اجتماع مكة.. الخلفية والمستقبل

آخر ما تريده السعودية هو أردن آخر لا تعرفه على حدودها الشمالية.

في خضم احداث ما سمي بالربيع العربي، أي قبل سنوات، ظهر احد المعارضين، من الاسلاميين الاردنيين على فضائية الجزيرة، وكان بصدد الرد على زميل له مشارك في ندوة بثتها الفضائية. قال، ان الاردن بعيد عن ما يعرف بالربيع العربي، او لا يتأثر به. فرد المعارض بما معناه، ولماذا الاردن بعيد عن الربيع العربي! واستمر في حديثه الذي اراد منه ايصال فكرة مفادها، ان النظام في الاردن، يجب ان يتغير، اسوة بما حصل في مصر وتونس وغيرهما من الدول العربية. لقد جاءت تلك الندوة على خلفية تظاهرات شهدتها الاردن بسبب غلاء المعيشة او رفع اسعار الخبز، على ما اتذكر، وكان المناخ العربي في تلك السنين مهيئا لتقبل فكرة ازاحة الانظمة، عكس ما هو عليه اليوم، بعد ان تحول الربيع العربي الى جحيم احرق الدول والشعوب معا.

الاحداث التي شهدتها الاردن مؤخرا، ذكرتني بتلك الندوة وايضا بالوجوه الاردنية (الاسلامية) المتطرفة، التي تظهر على بعض الفضائيات، تتغنى بشكل مباشر او غير مباشر بالقاعدة واخواتها، وهذه الوجوه، لها بالتأكيد عمقها الجماهيري، الذي يتفاعل معها في طروحاتها، ويتأثر بمواقفها، وهي بالتأكيد كانت حاضرة في الاحتجاجات الاخيرة، ليس بعمقها الجماهيري المحلي وحده، بل بعمقها اللوجستي الابعد!

لقد ظل الاردن بعيدا عن النيران المباشرة لربيع الخراب العربي بفضل تماسك نظامه وعلاقاته الدولية المتوازنة، لكنه ظل يتحمل عبء الازمة السورية منذ اندلاعها، من خلال استقباله النازحين منها وخسارته التبادل التجاري مع سوريا، حيث تتحدث الارقام عن تأثر معظم الفعاليات الاردنية بالازمة، وايضا تحمل اقتصاده المتعب اصلا، تداعيات احتلال داعش لمدن العراق الغربية. اضافة الى ان الاردن، يقع من الناحية الجيوسياسية، في منطقة تجاذبات حادة، الامر الذي فرض عليه سياسية حذرة للغاية تراعي حساسيات الداخل والخارج معا، بلحاظ قراءته للخلفيات العميقة للاحداث، وطبيعة المشاريع المتصارعة الدولية في المنطقة، والتي افضت مؤخرا، او انضجت تصورا لحل القضية الفلسطينية، لا يراه الاردن مناسبا، ونقصد مشروع "صفقة القرن"، الذي يبدو ان تداعيات الاحداث في المنطقة ومن خطط لها في الكواليس، كانت تدفع بهذا الاتجاه الذي بات حديث الاوساط السياسية والاعلامية العربية والاجنبية. فالاردن البلد العربي المعني الاكبر بالقضية الفلسطينية، لاعتبارات عديدة اهمها التداخل السكاني والجغرافي بين الاردن وفلسطين، بات مستهدفا بشكل غير مباشر، من خلال ضغوط اقتصادية لدفعه الى الموافقة بالصفقة ولو على شكل مراحل تجعل نتائجها المتحققة على الارض، واقع حال، او هكذا يبدو الامر حتى الان.

الاجتماع الرباعي في مكة المكرمة، الذي جمع قادة السعودية والاردن والامارات والكويت، جاء على خلفية الاحتجاجات الاخيرة في الاردن على قانون ضريبة الدخل، والتي ارادت بعض القوى الاردنية ان تدفع بها الى ما هو ابعد من احتجاجات، لولا امتصاص الازمة، نتيجة تعهد رئيس الوزراء المكلف الرزاز بعدم العمل بالقانون. فالسعودية التي يخيفها ان يكون على حدودها الشمالية، اردن اخر غير الذي تعرفه، تدرك ان عدم الوقوف مع الاردن في ازمته الاقتصادية الحالية قد يمنح المتربصين فرصة للذهاب ابعد في مشروعهم المخيف، وهو ما ينبغي الوقوف بوجهه. لكن هذا ليس كل شيء، اذ ان السعودية التي تشارك واشنطن رؤيتها لـ"صفقة القرن"، تريد انضاجها بتصور اردني وفلسطيني مشترك، يجعلها ممكنة ومقبولة، ولو الى حد ما، لان قوامها الاساس هو القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل، وهو ما يرفضه الاردنيون والفلسطينيون. فهل ناقش القادة الاربعة في مكة المكرمة هذه المسالة، كمدخل لدعم عربي للاردن من قبل هذه الدول، لاسيما السعودية والامارات المنخرطتين في اكثر من ميدان عربي؟ قراءتنا وليست معلوماتنا تقول، نعم، لان الاردن الان بحاجة ماسة الى من ينتشله من ازمته الخانقة، والسعودية الخائفة من تدهور الاوضاع في جارتها الشمالية، تريد ان تضرب اكثر من عصفور بحجر واحد، أي تجنب تداعيات الازمة وعدم تفاقمها في الاردن، وفي الوقت نفسه تحقيق توافق على رؤية مشتركة، ولو مبدئيا على حل نهائي للصراع العربي الاسرائيلي، لمنع استثماره من قبل القوى المنافسة لها، وفي مقدمتها ايران. وبذلك يتحقق لادارة ترامب، في الاردن ما ارادته من دون ربيع عربي جديد، قد تكون كلفته عالية وغير مضمونة، ولكن كلفته على السعودية ودول الخليج اكبر واقسى، وهذا ما جعل قادة تلك الدول يجتمعون تحت عنوان اقتصادي، يضمر ما هو ابعد من ذلك بكثير.

باي شيء انتهى الاجتماع؟ لا نعتقد ان مخرجات هكذا لقاءات تظهر بسرعة وبشكل علني، لان نتائجها تتحقق تدريجيا، وبالتساوق مع تداعيات الاحداث التي تلتهب بنيرانها منطقتنا.