احتجاجات شعبية تلوح في العراق بسبب أزمة المياه وشروط تركيا
بغداد – يواجه العراق أزمة مياه خانقة تتفاقم بفعل سياسات تركيا المائية، ما يهدد بكارثة إنسانية وبيئية في ظل إطلاقات مياه ضئيلة وشروط تركية مجحفة، مما يدفع البلاد نحو موجة احتجاجات شعبية عارمة قد تعم كافة المحافظات والمدن.
وأكد النائب ثائر مخيف، عضو لجنة الزراعة والمياه، لوكالة شفق نيوز الكردية العراقية، السبت، أن الإطلاقات المائية من تركيا لا تزال "ضئيلة جدا"، مشددا على أن الحل الجذري يكمن في إنشاء السدود لضمان خزين استراتيجي يلبي احتياجات البلاد المتزايدة خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن "تركيا رهنت زيادة الإطلاقات المائية بإحالة مشاريع السدود التي يرغب العراق بإنشائها إلى شركات تركية"، وهو شرط يضع العراق في موقف تفاوضي صعب، خاصة مع تزايد حدة الأزمة.
وحذر مخيف من أن الشعب العراقي لن يقف مكتوف الأيدي، مؤكدا أنه "إذا لم تلتزم تركيا بتنفيذ اتفاقها مع العراق بإطلاق حصته الرسمية، سنخرج باحتجاجات شعبية تشمل جميع المحافظات والمدن التي طالها الجفاف ووصل الأمر لدرجة أن لا توجد مياه للشرب فما بالك بالزراعة أو الرعي أو الاستخدام الفردي".
وأعرب عن تشاؤمه من التزام تركيا بوعودها، داعيا في الوقت نفسه الجهات المعنية إلى "بذل جهود أكثر في ذلك لإنقاذ محافظات الجنوب والفرات الأوسط، فالحال هناك يرثى له".
وجاءت تصريحات مخيف بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأربعاء الماضي، عن موافقة تركيا على الزيادة في منسوب مياه نهري دجلة والفرات المتجهة صوب العراق في شكل بشرى لسكان مناطق عراقية كانت بصدد مواجهة العطش خلال هذه الصائفة شديدة الحرارة والتي أعقبت أشهرا طويلة من الجفاف وقلة الأمطار.
وقال رئيس الوزراء في تصريح صحافي أدلى به خلال زيارته للبصرة "حصلت موافقة الحكومة التركية من خلال الرئيس رجب طيب أردوغان على إطلاق حصة مائية تصل بحدود 320 مترا مكعبا في الثانية إلى سد الموصل و350 مترا مكعبا في الثانية من خلال حدودنا مع سوريا"، معربا عن أمله في "أن تسهم كمية المياه الواصلة إلى العراق في معالجة شحة المياه في عمودي دجلة والفرات."
وأضاف أن حكومته باشرت "إجراءات مواجهة شحة المياه بدءا من الحلول الدبلوماسية مع دول الجوار وبالخصوص مع دولة تركيا من خلال الاتصالات التي جرت خلال الفترة الماضية."
إلا أن الواقع الميداني لا يزال مقلقا، فقد أفاد مصدر فني في سد الموصل الجمعة بأن الإطلاقات المائية من السد باتجاه نهر دجلة جرى رفعها إلى 350 مترا مكعبا في الثانية، لكن الواردات القادمة من تركيا ما تزال أقل من المعدلات التي نصّ عليها الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين.
وكان المصدر ذاته قد أبلغ الأربعاء الماضي بأن الواردات من تركيا إلى سد الموصل ما تزال ضمن المعدلات الطبيعية، وأن اتفاق الزيادة لم يدخل حيز التنفيذ حينها.
ويمرُّ الوضع المائي في العراق بظروف حرجة، تنذر بكوارث كبيرة في ظل انخفاض الخزين المائي إلى أدنى مستوياته، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في فصل الصيف، وقلة الواردات المائية، إضافة إلى التغيرات المناخية وشح هطول الأمطار، بحسب متخصصين بالشأن المائي.
ويؤكد المتخصصون، أن انخفاض مستوى المياه في مناسيب نهري دجلة والفرات سيكون له تداعيات على الأمن المائي من حيث التلوث وزيادة الأملاح، فضلا عن التأثير المباشر على الثروات السمكية والزراعية والحيوانية والمجالات الأخرى كالصناعية وغيرها، إلى جانب تداعيات اجتماعية وخاصة في الأهوار من زيادة معدلات الفقر والنزاعات والهجرة العكسية.
وأفاد مواطنون في البصرة، مؤخرا، بأن ملوحة المياه وصلت إلى مستويات تجاوزت المعايير العالمية، ما أدى إلى تعطل معظم محطات التصفية، التي تعجز عن معالجة المياه الملوثة بالملح والنفايات الصناعية.
وأشاروا إلى أن أسعار المياه المعبأة تضاعفت، حيث ارتفع سعر طن المياه من 10 آلاف دينار إلى أكثر من 20 ألفا، مما يثقل كاهل ذوي الدخل المحدود.
وكشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، في 23 يونيو الماضي، عن تراجع الإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات إلى مستوى دون 50 بالمئة، فضلا عن انخفاض الخزين المائي في السدود الى النصف ايضا، داعية السوداني لتفعيل الورقة التجارية للضغط على تركيا.
تشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق بسبب قلة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، نتيجة التغير المناخي، إضافة إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات بسبب سياسات مائية لكل من إيران وتركيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة البنك الدولي، بحلول العام 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار، كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا، فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل"، أي ما يساوي نسبة 6 بالمئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.