرّر دفعة أخيرة من المساعدات في إطار برنامج تمّت المصادقة عليه بإجمالي قدره 370 مليون دولار.

كما أنه لم يتضح بعد مستقبل تمويل البنك الدولي لعشرين مشروعا تنمويا بمجموع 5.3 مليار دولار. بينما أعلنت شركة “ويسترن يونيون” المتخصّصة بالحوالات المالية أنّها علّقت مؤقتا كل التحويلات المالية إلى أفغانستان، وندرك أثر ذلك عندما نعرف أنّ هذه التحويلات تشكّل مصدر تمويل حيوي للسكان يوفرها الملايين من الأفغان في الخارج لأسرهم داخل البلاد.

كل هذه الأخبار لا تبدو سيئة لطالبان مع أنها أكثر من كئيبة بالنسبة إلى الأفغان، إذا عرفنا أن البلاد الفقيرة تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية. لأن الحركة المتطرفة التي صمدت عشرين عاما في تمويل نفسها ومقاتلة القوات الأميركية، بدأت في التحرك لإغراق الغرب بالهيروين.

لنتذكر التصريح الشهير لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في مؤتمر حزب العمال بعد أسابيع من الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر، بأن أكبر مخزون للمخدرات في العالم موجود في أفغانستان وتسيطر عليه حركة طالبان. مؤكدا أن 90 في المئة من الهيروين في الشوارع البريطانية مصدره أفغانستان.

كذلك تبدو حقول الأفيون بالنسبة إلى طالبان الحاكم الجديد، مصدرا حيويا بديلا لأموال المساعدات الدولية، فلنترقب طرق إيصال الهيروين الأفغاني بماركة طالبان الإسلامية، خصوصا وأن مافيا المخدرات مستعدة لتعزيز تلك التجارة القاتلة، عبر إيران ودول جنوب آسيا.

قبل أن تستولي طالبان على العاصمة كابول كانت تحصل على ما بين عشرين إلى أربعين في المئة من تمويل نشاطها من الأفيون، وعلينا أن نضع نسبة تمويل جديدة من اقتصاد المخدرات بعد أن استحوذت على البلاد برمتها. إياك أن تتذكر تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها الهدف الأعلى المعلن عند حركة طالبان، عند التطرق إلى اقتصاد المخدرات فـ”الضرورات تبيح المحظورات” وفق كل الفقهاء المسلمين!

الواقع أن معركة منع تدفق الهيروين الأفغاني إلى شوارع دول الغرب “قد بدأت للتو” وفق تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية.

يكفي أن نعرف أن حدود أفغانستان مع إيران تمتد على 900 كيلومتر، لنتأكد أن طريق الخشخاش والأفيون والحشيش أطول بكثير من قدرة العالم على إقفاله.

كما تبدو خيارات جيران أفغانستان أكثر من مؤلمة، فإما أن يستمروا في تلك التجارة، وعندها يمنحون طالبان المزيد من القوة والشرعية السياسية وهذا ما سيحصل على الأغلب، أو يحرمون أنفسهم من العائدات الضخمة ويقبلون بالضرر الاقتصادي المؤلم.

خذ إيران على سبيل المثال. فتقدر مكاسب طالبان العام الماضي بـ84 مليون دولار من فرض الضرائب فقط على الأفغان الذين يتاجرون مع إيران بالبضائع المشروعة، بينما طالبان وحدها قادرة على حساب أرباحها من تجارة المخدرات مع إيران، سواء ما روّج داخل إيران نفسها أو باعتبارها طريق عبور.

اليوم تسيطر طالبان على المعابر الحدودية الثلاثة الرئيسية لأفغانستان مع إيران. وهذا يعني أن هناك أكثر من ملياري دولار سنويا ستهبط في جيوب الحركة المتطرفة غير تجارة المخدرات.

شبح الماضي الأكثر قتامة بدأ يتضح اليوم على أفغانستان أرض المقايضات المشبوهة وفق هال براندس مؤلف كتاب “من برلين إلى بغداد: بحث أميركا عن الغرض في عالم ما بعد الحرب الباردة” ومفاتيح سوق المخدرات التي تدرّ أموالا هائلة بيد طالبان، بينما بدأت تقارير عن فظائع الحركة بالظهور، وكل الكلام عن تغيّرها مجرد تثبيت الحال لحين الإمساك الكامل بزمام الحكم.

ذلك ما يؤكده تعليق رابطة الجرائم المالية الدولية التي وصفت الوضع الحالي في أفغانستان “يتطور إلى سيناريو عالي المخاطر لفرق الامتثال لمكافحة غسيل الأموال والجرائم المالية في جميع أنحاء العالم”.

في المقابل دخلت دول الغرب وفق كل التصريحات المعلنة لقادتها، في ما يمكن أن نسميه دون تردد بـ”عصر الانكفاء” منذ أن انصاع أولئك القادة إلى ذريعة الرئيس الأميركي جو بايدن برفض الحرب الأبدية “وكأن الحرب انتهت!”، ففي الوقت الذي أخلت فيه القوات الأميركية وقوات الناتو معسكراتها في أفغانستان، كانت طالبان تفتح الطرقات لتأمين تجارتها مع العالم في حرب المخدرات التي ستكون منتصرة فيها بمجرد استذكار تصريح بلير السابق!

كل ذلك يبرّر العودة إلى كلام سابق لهال براندسال، البروفيسور في جامعة جون هوبكنز الأميركية، الذي قاله قبل سنة تقريبا واصفا أفغانستان بأرض المقايضات المشبوهة التي فضّل أن يُنظر إليها، لا على أنها لعبة أخلاقية وإنما كمأزق للسياسة الخارجية بحيث أن كل الخيارات سيئة.