إيران تناور واشنطن بتنازلات وهمية

طهران تقترح التصديق على وثيقة تتضمن عمليات تفتيش أكثر تدقيقا لبرنامجها النووي إذا تخلت واشنطن عن العقوبات الاقتصادية، في اقتراح شكك مسؤول أميركي في جدواه.

ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذاء بفعل تصاعد التوتر مع واشنطن
نسبة التضخم في إيران ترتفع إلى 52 بالمئة  
العقوبات الأميركية تدفع العمالة الإيرانية لكردستان العراق
الخيارات تضيق على إيران في التعاطي مع أزمة الاتفاق النووي
إيران تعاني من أزمة سيولة وشح في النقد الأجنبي

واشنطن/اربيل - بدأت الخيارات تضيق على إيران في احتواء اثر العقوبات الأميركية التي ظهرت جليا في المعاش اليومي للمواطن الإيراني وعلى مستوى قطاعات اقتصادية حيوية من ضمنها أزمة في السيولة وشحا في النقد الأجنبي.

وإلى جانب تصعيد التوتر في المنطقة لم يعد بإمكان الحكومة الإيرانية مداراة الأزمة إلا باللجوء لمناورات سياسية تسعى من خلالها لكسب الوقت ولإظهار أنها تجنح للحل السياسي السلمي لأزمة الاتفاق النووي.

وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية اليوم الخميس أن إيران اقترحت التصديق على وثيقة تتضمن عمليات تفتيش أكثر تدقيقا لبرنامجها النووي إذا تخلت الولايات المتحدة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في خطوة شككت واشنطن في جدواها.

ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله للصحفيين في نيويورك إن بلاده قد تصدق على الفور على "البروتوكول الإضافي" الذي يعطي مفتشي الأمم المتحدة المزيد من السبل للتحقق من سلمية برنامجها النووي إذا تخلت واشنطن أيضا عن العقوبات المفروضة على طهران.

لكن طهران ملزمة بحسب الاتفاق الموقع في العام 2015 بتطبيق البروتوكول وبالتالي لم يتضح ما هو التنازل الذي يقدمه ظريف في هذا المقترح الذي يبدو مناورة جديدة للالتفاف على الالتزامات النووية.

ووفقا لتقرير الصحيفة البريطانية قال ظريف "إذا أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المزيد مقابل المزيد بوسعنا أن نصدق على البروتوكول الإضافي ويمكنه أن يرفع العقوبات التي فرضها".

وعبر مسؤول أميركي عن تشككه في الأمر. وقال إن إيران تسعى للحصول على تخفيف للعقوبات دون تقديم شيء يذكر في المقابل.

وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه "مناورتهم بأكملها هي مجرد محاولة للحصول على أي تخفيف ممكن للعقوبات فيما يحتفظون بقدرتهم على امتلاك سلاح نووي في المستقبل".

واعتبر أن إيران "تحاول أن تظهر خطوة صغيرة" على أنها تنازل كبير، مشيرا إلى أن المقترح الإيراني لن يوقف تخصيب اليورانيوم ولن يفعل أي شيء حيال دعم إيران لوكلائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

طهران تداري أزمتها بتصعيد التوتر في الخليج
طهران تداري أزمتها بتصعيد التوتر في الخليج

ويزيد البروتوكول الإضافي الموقع في عام 1993، من قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق من سلمية المنشآت النووية عبر عمليات للتفتيش ووسائل أخرى.

وبموجب الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في 2015 مع ست قوى عالمية وانسحب منه ترامب العام الماضي، فإن على طهران أيضا السعي للتصديق على البروتوكول الإضافي بعد ثمانية أعوام من توقيع الاتفاق النووي في نفس الوقت الذي تلتزم فيه الولايات المتحدة بإلغاء نهائي للكثير من العقوبات المفروضة على طهران.

واستنفدت طهران كل أوراقها تقريبا في معركة كسر العظام التي دخلتها مع واشنطن منذ إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة على إيران لدفعها للتفاوض على اتفاق جديد يشمل المزيد من القيود على برنامجيها النووي والصاروخي وبما يكبح أنشطتها وأنشطة وكلائها في المنطقة.

إلا أن التصعيد الأخير يظهر أنها تبدي صمودا في مواجهة العقوبات الأميركية، لكن المعلن والظاهر شيء وحقيقة الأوضاع في الجمهورية الإسلامية شيء آخر.

وتجمع كل المؤشرات على وجود أزمة خانقة بدت ملامحها ظاهرة للعيان مع تضرر القطاعات الحيوية كالقطاع النفطي والقطاع المصرفي والصناعات.

 وتطاير شظايا العقوبات لتشمل قطاعات أخرى يعتمد عليها الإيرانيون في معاشهم اليومي كقطاع النسيج والسجاد والتجارة المحلية وسوق العمل.

وإلى جانب حالة التململ في أكبر الأسواق الإيرانية مثل بازار طهران، سلط تدفق العمالة الإيرانية على كردستان العراق (شمال) الضوء على حجم الأزمة المالية في إيران.

وعند تقاطع إحدى الطرق في مدينة أربيل، كبرى مدن كردستان العراق، يتسابق عمال إيرانيون للصعود إلى شاحنة صغيرة بعدما أجبرتهم ضغوط العقوبات الأميركية على عبور الحدود بحثا عن فرص عمل بأجر يومي في العراق المجاور.

