احتجاجات في تونس لـ "استعادة الجمهورية" من الإسلاميين

حلت ذكرى عيد الجمهورية في تونس وسط احتقان شعبي ترجم في شكل احتجاجات رفع خلالها المتظاهرون شعارات معادية للتشكيلة الحكومية التي يعتبرون أن وراءها حزب النهضة الإسلامي، وإن من خلف الستار، ورئيس الوزراء هشام المشيشي وهتفوا "الشعب يريد حل البرلمان".
اقتحام مقرات حركة النهضة وشعارات تنادي بإسقاط الحكومة وحلّ البرلمان
متسلحون بالمعقمات والكمامات التونسيون يندفعون إلى الشارع ضد "خراب" البلاد

تونس- لا أجواء احتفالية في تونس بعيد الجمهورية ولا أعلام ترفرف، فقط استنفار أمني وحواجز شرطة ووضع مقلق زاد من الضغط الذي سببته درجات الحرارة القياسية والأخبار المقلقة عن تفشي فايروس كورنا؛ على هذا الوضع استفاق التونسيون يوم الأحد 25 يوليو، الذي يوافق ذكرى إعلان الجمهورية.

لم يكن حظر التجول والانتشار الأمني المكثف في محيط شارع بورقيبة بالعاصمة وساحة باردو حيث مقر مجلس نواب الشعب وفي الشوارع الرئيسي للمدن الكبرى إجراءات مرتبطة بتدابير مواجهة فايروس كورونا والوضع الوبائي الخطير في البلاد بل على خلفية دعوة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تحث التونسيين على الخروج إلى الشارع والتظاهر ضد المنظومة الحاكمة، وضد حركة النهضة بشكل خاص، ولقيت تفاعلا كبيرا.

متسلحون بالمعقمات والكمامات التونسيون اندفع إلى الشارع لحماية البلاد من الانهيار التام. ويصادف 25 يوليو عيد الجمهورية في تونس، وأيضا الذكرى لاغتيال النائب وأمين عام حركة الشعب محمد البراهمي. واختار منظمو هذا التحرك الاحتجاجي هذا اليوم الرمزي ليكون يوم "استعادة الجمهورية" من حكم النهضة.

بدأ الأمر بدعوة من أشخاص، غير معروفين، على صفحة فايسبوك للخروج يوم 25 يوليو والتظاهر ضد مطالبات حركة النهضة بالتعويضات وسياسياتها  التي خنقت البلاد ودمرت بنيتها التحتية منذ ركوبها موجة ثورة 14 يونيو 2011.

أثارت هذه المجموعة أسئلة كثيرة حول من يقف وراءها لكن أحدد مؤسسيها فائز الرياحي أكد في تصريح لإذاعة خاصة أن "لا جهة تقف وراء هذه الدعوات"، لافتا إلى أن "هذه المجموعة لا تعرف بعضها في العالم الواقعي فقط جمعهم في العالم الافتراضي الغضب من مطالب التعويضات التي طالبت بها حركة النهضة وتونس في أشد الأزمة. من هنا جاءت الدعوة إلى يوم التعبير عن الغضب".

ورغم غياب معلومات دقيقة عن من يقف وراء هذه الدعوة وما نسج من نظريات مؤامرة حوله وربطه بالخارج إلا أنها نجح في دفع التونسيين إلى كسر حظر التجول المفروض ضمن تدابير منع انتشار فايروس كورونا ليخرجوا إلى الشارع مرددين شعارات بعضها سبق وأن رفع يوم 14 يناير 2011 من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام"، "ديغاج (ارحل)". كما ردد المتظاهرون شعارات معادية للتشكيلة الحكومية التي يعتبرون أن وراءها حركة  النهضة، وإن من خلف الستار، ورئيس الوزراء هشام المشيشي وهتفوا "الشعب يريد حل البرلمان".

بينما خيم الصمت على شارع الحبيب بورقيبة والشوارع المحيطة به، اتجه المتظاهرون إلى باردو حيث لم يمنعهم الأمني المكثف حول محيط مجلس النواب الشعب من التجمع في نقطة قريبة منه، كما شهدت بقية المدن مثل سوسة ونابل والقيروان وصفاقس وتوزر وغيرها تجمعات أمام مقرات الولايات )المحافظات( في إطار حرص منظمو المظاهرة كما المشاركون فيها على أن تكون سلمية  لكن لم يستمر الأمر طويلا حيث تطور إلى مواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة.

