إيقاعات لونية للحظات عاكسة من حياة المرأة في مرآة زينب موحد

الرسامة الايرانية انطلقت قبل 13 عاما في سكب مشاعرها وتصوير تجلياتها الروحية وما ينتابها من أسئلة ومشاعر عبر نص لوني رائع معتمدة بشكل كبير على تصوير نفسها في أكثر من عمل على شكل بورترية وعنصر رئيسي لأعمالها.

ما بين العالم الداخلي للأنسان والعالم الذي يحيط به ينتاب الفنان والأديب لوعة وحيرة من الشك واليقين والقبح والجمال ويعيش صراع الوجود حتى يبزغ ضوء من قاع الروح، ليبشر بولادة جديدة كفعل أنساني أو جمالي تظهر على شكل لوحة او نص أدبي مرموق ومؤثر، هذا التوهج والألق هو ما أنبثق عن تجربة الفنانة الأيرانية زينب موحد، بعد أن انشغلت وعاشت ذلك الترقب والانفعال من خلال حواسها وخيالها لتطلعاتها الداخلية وأحلامها في الحياة كأنسانة وفنانة في بيئة ومجتمع تعسف به التحديات الكبيرة لها كامرأة وفنانة، خصوصا أن هذا المجتمع تسيطر عليه بقوة الأعراف والتقاليد الاجتماعية والدينية التقليدية أتجاه المرأة.

بدأت الفنانة الإيرانية زينب موحد برصد انشغالاتها في الحياة وطموحها الإنساني والجمالي، وبدأ هذا النزوع والتوجه مع الشروع في طموحها الفني والدراسي، حيث بدأت بأخذ دروس في الرسم منذ سنة 1999، وبعدها بثلاث سنوات دخلت في المرحلة الأكاديمية للفن، حيث حصلت على درجة البكلوريوس عام 2007 من جامعة ظهران، ومن ثم حصلت على درجة الماجستير عام 2011.

منذ ذلك الحين انطلقت الرسامة في سكب مشاعرها وتصوير تجلياتها الروحية وما ينتابها من أسئلة ومشاعر عبر نص لوني رائع معتمدة بشكل كبير على تصوير نفسها في أكثر من عمل على شكل بورترية وعنصر رئيسي لأعمالها. حيث أنجزت أحد عشر معرض شخصي وأكثر من ستين معرض مشترك في أيران والشرق الأوسط واوربا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من تأثرها بعدد من رساميين الحياة الواقعية من  أمثال الفنان روبرت راوشنبرغ، والفنان مارك روثكو، والفنان أدوارد هوبر، إلا أنها أتجهت في أسلوبها ومعالجتها الفنية الى أسلوب التعبيرية الرمزية وأن ظهر للمشاهد العادي أن أعمالها عبارة عن ثيمات واقعية، ولكن بدأت الفنانة زينب موحد الى أستخدام الرمز أو التورية في أغلب أعمالها وبدأ ذلك مبكراً في تجربتها الفنية، كما نرى ذلك في عمل "هو متيقظ ونحن نائمون" لسنة 2015 حيث استعانت برمز الديك ليمثل السلطة الذكورية السائدة في المجتمع الشرقي، ووضعته في مشهد متفرد به أو أشبه بمساحة أو مشهد لوني يتفرد به كسلطة مطلقة فيما تنزوي المرأة الى الخلف ولا يرى منها سوى أرجلها اللتان ترتديان حذاء وهو مشابه للون الفضاء الذي يتسيدّهُ الديك، في مفارقة جمالية وفنية من جهة، ومن جهة أخرى هي سخرية لاذعة الى هذه الذكورية السائدة في المجتمع. أن سطوة تقاليد وأعراف المجتمعات وسطوة الأفكار والتيارات الدينية تجعل الفنان والمبدع في أي مجال فني وأدبي ينحو بتجاه أستخدام الرموز والدلالات وأبتداع أفكار واسلوب خلاق يوصل من خلالهُ رسائله وأفكاره الى الجمهور.

شكلت المرأة بطموحاتها وتقلباتها ومعاناتها في المجتمع المحور الرئيسي في أغلب أعمال الفنانة زينب موحد، لذلك أخذ مسار أعمالها مسار تسليط الضوء على تجليات المرأة الجمالية كشكل وأنوثة والغوص في تعبير عن مكنوناتها وصراعها الداخلي وتفسير ذلك عبر أعمال فنية جميلة.  استخدمت فيها الفنانة خلفيات لونية مسطحة تستند في الغالب للون واحد ليكون هو الأساس الذي يستند عليه باقي عناصر العمل، كما نرى ذلك في عمل او مجموعة اعمال تحت عنوان "حديقة مغلقة" حيث تصور المرأة وهي تحاول التخلص او خلع  التيشيرت الذي ترتديه، وتكرر هذا المشهد في أعمال أخرى من هذه المجموعة وهو تعبير احتجاجي للمرأة للتخلص من قيود المجتمع وسطوته، الا أن الأنتقالة المهمة التي حدثت في تجربة الفنانة زينب موحد هو تقديمها أعمال جديدة بطريقة معالجة مختلفة من حيث الشكل وأتساع الرؤية حيث قدمت وجوه مختلفة وتعدد لزوايا الرؤية وطبقات لونية تعطي لخلفية العمل مستويات متباينة ومتعددة مما جعل هذه الأعمال تأخذ طاقة وحيوية متقدة وكأنها بثت الروح فيها لعناصر العمل ولنسائها حيوات متعددة لاتتوقف ولا تستنفد عشقهن للحياة وصراعهن من اجل تحقيق أحلامهن وتطلعاتهن للمستقبل.

واذا أردنا أن نوصف الفرق بين هذه المرحلة من الأعمال الفنية المنجزة والأعمال السابقة هو حالة الأنتقال من المرحلة الفردية لتصوير صراع المرأة بمفردها الى الحالة الجمعية للصراع ووصف الجمالي لهذا الكائن، لذلك تطلب تغير واتساع الرؤية الى تغير في المعالجة الشكلية أثناء بناء العمل. فانتقلت الفنانة الى رؤية أوسع ومساحة بصرية تتسع لعناصر جديدة ووجوه وأشكال وتفاصيل تخص الحياة التي تعيشها الفنانة بشكل خاص والمرأة بشكل عام في بلدها

الفن يعطي للأنسان مساحة لا تتيحها او توفرها باقي الفنون للتعبير بهذه الحرية وبقدر عالي من التورية والأستعانة برموز واشكال متعددة ليقدم من خلالها الفنان نص بصري يسحر المشاهد ويأخذهُ معهُ في عوالم وحيوات جديدة قد تبدو مألوفة حينا وأحيانا أخرى تبدو غامضة لأنها تقدم عناصر واشكال ونصوص جديدة لم يعتد المشاهد رؤيتها من قبل.

 لذلك نرى في هذه المرحلة بروز حالة الانعكاس عبر عدة مستويات من بناء العمل الفني، كأنعكاس الضوء والوجوه على النوافذ وواجهات المحلات والمقاهي التي رسمتها الفنانة واختارتها مكان لدردشة وسرد حكايات النساء، الفنانة زينب موحد تقدم جماليات سرد ملون لعوالم المرأة مرفقة بتفاصيل تلازم المرأة في حياتها اليومية كالحقائب الصغيرة التي ترافقها والساعات اليدوية وتفاصيل أخرى هي متممة لحكايات النساء وشغفهن بها.