
إيران تتمسك بنظرية المؤامرة لتبرير حملة قمع الاحتجاجات
طهران/باريس - تتمسك إيران بنظرية المؤامرة في ما يتعلق بالاحتجاجات المتواصلة منذ نحو شهر تنديدا بممارسات أجهزة النظام الديني ومن ضمنها شرطة الأخلاق المتهمة حاليا بالمسؤولية عن وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا اميني بعد احتجازها وتعرضها للضرب على الرأس، فيما وجهت السلطة القضائية القضاة بعدم التساهل والتعاطف بحق كل من يتم اعتقاله ويثبت تورطه في ما أسمته بـ"أعمال الشغب والتخريب".
واتهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الخميس الولايات المتحدة، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية، بالعمل على زعزعة استقرارها، فيما تلقّى القضاة الإيرانيون تعليمات بعدم التساهل في الأحكام التي سيصدرونها بحق من يظهر أنهم "العناصر الأساسيون للشغب"، وفق ما أفاد الموقع الالكتروني للسلطة القضائية الخميس.
وأورد موقع 'ميزان أونلاين' التابع للسلطة القضائية أنّ رئيسها غلام حسين محسني إجئي "أعطى توجيهاته للقضاة بتفادي تبسيط المسألة وإبداء تعاطف غير مبرر وإصدار عقوبات مخففة للعناصر الأساسيين لأعمال الشغب هذه".
ورأى أنّ عقوبات مخفّفة بحق هؤلاء هي "ظلم بحق الشعب والمستقبل"، إلا أن رئيس السلطة القضائية شدد أيضا على ضرورة إبداء ليونة بحق من يشاركون في الاحتجاجات من دون إثارة أعمال شغب.
وكانت الشابات وطلاب الجامعات وطالبات المدارس في طليعة الاحتجاجات وهتفوا بشعارات مناهضة للحكومة وأضرموا النار في الحجاب، كما واجهوا قوات الأمن في الشوارع.
وسُمعت مرة أخرى خلال ليل الأربعاء هتافات "امرأة، حياة، حرية" في شمال غرب مدينة بوكان، حيث أحرق المتظاهرون العلم الإيراني.
واحتشد المتظاهرون أيضا في العاصمة طهران وفي أصفهان في الجنوب ومشهد في الشمال الشرقي ورشت في الشمال وساقز مسقط رأس أميني في الغرب.
وألقى رئيسي باللوم مجدّدا على الولايات المتحدة خصم بلاده اللدود منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979. وقال خلال قمة "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" (سيكا) في كازاخستان "الآن بعد فشل الولايات المتحدة في العسكرة ضد إيران والعقوبات، لجأت واشنطن وحلفاؤها إلى السياسة الفاشلة لزعزعة الاستقرار".
وأُطلقت أعيرة نارية وقنابل الغاز المسيل للدموع الأربعاء، في الوقت الذي واجهت فيه قوات الأمن الاحتجاجات في إطار حملة أودت بـ108 أشخاص على الأقل، حسبما أفادت منظمات حقوقية.
وأظهرت مقاطع فيديو جديدة مواجهات بين الناس والقوات الأمنية بينما كانت تسعى إلى اعتقال محتجّين، الأمر الذي أجبر أفرادها على الفرار في بعض الأحيان.
في مقطع فيديو آخر، شوهدت نساء يتعرّضن للضرب والمطاردة من قبل قوات الأمن في رشت في محافظة غيلان.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ من أوسلو مقرّا إن عمّال صناعة الطاقة انضمّوا إلى إضرابات احتجاجية هذا الأسبوع في مصنع عسلويه للبتروكيميائيات في جنوب غرب البلاد وفي عبدان في الغرب وبوشهر في الجنوب.

وهزّت الاضطرابات خصوصا مدينة سنندج عاصمة محافظة كردستان، المنطقة التي تتحدر منها أميني في غرب إيران، وكذلك زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان جنوب شرق إيران، حيث اندلعت تظاهرات في 30 سبتمبر/أيلول في ظلّ تقارير عن اغتصاب أحد قادة الشرطة لمراهقة.