رفض لكل المنظومة

تعكس أحداث الأحد 25 يوليو في تونس حالة الاحتقان الشعبي الكبير في البلاد ضد كل المنظومة الحاكمة وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية التي يحملها الكثير من التونسيين مسؤولية العبث الذي أضاع ما بني على مدى 64 عاما وما تحقق منذ إعلان النظام الجمهوري سنة 1957. وكان ذلك لافتا في اقتحام مقرات الجركة في مدن عديدة وحرق رايتها.

لم يستثن المتظاهرون بقية التركيبة حيث رددوا "فاسدة المنظومة.. معارضة وحكومة"، فما تعيشه البلاد وما كشفته الأزمة الصحية وطريقة التعاطي معها يتحمل مسؤوليته الجميع.

وسجلت تونس يوم السبت أعلى نسبة وفيات بالفايروس، 317 وفاة لأسباب لها علاقة بكوفيد-19، وهي زيادة يومية قياسية منذ بدء الجائحة، مما زاد من المخاوف إزاء قدرة البلاد على مكافحة الوباء حيث امتلأت وحدات العناية المركزة في المستشفيات عن آخرها وهناك نقص في إمدادات الأكسجين. وتسير حملة التطعيم ببطء.

وبينما كان المتظاهرون في الشارع يهتفون مطالبين بحل مجلس النواب، كان رئيس المجلس، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يحيي ذكرى عيد الجمهورية في أجواء تفتقر إلى مظاهر الاحتفال المعتادة.

وتوجه الغنوشي في خطابه بهذه المناسبة ضمنيّا إلى المتظاهرين حين قال "إن تونس تستحق أن تكون نخبتها أكثر تضامنا، وأن تكون مؤسساتها أكثر تساندا"، داعيا إلى "الابتعاد عن التجاذبات التي لا طائل منها، وإحياء عناصر الأمل".

"دعوات مشبوهة"

لم تتبن أي جهات سياسية أو حزبية أو منظمات المجتمع المدني هذا التّحرك الاحتجاجي الذي اجتمع على رفضه وللمرة الأولى حزب حركة النهضة وغريمه اللدود الحزب الحر الدستوري الذي سارع إلى نفي أي علاقة له مع خذه التحركات، كما حذّرت رئيس الحزب عبير موسي أنصارها من المشاركة في المظاهرات.

محتجون غاضبون في تونس يقتحمون مقرات حركة النهضة
محتجون غاضبون في تونس يقتحمون مقرات حركة النهضة

وفي تعليقه على هذا التحرك انتقد القيادي بحزب تحيا تونس محمد صافي الجلالي مثل هذه "الدعوات المشبوهة"، لافتا في تصريح مع ميدل ايست أولاين إلى أن "التونسيين ملوا من الخروج إلى الشارع، ولا يريدون تكرار تجربة القصبة 1 والقصبة 2".

وأضاف الجلالي "نجهل من يقف وراء هذه الدعوات للتحرك يوم 25 يوليو، إضافة إلى ذلك لا يوجد اليوم اتفاق على التغيير على عكس 2011.. لكن أتوقع أن يتحرك الشارع  التونسي مستقبلا وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها فعلا بإراداته من دون تحريض من مواقع التواصل أو أطراف مشبوهة".  

في المقابل، قال بدرالدين القمودي النائب عن الكتلة الديمقراطية، المكونة من 38 نائبا، والي أعلنت مؤخرا "الحرب على ديكتاتورية الغنوشي في البرلمان"، إن "تحرك 25 يوليو هو حلقة من حلقات المطالبة بالتغيير والاحتجاج التي شهدت تصاعدا لها في الآونة الأخيرة عبر المنابر الإعلامية عبر الشارع  وبعض النواب".

 وأشار في تصريح لميدل ايست أولاين إلى أن "المظاهرات والتحركات الأخيرة هي رد فعل طبيعي تعكس حالة احتقان اجتماعي نتيجة خيبة أمل الشعب في نتائج ثورة يناير التي لم يتحقق منها شيء إلى الآن غير الفقر والتهميش".

