إيفاريستو تعزف بالكلمات سيمفونية مذهلة لأصوات 12 امرأة سوداء

الروائية البريطانية تأخذنا في رواية 'فتاة، امرأة، إلخ' في نهر من الأحداث يمتد على ما يجاوز القرن بعشرين سنة، إنه نهر تتدفق فيه حكايات متشابكة لنساء يجمعُ بينها ألمُ الفقد والتعرض للتعصب والهجران والاضطهاد كما تشترك جلهن في كونهن ولدن بريطانيّات ملوّنات في مجتمع يتعسر عليه قبولهن.

تتميز كتابات الروائية البريطانية برناردين إيفاريستو بالتجريب والجرأة وتحدي التابوهات وأساطير مختلف الهويات وكشف تاريخ الأفارقة في الشتات الغربي. وتتنوع كتبها بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والدراما الإذاعية والمسرحية، والمقالات الأدبية والنقد، وهذه الرواية "فتاة، امرأة، إلخ" الحائزة على جائزة المان بوكر البريطانيّة 2019 مناصفةً مع مارغاريت آيتوود وصدرت أخيرا باللغة عن دار مسعى للنّشر والتّوزيع بترجمة الشاعر والقاص التونسي أشرف القرقني، نعيش اثنتي عشرة قصة متشابكة بشكل جميل عن الهوية والعرق والأنوثة والجنس والجندر، وكلها متجذرة في حقائق وتعقيدات بريطانيا الحديثة، الشخصيات حية وأصلية، والكتابة رائعة وتزخر بالإنسانية.

تدور أحداث الرواية في إنكلترا المعاصرة، حيث تتقاطع شخصياتها عبر العديد من مستويات المجتمع البريطاني، مع التركيز على فترة زمنية من حقبة مارغريت تاتشر إلى أيام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهناك ناقشات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والأدوار التي تلعبها وسائل التواصل كـ: تويتر والفيسبوك وغيرها. لكن إرث هذه الحقبة من الثمانينيات من الحركة النسائية السوداء والمسرح الناشط يلوح في الأفق بشكل كبير، وربما يرجع ذلك كون الكاتبة كانت جزءًا من مجتمع ثقافي نسوي مضادة للثقافة السوداء في الثمانينيات في لندن.

تعزف إيفاريستو سيمفونية مذهلة لأصوات النساء السوداوات، حيث تصور التجربة الأنثوية لحياة 12 امرأة سوداء مختلفة تمامًا وغير مرتبطة بشكل وثيق، لتنتقل عبر فضاءات إرث بريطانيا الاستعماري في أفريقيا، الكاريبي، هن ناجحات في حياتهن الاجتماعية، منهن فنانات ومصرفيات ومعلمات وعاملات نظافة وربات بيوت، وهن أيضا في مراحل مختلفة من الأنوثة، من المراهقة إلى الشيخوخة. إنها تستكشف أسئلة العرق والهوية الجنسية والهجرة عبر التحديات التي تواجهن، آلامهن، ضحكاتهن، أشواقهن، حبهن، وكل ذلك بإيقاع مبهر يجمع بين الشعر والسرد.

تسرد كل شخصية في الرواية قصتها بلسانها، في الجزء الأول هناكآما وياز ودومينيك،والثاني كارول وبومي ولاتيشا. والثالث يلي شيرلي، وينسوم وبينيلوب، والرابعميغان/ مورغان، هاتي وجريس. والخامس هو الخاتمة التي تجتمع فيها مصائر الشخصيات. تتمحور كل قصة كل واحدة منهن حول شخصيتها، ولكن هناك العديد من اللاعبين الآخرين في حكايتها الذين يضيفون إلى قصتها أبعاد كثيرة.

تنطلق الرحلة مع "آما"، الكاتبة والمخرجة المسرحية البوهيمية وصديقتها دومينيك التي أدارت معها فرقة مسرحية لـ 10 سنوات قبل الانطلاق إلى أميركا وتعطي الدور لابنة "آما"، "تاز"، التي تتسلم إكمال القصة وتعرفنا بأصدقاء الجامعة. بعد "آما" ننجرف مع الأخريات مثل المصرفية الناجحة كارول التي تعمل والدتها بومىعاملة نظافة وتخشى من افتقار ابنتها على الرغم من إنجازاتها الواضحة، والعجوز هاتي التي تبلغ من العمر 93 عامًا وتعيش في مزرعة في شمال إنكلترا، والمعلمة شيرلي كينج المنهكة بعدة عقود عمل مع مدارس لندن المحرومة من التمويل. تتقاطع هذه الشخصيات في الجوانب المشتركة لهوياتها، من عمر إلى عرق إلى جنس إلى آخر.

تسلط إيفاريستو الضوء على الآثار الصادمة للاغتصاب وكيف يمكن لتلك اللحظة تغيير حياة ضحاياها، وقد قامتباستكشاف هذا الموضوع بالتفصيل في قصة "كارول"، وكيف غيرت محنة اغتصابها التي وقعت لها عندما كانت مراهقة حياتها وعلاقاتها في المستقبل لتصبح مصرفية ناجحة.

يقول المترجم أشرف القرقني "بنفَسٍ تجريبي واضح يفصح عن نفسه ابتداء من العنوان وغياب النقاط في المتن وتوزع جمل الرواية على طريقة الأسطر الشعرية، تأخذنا برناردينْ إيفاريستُو في نهر من الأحداث يمتد على ما يجاوز القرن بعشرين سنة. إنه نهر تتدفق فيه حكايات متشابكة لإحدى عشرة امرأة ومتحوّل(ة) بينيّ(ة)، يجمعُ بينها ألمُ الفقد والتعرض للتعصب والهجران والاضطهاد. كما تشترك جلهن في كونهن ولدن نساء بريطانيّات سوداوات (أو "ملوّنات") في مجتمع يتعسر عليه قبولهن دون عنصرية ورفض يتخذان مختلِف الأشكال الممكنة. بهذا المعنى، نفهم لفظة "إلخ" التي تفتح أفقا في عنوان الرواية، يشير إلى كل أولئك الذين لم تحتمل حيواتهم وهوياتهم المتحركة ومصائرهم الفريدة أن تحشر في خانات معيارية سرعان ما تتحول إلى أدوات لممارسة السلطة والهيمنة والاضطهاد.

ويضيف أن إيفاريستُو تتيح لكل امرأة من الـ 12 المجالَ لتتكلم باسمها وصوتها وإيقاعها على امتداد فصل يخصها، من حيث يقول رؤيتَها للعالم وفق طريقتها الخاصّة. ولكن تظافُر الأصوات المتعدّدة في هذه الرّواية الشّيّقة، يشكّل صوتا جامعا مُفعَما بالحياة والشغف والحب والحرية، وكاشفا لملامح بريطانيا المعاصرة والحديثة، ومن خلالها أيضا - في عالمٍ صار أصغرَ من قرية أو متاهة في حديقة- ملامحَ أوطاننا المتفرّقة على الخريطة".