وقالت وكالة أنباء ناشطي حقوق الإنسان إنّ "الاستخدام غير المنظّم للبنادق مع الخرطوش من قبل سلطات إنفاذ القانون أدى إلى إصابة العديد من المتظاهرين"، بمن فيهم كبار السن والمراهقون وحتى الأطفال.
وقالت الوكالة في تقرير نُشر الأربعاء إنّ لديها أسماء 106 أشخاص على الأقل قُتلوا من قبل القوات الأمنية، وإنها تعلم بمقتل 11 آخرين لم يتمّ التعرف عليهم.
وأفادت الوكالة عن مقتل أكثر من 94 شخصا في زاهدان، إحدى المدن القليلة ذات الغالبية السنية، مشيرة إلى مقتل 20 من عناصر الأمن بينهم ستة في زاهدان. وقالت المنظمة الحقوقية إنّ "عدد المعتقلين يُقدّر بـ5500 على الأقل".
وقوبلت حملة القمع التي شنّتها الجمهورية الإسلامية بإدانة واسعة النطاق. وقال كومفورت إيرو الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية في تغريدة على تويتر "القمع المستمر ليس الحل"، مضيفا أنّ "حملة القمع العنيف التي تشنّها الحكومة لا تؤدي إلا إلى تعميق الانقسام بين دولة لن تستسلم للمطالب بمزيد من الحرية، ومجتمع لن يتنازل عن المطالبة بها".
وكثفت قوات الأمن الإيرانية حملات القمع على المناطق الكردية الليلة الماضية ونشرت قوات الصاعقة مع استمرار السلطات في إخماد الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد وكانت قد أشعلتها وفاة مهسا أميني في حجز للشرطة.
وسلطت الاحتجاجات الضوء على الإحباط المكبوت بشأن الحريات والحقوق في إيران مع انضمام العديد من النساء إليها. وأصبحت الأنباء الواردة عن مقتل العديد من الفتيات المراهقات أثناء تظاهرهن بمثابة صرخة للخروج في مزيد من الاحتجاجات.
ونشرت إيران عناصر من ميليشيا الباسيج وهي قوات تكون عادة في الطليعة لقمع الاضطرابات الشعبية، في المناطق الكردية حيث قُتل سبعة أشخاص في احتجاجات خرجت الليلة الماضية.
وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي ما بدا أنها عناصر من الباسيج تضرب المتظاهرين في المناطق الكردية. وقال مصدران في سنندج، عاصمة إقليم كردستان في إيران، لرويترز إن عناصر الباسيج وشرطة مكافحة الشغب يهاجمان المتظاهرين.
ونقل المئات من شرطة مكافحة الشغب وقوات الباسيج نمن أقاليم أخرى إلى كردستان لمواجهة المحتجين.
وقال شاهد "قبل أيام قليلة، رفض بعض عناصر الباسيج من سنندج وبانه تنفيذ الأوامر وإطلاق النار على الناس... الوضع في سقز هو الأسوأ. قوات الباسيج هذه تطلق النار على الناس والمنازل حتى لو لم يكن هناك متظاهرون".
ويقول محللون إن عدد المتطوعين للعمل في الباسيج التابعة للحرس الثوري ربما يُقدر بالملايين ومن بينهم مليون عضو ناشط.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة مستمرة منذ أسابيع تتمتع السلطات الإيرانية بخبرة في قمع موجات أطول من الاضطرابات، ففي عام 2009، استمرت مظاهرات اندلعت على مستوى البلاد بسبب انتخابات متنازع على نتائجها لمدة ستة أشهر قبل أن تسيطر عليها السلطات في النهاية.
وبينما كانت نبرة العديد من المسؤولين حادة، نُقل عن مستشار كبير للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي تساؤله عما إذا كان ينبغي على الشرطة فرض ارتداء الحجاب، وهو انتقاد نادر لجهود الدولة لفرض الحجاب.
وأبلغ مصدر في سنندج رويترز أن شرطة مكافحة الشغب تُفتش المنازل وتعتقل عشرات الشباب، قائلا إن الوضع يسوده التوتر الشديد مع وجود مئات من ضباط الشرطة في شوارع المدينة.