وأضاف القمودي "كل المؤشرات التنموية والاقتصادية في تراجع، القدرة الشرائية للمواطن باتت في وضع كارثي، الوضع الصحي كشف حقيقة المرفق العمومي الصحي وعجزه على مواجهة الوباء. الحكومات المتعاقبة رغم ما رفعته من شعارات كمحاربة الفساد إلا أنها انخرطت في هذا الفساد وعمقت الأزمة الاقتصادية. انتظارات الشباب خاصة ملفي التنمية والبطالة تراجعت بشكل كبير مقارنة بالمؤشرات المرتبطة بهذين الملفين".

وتساءل "بعد خيبة الأمل هذه لماذا نتفاجئ بردة الفعل التي شاهدناها في مختلف الولايات"، مضيفا "هي رد فعل طبيعية تعكس رفضا كليا للطبقة الحاكمة ومطالبة برحليها ومناشدة لتغيير سياسي عميق من شأنه أن يحقق ما يطمح له الشارع من حد أدنى من تنمية وحرية".

وفي ذات السياق ذهب المحلل السياسي فريد العليبي بقوله "إذا كان من غير الواضح حتى الآن من هي القوى المنظمة لهذه المظاهرات فإن الأهم من ذلك هو انخراط جموع من الناس فيها يوحدهم الإحساس بالغبن والغضب إزاء الأوضاع المعيشية والصحية المتردية وهذه المظاهرات سيكون لها تأثيرها على الحكومة الحالية بما يعجل برحيلها وستزيد أيضا من حدة التناقضات بين البرلمان ورئاسة الجمهورية".

وقال العليبي إن "المظاهرات تمثل رد فعل إزاء الفساد الذي عمّ تونس وكان له تأثيره اقتصاديا واجتماعيا وصحيا".

ويعكس حديث ميدل ايست أولاين مع أحد الشباب الذين شاركوا في الحركة الاحتجاجية، خيبة الأمل التي تحدث عنها القمودي والعليبي.

قال فخرالدين) 25 سنة (الذي انتقل سيرا على الأقدام من منزله القريب من القصبة إلى ساحة باردو، إنه لا يعرف من يقف وراء هذه الحركة ولا يهمه طالما أنها تعبر عن موقفه وموقف آلاف التونسيين "الذين أنهكتهم سياسات الحكومات المتعاقبة منذ 2011 وأفقرتهم وفي الأخير وضعتهم في مواجهة غير عادلة أمام الوباء اللعين".

يتفق التونسيون، من مؤدي الحراك ومعارضيه، على عدة نقاط منها ضرورة حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإسقاط حكومة هشام المشيشي وهو مطلب تصاعد إثر الأزمة بينه وبين وزير الصحة المقال على خلفية أيام المفتوحة للتلقيح خلال عطلة عيد الأضحى.

لفت فريد العليبي إلى أن "أن المظاهرات لم تحصل فقط في العاصمة وإنما في مدن مختلفة، والشعارات المرفوعة لم تكن مناهضة فقط لحكومة المشيشي وإنما للمنظومة الحاكمة بأكملها وهناك تركيز خاص على ضرورة حل البرلمان وتحميل حركة النهضة المسؤولية عما عرفته تونس خلال السنوات الأخيرة".

وفي رأي القمودي "تونس تعيش اليوم منعرج في الحياة السياسية. والتغيير آت لا محالة. الحكومة الحالية سقطت ولن تصمد طويلا والتغيير سيتحقق اليوم أو غدا".

رغم غياب الدعم الحزبي والنقابي ومساندة المجتمع المدني، كما القلق من الوضع الوبائي في البلاد وما يتردد عن خلفيات هذه الدعوات وارتباطها بالخارج إلا أن عدد المشاركين في الاحتجاجات في العاصمة وبقية المدن كان لافتا ومتابعة التعليقات على صفحة المجموعة التي تحول اسمها إلى "حركة 25 جويلية" وعدد المشاركين في الصفحة الفايسبوكية تعكس حالة الغضب وتنذر بخطورة الوضع في تونس وأن البلاد على فوهة بركان لن يكون من السهل لملة شظاياه إذا انفجر هذه المرة.