إيران تجسّ نبض الكاظمي بعد لقائه قيادات الحشد

مصطفي الكاظمي يلتقي بقيادات الحشد الشعبي في محاولة لحل الخلافات بين الفصائل الموالية لإيران والفصائل التابعة لمرجعية النجف التي انشقت عن هيكل الحشد الشهر الماضي، والتحقت تنظيمياً بمكتب القائد العام للقوات المسلحة.
الاختبار الحقيقي للكاظمي سيكون الاتفاق مع واشنطن في يونيو
لقاء الكاظمي بقيادات الحشد هدفه انهاء الخلافات بين الفصائل
تحذيرات من إعادة استغلال إيران ذريعة محاربة داعش لإطلاق نفوذ الحشد

طهران - بدأت إيران في التقرب من رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي وجس مدى قدرة حكومته على الحفاظ على نفوذ طهران في العراق وتحديد الدور الذي يمكن أن يلعبه لفتح قنوات الحوار مع الولايات المتحدة تمهيدا لتسوية تبحث عنها منذ فترة، في تغير لافت بمواقف النظام الإيراني من وصول رئيس المخابرات السابق للسلطة.

وقال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي اليوم الأحد أن "العلاقات بين إيران والعراق يمكنها أن تتحول إلى نموذج ناجح للعلاقات الثنائية"، معربا عن "استعداد إيران لوضع جميع قدراتها الدفاعية تحت تصرف العراق"، في تغيير لافت بمواقف طهران السابقة من حكومة رئيس الوزراء الجديد الذي كانت ترفض توليه منصبه.

ونقلت وكالة الانباء الإيرانية (ارنا) عن حاتمي القول، في اتصال مع نظيره العراقي جمعة عناد سعدون هنأه فيها لتعيينه في منصبه، إن "رؤية إيران للعراق نابعة من مشتركات التاريخ والثقافة والدين".

وأضاف حاتمي لنضيره العراقي أن "سياستنا المبدئية هي وجود العراق الموحد والمستقل والقوي بمشاركة جميع القوميات والمذاهب، لذا فإننا نتمنى أن تحقق الحكومة العراقية النجاح في أداء مسؤوليتها الذاتية خاصة تحقيق المطالب الوطنية وتحسين الظروف الاقتصادية ومكافحة فيروس كورونا".

وتابع حاتمي موجها الدعوة لنظيره العراقي للقيام بزيارة رسمية إلى طهران "مستعدون لأن نضع جميع طاقاتنا تحت تصرف العراق... نريد أن نصبح شركاء استراتيجيين وأن تتحول علاقاتنا إلى نموذج ناجح للتعاون".

وتأتي تصريحات وزير الدفاع الإيراني بعد يوم من زيارة الكاظمي لمقر هيئة الحشد الشعبي في ظل تصاعد الخلافات بين الفصائل داخل المؤسسة التي أصبحت تنتمي للجيش العراقي لكنها تخضع لسيطرة فصائل موالية لطهران.

وأظهر الكاظمي في صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يجلس في مقر الحشد وإلى جانبه رئيس الهيئة فالح الفياض، فيما لم تصدر بعد أية تصريحات رسمية بشأن القرارات التي اتخذت خلال اللقاء الذي يأتي بعد زيارات مماثلة قام بها رئيس الوزراء الجديد إلى مؤسسات ووزارات أمنية في البلاد منذ توليه منصبه.

ونشرت هيئة الحشد ومكتب رئاسة الوزراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور الكاظمي خلال اجتماعه مع الفياض والنائب الجديد للحشد عبدالعزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك" والذي تدور حوله أبرز الخلافات، بالإضافة إلى قيادات أخرى بارزة بفصائل مسلحة مقربة من إيران، وقادة الفصائل التي انشقت عن هيكل الحشد الشعبي الشهر الماضي، والتحقت تنظيمياً بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذي يرأسه الكاظمي.

والشهر الماضي، أعلنت أربع فصائل تعرف باسم "العتبات المقدسة" تابعة لمرجعية النجف، إلى الخروج من عباءة الحشد إثر خلافات واسعة بدأت مع الفصائل الولائية المرتبطة بإيران وذلك بعد مقتل نائب الحشد  أبو مهدي المهندس مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد بضربة أميركية في يناير الماضي.

واعتبر مراقبون هذا التحرك من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بتحييد فصائل موالية له عن هيئة الحشد الشعبي، ضربة قوية للقوى المسلحة الموالية لإيران، وذلك استباقا لخطوة منتظرة لتصنيف الحشد تنظيما إرهابيا وذلك لتقويض الهيمنة الإيرانية على العراق خلال الفترة المقبلة.

ويتكون الحشد الشعبي من فصائل مسلحة أغلبها شيعية انخرطت في قتال داعش بعد فتوى من السيستاني الذي بدت مرجعيته أكثر ميلا لضبط هذا الهيكل وإخضاعه عمليا لسلطة الدولة وهو ما لا يرغب فيه أغلب قادة الميليشيات المشكّلة له، مفضلين الإبقاء على الانتماء الصوري للحشد إلى القوات النظامية.

والفصائل الأربعة، التي أعلنت انشقاقها عن الحشد هي فرقتا الإمام علي والعباس القتاليتين ولواءا على الأكبر وأنصار المرجعية، وتشكّلت في عام 2014 إثر فتوى الجهاد الكفائي الشهيرة التي أطلقها السيستاني بعد اجتياح تنظيم داعش المتطرف لنحو ثلث أراضي العراق.

وقالت مصادر عراقية أن اجتماع الكاظمي مع قادة الحشد كان يهدف إلى إنهاء الخلافات وتسوية ملف المناصب الرئيسة داخل الهيئة، وهي خطوة يرى مراقبون للشأن العراقي أنها تنضوي تحت خطة رئيس الوزراء العراقي الجديد لاحتواء نفوذ إيران بإبقاء الحشد تحت راية الجيش للسيطرة عليه أفضل من مواجهة منذ البداية مع إيران والاصطدام مع الفصائل عن طريق حصر سلاح الفصائل بيد الدولة واستغلالها لتعزيز دور القوات الأمنية العراقية التي تكابد لصد هجمات تنظيم داعش الذي رجع بقوة في الفترة الأخيرة عبر تنفيذ عدة عمليات إرهابية في العراق.

ونشر الكاظمي تغريدة على تويتر إثر لقائه بقادة الحشد حذر فيها "من وجود بعض الأصوات النشاز التي تحاول إيجاد فجوة بين الحشد وبين الدولة"، مؤكدا على أن "هذا التشكيك يجب أن يتوقف، وأن الحشد تأسس استجابة لفتوى المرجعية الدينية ممثلة بالسيد علي السيستاني وأن الانتقاص من شهدائه من قبل أية جهة كانت أمر مرفوض تماماً".
ويشير اختيار الكاظمي لمهادنة إيران وميليشياتها في الوقت الراهن إلى حالة الضعف التي يشهدها العراق بسبب السيطرة الإيرانية على غالبية مفاصل الدولة مما يجعل مهمة الأمن في البلاد صعبة جدا، حيث تحتاج حكومة الكاظمي للعمل على ترسيخ مصادر قوتها على الأرض قبل الأقدام على خطوة حل الفصائل والحشد الشعبي.

رس
رسالة الشارع العراقي واضحة: لا راية سوى راية العراق

وفي عملية هي الأولى من نوعها منذ شهور، تسلل عناصر من التنظيم الإرهابي إلى إحدى القرى في منطقة الطارمية، ليقوم باختطاف أحد منتسبي قوى الأمن هناك، ومن ثم نحره. وتزامنت هذه العملية مع سلسلة من العمليات في ديالى وصلاح الدين، لا سيما قطاع سامراء، حيث نحر التنظيم 4 من عائلة واحدة.

واليوم الأحد، أعلن الجيش العراقي عن اطلاقه حملة تمشيط واسعة النطاق لملاحقة فلول مسلحي تنظيم داعش الإرهابي في ثلاث محافظات.
وقال بيان لخلية الإعلام الأمني التابعة للجيش إن الحملة التي تحمل اسم "أسود الجزيرة" تستهدف ملاحقة مسلحي داعش في صحراء الجزيرة شمالي محافظة الأنبار (غرب) وجنوبي محافظة نينوى، وغربي محافظة صلاح الدين (شمال) وصولاً إلى الحدود السورية.
وأضاف أن "العملية الأمنية انطلقت من 11 محوراً بغطاء جوي من مقاتلات عراقية، لتعزيز الأمن والاستقرار في هذه المناطق وملاحقة العناصر الإرهابية".

وكانت قوات الجيش قد شرعت، السبت، بحملة مماثلة في محافظة ديالى (شرق) لملاحقة فلول داعش.
وفي 2017، أعلن العراق تحقيق النصر على داعش باستعادة كامل أراضيه التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد اجتاحها التنظيم صيف 2014 وذلك تحت قيادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لكن إيران طالما تشدقت بدورها في مساعدة العراق في دحر داعش، حيث كان قاسم سليماني يشرف بنفسه على عمليات الحشد للمساعدة في عمليات محاربة مقاتلي التنظيم الإرهابي لتقوية نفوذ طهران عبر إطلاق يد ميليشياتها.

إلا أن التنظيم الإرهابي لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق، ويشن هجمات بين فترات متباينة.

وقال الكاظمي خلال زيارته لمقر الحشد إن العراق "مقبل على صولة نهائية لاجتثاث تنظيم داعش الذي يحاول إعادة تنظيم فلوله، وأن مقاتلي الحشد الشعبي في مقدمة الذين ينفذون هذه الصولة إلى جانب أخوانهم في الجيش وبقية القوات المسلحة".

وأضاف إن "قانون الحشد رقم 40 الصادر في عام 2016 هو الإطار القانوني الذي يحميكم وسندافع عنه".

ويتهم ناشطون عراقيون إيران باستغلال محاربة داعش لتحويل فصائل موالية لها في الحشد الشعبي إلى دولة داخل الدولة العراقية والتأسيس لنظام ميليشيات موازي لها، خاصةً مع امتلاكها قراراتها الخاصة وقوتها العسكرية الخاصة وسجونها ومعتقلاتها.

وأثارت خطوات الكاظمي خلال الأسبوع الأول من توليه رئاسة الحكومة حفيظة إيران، بعد شروعه مبكرا في محاولات كبح نفوذها، حيث أمر بإغلاق مقر مليشيا "ثأر الله" الإرهابية في البصرة واعتقال عناصر مسلحة منها إثر اطلاقهم النار على المتظاهرين ما أسفر عن قتل متظاهر وإصابة آخرين، كما حاول التقرب من الشارع العراقي بإعلان إطلاق سراح المعتقلين والنشطاء الذين تم سجنهم خلال المظاهرات الغير مسبوقة التي شهدتها البلاد منذ أكتوبر الماضي.

لكن تلك الخطوات غير كافية لتحديد استراتيجية رئيس الوزراء العراقي الجديد إزاء النفوذ الإيراني في البلاد. ويقول مراقبون إن الاختبار الحقيقي للكاظمي بهذا الشأن ستكون الاتفاقية الأميركية القادمة التي ستبدأ مشاوراتها منتصف يونيو/حزيران المقبل والتي ستبحث بقاء القواعد الأميركية وطريقة عملها داخل العراق وخارجه، فضلا عن تحديد العلاقات لاسيما أن إيران ومليشياتها تبحث عن التهدئة في هذه الأشهر لتمهيد المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران بعد أن أثر مقتل سليماني والمهندس كثيرا على الوضع السياسي المتخبط في العراق.