احزاب كردستان ومعضلة التحالفات المنفردة

تعددت مصادر القرار فضاع أهم ما بأيدي الأكراد من وحدة الصف في مرحلة مصيرية.

تناولنا قبل سنوات وفي مقالات عديدة ضرورة ان يتضمن قانون الاحزاب في كردستان بندا تمنع بموجبه الاحزاب الكردستانية من رسم علاقات وتحالفات على انفراد مع حكومات المنطقة او العالم والجهات الرسمية فيها، فهذه ليست مهمة الاحزاب بل مهمة الحكومة في كردستان. ودعونا الى ضرورة وضع عقوبات رادعة على اي حزب يتحرك خارج اطار الحكومة الرسمية في الاقليم لمنع تداعي الوضع الداخلي في كردستان.

ان ما يتعرض له الاقليم من مؤامرات خارجية ادت الى شرخ كبير في البيت الكردي مرده جميعا الى اتصالات حزبية مع دول الجوار، فما معنى ان تاتي وفود رسمية حكومية من تركيا وايران وحتى اميركا وبريطانيا، لتجتمع مع احزاب في كردستان سواء في اربيل او في السليمانية ولماذا لا تقتصر هذه الاجتماعات على الحكومة المركزية في كردستان.

ليس خافيا ان السبب الرئيس للاقتتال الداخلي في كردستان تسعينات القرن الماضي كان التاثيرات الاقليمية على الطرفين المتحاربين وهذا ما لمح اليه ساسة الاقليم في الكثير من المناسبات وتاكيدهم على انهم دفعوا لهذا القتال دفعا.

ولم يكن انشقاق نوشيروان مصطفى عن الاتحاد الوطني وتشكيله لحركة التغيير والمسلك الذي سلكته في توتير الوضع الداخلي الكردستاني بحجة محاربة الفساد، الا نتاج هذه الاتصالات المنفردة للاحزاب الكردستانية مع دول المنطقة، واوشكت هذه الحركة ان تطيح بكامل الوضع الكردستاني عندما حاولت استنساخ تجربة ثورات الربيع العربي في كردستان، ولولا حكمة حكومة كردستان في التعامل مع هذا المخطط لكان الوضع في كردستان لا يختلف عن الوضع في اليمن او ليبيا.

لم تقف التاثيرات السلبية لهذه الاتصالات المنفردة عند هذا الحد بل تعدتها الى تداعيات اخطر واشمل. فما حدث في 16 اكتوبر الماضي في كركوك، وتسليم المدينة للقوات العراقية، كان مرده الاتصالات المشبوهة هذه. ولم تقتصر هذه المرة على العلاقات بين حزب وحكومة بل تعدتها الى علاقة جناح في حزب مع حكومة اقليمية. وكان من نتائج هذا الحدث ان اضاع الكردستانيون فرصة سانحة للحصول على مكتسبات مصيرية في تاريخهم.

ومما لا شك فيه ان انشقاق برهم صالح عن الاتحاد كان بدفع من تلك القوى الاقليمية، كما كان رجوعه ايضا بدفع من تلك القوى، وتداخلت هذه القوى الاقليمية على خط العلاقة المباشرة بين الحزبين الكرديين في مشكلة مرشح رئاسة العراق ونجحت في توسيع الشرخ بينهما لتداعيات لا زلنا نعاني منها لغاية اليوم وستؤثر بالتاكيد على مسار تشكيل حكومة اقليم كردستان.

كانت بعض التوقعات سابقا تشير الى ان علاقات الحزبين الكرديين الرئيسين (الديمقراطي والاتحاد) مع الحكومات والجهات الرسمية خاصة في تركيا وايران تندرج تحت مبدأ توزيع الادوار بين الحزبين وبتنسيق عال المستوى بينهما لاستغلال التناقضات الاقليمية بين الدولتين لما يصب في صالح الاقليم. غير ان مسار الاحداث اثبت عدم وجود اي تنسيق بينهما، واثبت ان كل جهة كانت تحاول تحقيق مكاسب حزبية على حساب الجهة الاخرى، مما اسفر عن مردودات سلبية كبيرة على الوضع الداخلي لكردستان. فاذا كان الديمقراطي الكردستاني قد نجح في ان لا تؤثر علاقاته مع تركيا سلبا على الشأن الكردي داخل الاقليم وعلى اجزاء كردستان الاخرى، فان الاتحاد الوطني لم ينجح في تحييد التاثير الايراني السلبي على الوضع الداخلي الكردستاني، ودفع ثمن هذه العلاقات من وحدة الصف فيه وما يعانيه الان من تعدد مركز القرار فيه والتشتت الذي حصل بين قاداته ما هو الا نتاج علاقاته المنفردة مع دول الاقليم.

من الصعب ان ينجح اي حزب مهما علا شانه من الدخول في علاقة تحالف حتى وان كان تكتيكيا مع حكومة دون ان يدفع ثمن ذلك التحالف الا اذا كان تحت غطاء حكومي رسمي.

اذا ما ارادت احزاب كردستان ان يلملموا البيت الكردي ينبغي عليهم الحد من ذهاب كل طرف لعقد شراكات سياسية واتفاقات على انفراد مع حكومات الدول، وهذا لن يحصل الا بالاتفاق حول الاولويات الكردستانية وتعديل قانون الاحزاب لتتضمن جملة عقوبات رادعة على الاحزاب لمنعها من الاتصال بالحكومات وتعزيز علاقاتها معها واقتصار هذه العلاقات على حكومة اقليم كردستان ومؤسساتها.