إنهاء عملية برخان يختبر قدرة الساحل في مواجهة الإرهاب

فرنسا تعتزم مغادرة قواعد في شمال مالي في مناطق تيساليت وكيدال وتمبكتو بحلول نهاية عام 2021 لتركيز وجودها على طريق غاو وميناكا، أي قرب ما يسمى منطقة "المثلث الحدودي" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وكذلك في نيامي عاصمة النيجر.
فرنسا لم تعد قادرة على تحمل الأعباء لوحدها في الساحل الإفريقي
ماكرون ينتظر نقاشات مع شركائه الأوروبيين والجزائر والأمم المتحدة
فرنسا تتحول من الدعم المباشر إلى الإسناد الخلفي للعمليات العسكرية

باريس - قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء عملية برخان لمواجهة الجهاديين في منطقة الساحل الإفريقي مفضلا المشاركة في ائتلاف دولي يدعم القوات المحلية، وهو رهان دونه مخاطر مع جيوش لا تزال ضعيفة ومهمة صعبة لحشد التأييد الأوروبي.

ويواجه ماكرون انتقادات محلية وافريقية واتهامات بالفشل في كبح توسع عمليات الجماعات الجهادية في المنطقة فضلا عن موجة عداء غير مسبوقة لفرنسا التي واجهت في أكثر من مناسبة احتجاجات في دول الساحل تطالبها بالرحيل.

وبعد ثماني سنوات من وجودها المستمر في منطقة الساحل حيث ينتشر اليوم 5100 من عسكرييها، تريد فرنسا الآن الانتقال من مكافحة الجهاديين في الخطوط الأمامية إلى الدعم والمرافقة (استخبارات، طائرات بدون طيار، طائرات مقاتلة، إلخ). وهي طريقة لتقليل المخاطر وإجبار دول المنطقة على تحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها.

وينتظر ماكرون نقاشات نهاية يونيو/حزيران مع شركائه الأوروبيين والجزائر والأمم المتحدة، لتقديم تفاصيل حول خطة العمل الجديدة.

لكن وفق المشروع المدروس، تعتزم فرنسا مغادرة قواعد في شمال مالي (في مناطق تيساليت وكيدال وتمبكتو) بحلول نهاية عام 2021 لتركيز وجودها على طريق غاو وميناكا، أي قرب ما يسمى منطقة "المثلث الحدودي" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكذلك في نيامي عاصمة النيجر.

وسيجري خفض عديد العسكريين الفرنسيين تدريجيا، ليصل إلى نحو 3500 في غضون سنة ثم 2500 بحلول عام 2023، وفق مصدر مطلع على الملف. ومن المقرر إبقاء قوات النخبة من فرقة "سابر" الفرنسية لمواصلة ملاحقة قادة الجهاديين.

وأكدت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي الجمعة أن الالتزام العسكري الفرنسي "سيظل كبيرا جدا"، مضيفة "علينا محاربة المجموعات الإرهابية ومواصلة هذا العمل الذي سيسمح للقوات المسلحة لدول منطقة الساحل بأن تكون في وضع يمكنها من الرد والتصدي".

وبدأ التحول في الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل العام الماضي، مع تشكيل مجموعة "تاكوبا" من القوات الخاصة الأوروبية بمبادرة من باريس، بهدف توفير فرق صغيرة من الضباط لدعم الوحدات المالية في القتال.

وهذا البرنامج يقوم على شراكة عسكرية مماثلة لفرق المرشدين الغربيين التي تم نشرها في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لدعم القوات الأفغانية.

وتتركز "تاكوبا" في منطقتي غاو وميناكا الماليتين وتضم الآن 600 عنصر نصفهم فرنسيون، بالإضافة إلى عشرات من الإستونيين والتشيكيين ونحو 140 سويديا. وتعهدت إيطاليا بالمساهمة بما يصل إلى 200 عنصر ووعدت الدنمارك بمئة، فيما أبدت دول أخرى بينها اليونان والمجر وصربيا عن اهتمامها.

لكن بعد الانقلاب الثاني في مالي في مايو/ايار، جمدت فرنسا عملياتها المشتركة مع القوات المالية، بما في ذلك مع قوة "تاكوبا". ومن المرجح أن يؤدي التعليق إلى ثني الدول الأوروبية عن المساهمة إذا استمر فترة طويلة.

وترى فرنسا أنها ستنجح في جمع عدد متزايد من المساهمين، وقد أكد مسؤول عسكري أن "الأوروبيين صاروا أكثر إدراكا للرهانات الأمنية في منطقة الساحل، لا سيما في ما يتعلق بالهجرة".

لكن التدخلات العسكرية حساسة سياسيا في معظم الدول الأوروبية التي تحتاج إلى موافقة من برلماناتها، وقد تفرض أحيانا قيودا على المهام الموكلة إلى قواتها.

وثمة سؤال آخر يتعلق باحتمال مشاركة البريطانيين الذين قدموا حتى الآن دعما قيما لبرخان مع مفرزة من مروحيات "شينوك" الثقيلة.

وتمثل خطة العمل الجديدة قبل كل شيء اختبارا للجيوش المحلية التي ستجد نفسها في طليعة الجهد الأمني.

وعلى الرغم من جهود التدريب الكبيرة في السنوات الأخيرة، فإن القوات المسلحة لمالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي من بين أفقر البلدان في العالم، لا تزال تعاني نقصا في التدريب والتجهيز وتستهدفها هجمات جهادية متكررة. كما أن تلك الجيوش متهمة بارتكاب انتهاكات ضد السكان المحليين.

وأكدت بارلي الجمعة أنه "حان الوقت لأن القوات المسلحة لمنطقة الساحل أصبحت الآن تتمتع بقدرة أكبر على مواجهة أعدائها"، في إشارة إلى "عمليات كبيرة في الخريف والشتاء شكلت خلالها الجيوش الفرنسية والساحلية مجموعة من آلاف العناصر الذين قاتلوا معا".

وتعتبر باريس أن الكرة صارت في ملعب الشركاء المحليين. وقال ضابط فرنسي رفيع إنه من الآن فصاعدا "سيكون من الضروري أن يبلغنا الماليون والنيجيريون والبوركينيون والقوة المشتركة لمجموعة الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد) بعدد الوحدات التي يمكنهم نشرها، حتى نتمكن من تحديد احتياجات الدعم في القتال".