إيران تتوارى خلف مزاعم تهديد انفصالي لتبرير حملة القمع
طهران - يحاول رجال الدين في إيران تحويل الأنظار عن حملة قمع دموية تشنها القوات النظامية مدعومة بميليشيا الباسيج اليد الطولى للنظام الديني في إخماد الاحتجاجات، بتصوير الانتفاضة الشعبية التي تفجرت منذ 16 سبتمبر/ايلول الماضي تنديدا بوفاة مهسا أميني، على أنها تهديد انفصالي من جانب الأكراد يستهدف وحدة الأمة وليس رجال الدين.
ومن خلال هذه المزاعم تختلق السلطات الإيرانية ذرائع لإضعاف الاحتجاجات من جهة وتبرير حملة القمع الدموية من جهة ثانية خاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال غرب البلاد.
وهذه الرواية تجد صداها منذ سنوات على وقع مخاوف إيرانية من نزعة انفصالية تحولت في سوريا والعراق إلى واقع مع انتزاع الأكراد السوريين مكاسب بعد الحرب مكنتهم من إقامة إدارة ذاتية في شمال شرق البلاد ومع تمتع إقليم كردستان في شمال العراق بحكم ذاتي.
وتلتقي طهران وأنقرة في تلك المخاوف ما يفسر حملات قصف سابقة منسقة بين الجانبين في إقليم كردستان العراق. وتتوجس الدولتان الجارتان من تشكل حزام جغرافي كردي يمتد من سوريا والعراق إلى شمال غرب إيران وشرق تركيا.
ويبدو أن الانتفاضة التي تتركز حاليا في شمال غرب إيران حيث يعيش الكثير من الأكراد والتي رفعت فيها شعارات تنادي بالتغيير، شكلت فرصة للنظام الديني لتبرير حملة القمع الدموية ولترويج مزاعم التهديدات الانفصالية وهي مزاعم تجد صداها لدى كثير من الإيرانيين على الرغم من عفوية الاحتجاجات التي توسعت لتشمل عشرات المدن الإيرانية التي لا تتواجد فيها الأقلية الكردية.
وتوفيت أميني (22 عاما)، وهي كردية من إقليم كردستان في شمال غرب إيران بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق بسبب انتهاك القواعد الصارمة التي تتطلب من النساء ارتداء ملابس محتشمة في الأماكن العامة.
وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات التي بدأت في جنازة أميني في مسقط رأسها 'سقز' الكردية، في مختلف أنحاء البلاد، لتصل إلى العاصمة طهران ومدن في وسط إيران وفي جنوب غرب وجنوب شرق البلاد حيث تتركز الأقليات العربية والبلوشية.
وانتشرت في أنحاء البلاد بما في ذلك في الجامعات والمدارس الثانوية، صرخة المتظاهرين "النساء، الحياة، الحرية" ونفس الدعوات لإسقاط الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي. ومع ذلك ركزت حملة القمع التي شنتها قوات الأمن على الشمال الغربي حيث يعيش معظم أكراد إيران الذين يقدر عددهم بعشرة ملايين نسمة.
وقال شهود إنه تم نقل شرطة مكافحة الشغب وقوات الباسيج إلى المنطقة من محافظات أخرى وتم إرسال دبابات إلى المناطق الكردية حيث تصاعدت التوترات بشكل خاص.
وهاجمت طهران الجماعات المسلحة الكردية الإيرانية في أقليم كردستان بشمال العراق المجاور قائلة إنها متورطة في الاضطرابات. وأطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف للمسلحين في المنطقة الكردية شبه المستقلة، حيث قالت السلطات إن 13 شخصا قتلوا.
وقال مسؤول أمني متشدد "جماعات المعارضة الكردية تستغل قضية أميني ذريعة لبلوغ هدفها المستمر منذ عقود بانفصال كردستان عن إيران، لكنها لن تنجح".
وردد مسؤول سابق التعليقات نفسها. وقال إن كبار مسؤولي الأمن قلقون من أن "تستخدم جماعات المعارضة الكردية الدعم الذي يحصل عليه الأكراد من أنحاء إيران للضغط من أجل الاستقلال".
ووصفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية الاحتجاجات التي عمّت البلاد بأنها "مؤامرة سياسية" أشعلتها جماعات كردية انفصالية، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
وقال علي فتح الله نجاد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت "منذ بداية الانتفاضة، حاول النظام تصويرها على أنها قضية عرقية كردية وليست قومية، مشيرا إلى تهديد انفصالي من المنطقة الكردية".
وأضاف أن التضامن الكبير بين الجماعات العرقية المختلفة في إيران خلال الاحتجاجات على مستوى البلاد قوض جهود السلطات.
ومع ذلك، بالنظر عبر حدودها إلى الوضع في العراق، وأبعد غربا في سوريا، يمكن للسلطات الإيرانية أن تشير إلى أن الطموحات الكردية في الحكم الذاتي تترسخ عندما تتعرض الحكومة المركزية لتحديات.
وفي العراق، حصل الأكراد الذين قاتلوا نظام صدام حسين لسنوات على قدر من الحماية العسكرية الغربية بعد حرب الخليج عام 1991 بصورة كافية للحصول على درجة من الحكم الذاتي. وتعزز مستوى الحكم الذاتي بعد 12 عاما بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام.
كما استغلت القوات الكردية السورية الاضطرابات التي أشعلتها انتفاضة 2011 ضد الرئيس بشار الأسد وتحالفت مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لتفرض سيطرتها في رقعة من شمال شرق سوريا.
وفي تركيا، حيث يشكل الأكراد حوالي خمس السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، يخوض مسلحو حزب العمال الكردستاني تمردا مسلحا ضد الدولة منذ عام 1984 قتل فيه عشرات الآلاف.
وخرج الأكراد في العراق وسوريا في مظاهرات تضامنا مع المحتجين في إيران. وفي تركيا، قال نائب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إن الحزب "يحيي النساء في إيران" وينادي بحقوقهن.
وقال تونجر بكرهان وهو رئيس بلدية سابق أقيل واعتُقل على خلفية اتهامات بارتباطه بالمسلحين، "كما هو الحال في تركيا والعراق وسوريا، الأكراد في إيران هم من يسعون إلى الديمقراطية والأكراد هم من يسعون إلى الحرية".
ويكفل الدستور الإيراني حقوقا متساوية لجميع الأقليات العرقية ويتيح استخدام لغات الأقليات في وسائل الإعلام والمدارس، لكن منظمات حقوقية ونشطاء يقولون إن الأكراد يواجهون تمييزا، وبالمثل الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، في ظل الحكم الديني الشيعي في البلاد.
وقالت منظمة العفو الدولية إن "العشرات إن لم يكن المئات" من السجناء السياسيين المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وغيره من الأحزاب السياسية المحظورة يقبعون في السجن بعد إدانتهم في محاكمات جائرة.
وقال هيوا مولانيا وهو صحفي كردي إيراني مقيم في تركيا "لم يعترف النظام قط بحقوق السكان الأكراد".
وعلى الرغم من هذه القيود في الداخل ونموذجي الحكم الذاتي الكردي في العراق وسوريا، يصر العديد من الأكراد الإيرانيين على أنهم لا يسعون للانفصال.
وقال كافه جريشي وهو صحفي وباحث كردي إيراني إن "الأكراد الإيرانيين يريدون احترام حقوقهم الدستورية. الناس في إقليم كردستان يريدون تغيير النظام وليس الاستقلال".
وقال علي واعظ خبير الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، إن الاتهامات بالطموحات الكردية الانفصالية تهدف إلى خلق "حالة التفاف وطني" تشجع الإيرانيين على دعم القيادة وليس المتظاهرين.
ومع ذلك، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في أي طموحات انفصالية للأقليات الإيرانية، وإنما في تعامل القيادة الإيرانية مع تلك الأقليات.
وقال فايز "تجاهل النظام للمظالم المشروعة للأقليات العرقية والطائفية جعل البلاد أكثر عرضة للحرب الأهلية التي دفعت ببلدان في المنطقة مثل سوريا واليمن إلى دوامة قاتلة".