وغالبية هؤلاء أكراد يضعون قبعات ويربطون حقائب قماشية حول خصورهم في انتظار الحصول على فرصة عمل في البناء أو غيره.

ويقول رستم (31 عاما) وهو عامل إيراني آت من مدينة أورميا بشمال غرب إيران، إن المشكلة ليست الحصول على العمل، بل إن "العملة لم تعد لها قيمة هناك"، جراء العقوبات الأميركية التي أدت لارتفاع التضخم إلى 52 بالمئة بعدما فقد الريال الإيراني نصف قيمته خلال عام واحد.

وأضاف رستم وهو أب لطفلين، مفضلا عدم ذكر اسمه الكامل خوفا من تعرض أسرته للمساءلة "في نهاية يوم عمل، يمكنني شراء دجاجة، لكن العائلة تحتاج إلى أشياء أكثر من دجاجة".

ويقول رضا رستمي الإيراني أيضا، إنه يتقاضى "ما بين 25 و30 ألف دينار عراقي يوميا (نحو 25 دولار)"، معتبرا أن ذلك "يعد مبلغا جيدا" وهو ثلاثة أضعاف ما يحصله في إيران.

ويلفت رستم إلى أن ذلك مكسب عند العودة إلى إيران، خصوصا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبضائع بشكل جنوني بعيد التوتر الأخير بين طهران وواشنطن.

وأضاف "لا يمكن التنبؤ أبدا بالوضع الاقتصادي، فقد تستيقظ صباحا وتجد أسعار المواد الغذائية قد تضاعفت مقارنة بالأمس".

الأزمة المالية تدفع عمالا إيرانيين للهجرة إلى كردستان العراق
الأزمة المالية تدفع عمالا إيرانيين للهجرة إلى كردستان العراق

وعلى غرار رستم، يعبر عمال إيرانيون آخرون إلى إقليم كردستان في شمال العراق، بحثا عن مقاولين يؤمنون لهم أعمالا وبتأشيرات سياحية لمدة شهر.

ويعمل هؤلاء لمدة 28 يوما متواصلا، ليعودوا بعدها إلى بيوتهم في إجازة وهم يحملون لعائلاتهم الشاي ولوازم الأطفال ومواد أخرى لم تعد سهلة المنال في إيران.

ويقول عالم الاجتماع الفرنسي العراقي عادل بكوان إن هؤلاء العمال المهاجرون بشكل مؤقت ليسوا فقط "لتلبية الحاجة" في وقت تعود فيه الاستثمارات ببطء إلى كردستان العراق، بل ينظر إليهم أيضا "كمصدر للثروة".

وأوضح أنه "إضافة إلى أنهم يشغلون مهنا ذات قيمة منخفضة ثقافيا واجتماعيا في المجتمع الكردي العراقي، فإن نفقات هؤلاء المياومين الإيرانيين توفر مصدر دخل".

وحتى إذا أرغموا على مغادرة العراق بشكل دوري، فإن رستم ورضا وآخرين يعودون بسرعة خلال أقل من أسبوع من الراحة عند عائلاتهم.

في أربيل، يسكن كثيرون لدى خورشيد شقلاوي وهو كردي عراقي يبلغ من العمر 54 عاما، حول ثلاثة مبان قديمة إلى فندق إقامة للعمال الأجانب.

ويقول شقلاوي "في الخريف الماضي، لم يكن لدي إلا 58 نزيلا من العمال الإيرانيين في فندقي، الآن لدي 180"، يستأجرون غرفا بمساحة تسعة أمتار مربعة، ينام في كل واحدة منها أربعة أشخاص، مقابل ثلاثة دولارات للشخص في الليلة الواحدة"، مضيفا أن كل الغرف باتت مشغولة اليوم لذلك "رفضت زبائن جميعهم إيرانيون".

وتؤكد السلطات الكردية العراقية عدم توفر إحصائيات لهؤلاء العمال القادمين عبر الحدود.

ولا ينظر العمال العراقيون بعداء تجاه العمال الإيرانيين على غرار ريبين سياماند الذي كان يبني سورا خارجيا لأحد المنازل في أربيل.

ويقول هذا العراقي الكردي البالغ من العمر 27 عاما "هم يتقاضون نفس أجورنا"، لكنه يضيف أنه في حال قرر الإيرانيون الاستمرار بالمجيء بأعداد كبيرة وكسر الأسعار وتخفيض أجورهم، فلن يتم الترحيب بهم بالطريقة نفسها.

ومنذ فبراير/شباط الماضي، يأتي سليمان طه الكردي الإيراني إلى العراق، محملا في حوض شاحنته الصغيرة منحوتات صغير لحيوانات، ليبيعها هناك.

ورغم أنه يحمل شهادة جامعية في الرياضيات، قبل طه (27 عاما) بهذا العمل الصغير لمساعدة عائلته التي تعيش في محافظة سناندج بغرب إيران والتي تبعد 300 كيلومتر عن أربيل. وهو يبحث حاليا عن منزل في أربيل لاستقبال أصدقائه وأقربائه الذين يسعون للسير على خطاه.

وأوضح أنه "قبل العقوبات الأخيرة، كنا نأكل اللحم ثلاث مرات في الأسبوع، أما الآن فمرة واحدة فقط"، مضيفا "إذا ما هاجرنا، فذلك ببساطة لإطعام عائلاتنا".