احتجاجان متضادان.. هل يحسم الشارع أزمة الحكم في السودان؟
الخرطوم - يخيم توتر شديد في أكثر من مدينة سودانية خاصة العاصمة الخرطوم وسط اعتصامات مؤيدة لحكم العسكر كانت انطلقت قبل أيام بشكل شديد التنظيم، ما يوحي بأن وراءها جهة نافذة، ومظاهرات مضادة انطلقت اليوم الخميس وشارك فيها آلاف من مؤيدي الحكم المدني.
والاحتكام للشارع بات جزء من معادلة حكم معقدة ليس في السودان بل في أكثر من دولة من ضمنها العراق. وبالنسبة للوضع السوداني يبدو الأمر شديد الحساسية فالمواجهة المعلنة التي واجهتها عشرات آلاف المتظاهرين من الجانبين هي بين مكونين أساسيين للسلطة الانتقالية.
وفي خضم التوترات الحالية برزت علامات استفهام حول مصير السودان وطبيعة الحكم الذي يفترض أن يكون في ختام مرحلة انتقالية وما إذا كان الشارع هو من سيحسم أزمة الحكم القائمة بين العسكر والمدنيين؟
وتأتي المظاهرات والمظاهرات المضادة في ظل أزمة حكم بين أطراف السلطة الانتقالية التي تشكلت في العام 2019 وفق اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين العسكر والمدنيين لقيادة المرحلة الانتقالية لمدة 39 شهرا تنتهي بتشكيل حكومة مدنية.
وذكرت مصادر أن آلاف من أنصار الحكم المدني في السودان نزلوا بعد ظهر الخميس وسط أجواء متوترة إلى شوارع الخرطوم حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون لـ"حكومة عسكرية" يقولون إنها وحدها قادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين.
وأطلقت قوات الشرطة السودانية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المتظاهرين أمام مقر البرلمان بمدينة أم درمان غربي الخرطوم.
كما تداول مغردون عبر منصات التواصل الاجتماعي، صورا ومقاطع مصورة، تظهر حالة من الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة، جراء إطلاق وابل من قنابل الغاز.
وحمل المتظاهرون في الخرطوم وأنحاء البلاد الأعلام الوطنية ولافتات كتب عليها عبارات تطالب بالحكم المدني، منها "يا سلطة مدنية.. يا ثورة أبدية" و"كل السلطة في يد الشعب"، مرددين ك هتافات منها "سلمية.. سلمية" و"ثوار أحرار.. حنكمل المشوار".
وخرج المتظاهرون بمدن الخرطوم وبحري وأم درمان وكسلا والقضارف وخشم القربة (شرق) والفاشر ونيالا والضعين والجنينة (غرب) وسنار وسنجة والدمازين (جنوب شرق) ومدني والمناقل (وسط) والأبيض والنهود (جنوب).
وانطلقت الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني وإنهاء الشراكة مع العسكر في السلطة الانتقالية، واستكمال الانتقال السلمي الديمقراطي ورفض دعوات تيار "الميثاق الوطني" والمكون العسكري في السلطة إلى حل الحكومة، وتشكيل أخرى.
وتقدم تظاهرات الخرطوم رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله حمدوك وعدد من الوزراء من أبرزهم وزيرا شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف والنقل ميرغني موسى.
وتأتي احتجاجات أنصار الحكم المدني تلبية لدعوة أطلقها "تجمع المهنيين السودانيين"، قائد الحراك الاحتجاجي السابق الذي أنهى 3 عقود من حكم نظام الرئيس عمر البشير.
وحدد 13 مطلبا لإنجاز مهام الثورة التي أطاحت في 11 أبريل/ نيسان 2019 بالرئيس عمر البشير (1989 ـ 2019).
واختار المحتجون يوما له رمزية كبيرة في السودان إذ يصادف ذكرى أول انتفاضة شعبية في السودان في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 التي أطاحت بحكم الجنرال إبراهيم عبود ومجلسه العسكري.
وتزداد مخاوف من حدوث صدامات بين الطرفين على الرغم من دعوات تهدئة أطلقها قادتهما والحكومة خلال الأيام الأخيرة.
ومنذ مساء الأربعاء، أعلنت وزارة التربية والتعليم أن الخميس يوم عطلة في جميع المدارس "حرصا على سلامة" التلاميذ والطلاب، فيما أغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها منذ الصباح.
وانتشرت الشرطة لحماية المباني الحكومية، فيما أغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط الخرطوم بوضع حواجز إسمنتية ونشر جنود يحملون بنادق كلاشنيكوف.
وسار مؤيدو الجيش من جهتهم على أحد الجسور في الخرطوم وهم يرفعون لافتات تحمل صور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مع إشارة X عليها، في إشارة إلى مطلبهم بحل حكومته.
وفي ساحة الاعتصام، حمل المحتجون الخميس أعلام السودان ورقصوا على أنغام موسيقى انبعثت من مكبرات صوت في المكان.
وقال حماد عبدالرحمن ذو السبعة وثلاثين عاما الذي يشارك في الاعتصام وقد ارتدى زيا سودانيا تقليديا هو عبارة عن جلباب أبيض مع عمامة على رأسه "الناس الذين سيتظاهرون حقّهم أن يعبروا، لكننا نؤمن بأننا في الموقف الصحيح".
ومنذ شهر، تتصاعد توترات بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، بسبب اتهام قيادات عسكرية للقوى السياسية بأنها تبحث عن مصالحها الشخصية فقط ومسؤولة عن الانقلابات بالبلاد، وذلك على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
وعقد الطرفان الأربعاء مؤتمرين صحافيين في وقت متزامن تقريبا. وقال أحد قادة المعتصمين مني مناوي "يوم 21 أكتوبر هو يوم للتسامح مع الجميع وليس للتحريض".
ويرأس مناوي حركة تحرير السودان وهو حاليا محافظ ولاية دارفور (غرب).
وقال وزير المال جبريل إبراهيم المطالب أيضا بحكم عسكري "نرفض بشكل حازم الاعتداءات أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف".
في المقابل، قال ممثل لجان المقاومة المنظمة للاحتجاجات المطالبة بحكم مدني علي عمّار "موكبنا لن يقترب من القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء حتى لا يحدث صدام مع المعتصمين. هذا ما يريده البعض، لكن ثورتنا بدأت سلمية ونريد لها أن تستمر سلمية".
وتشهد الخرطوم كذلك حراكا دبلوماسيا مكثفا، فقد وصلت الى العاصمة السودانية قبل يومين وزيرة الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد.
وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان خلال لقائه بها حرص القوات المسلحة والمكوّن المدني على "إنجاح الفترة الانتقالية وصولا إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني".
وشدد، وفق بيان صادر عن مكتب المجلس الإعلامي "الالتزام بالوثيقة الدستورية والحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني".
والتقى نائب المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي بيتون نوف عددا من المسؤولين تمهيدا لزيارة المبعوث جيفري فيلتمان إلى الخرطوم نهاية الأسبوع.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" عن نوف قوله الأربعاء إن واشنطن "كصديقة للانتقال إلى الحكم الديمقراطي المدني الكامل ستبذل جهدها للمساعدة في تجاوز الأزمة الراهنة وذلك بفعل كل ما بوسعها لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة".
ودعت سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم المتظاهرين إلى الحفاظ على الطابع "السلمي" للاحتجاج. وقالت في بيان "نشجّع المتظاهرين على السلمية ونذكّرهم بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان".