اختناق مروري في مدار الأرض يهدد بكارثة!

خبراء ينبهون الى أن هناك حوالي 1000 تحذير يومياً من احتمالية وقوع اصطدامات وشيكة تصل إلى مشغلي الأقمار الصناعية.

واشنطن – ينبه الخبراء الى ان الكثير من الحطام يملأ مدار الأرض لدرجة أن تجنب الاصطدام أصبح اكثر فأكثر امرا صعبا.

بينما يزداد الازدحام في المدار، يصبح إيجاد حلول فعّالة أكثر إلحاحًا لتجنب كارثة محتملة تهدد العمليات الفضائية المستقبلية والبنية التحتية الأرضية المعتمدة على الفضاء.

قال الفيزيائي توماس بيرغر في مؤتمر صحفي خلال الاجتماع الخريفي للاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في واشنطن العاصمة مؤخرا: "نحن نتحدث عن الأقمار الصناعية الميتة، وأجسام الصواريخ، والأغطية الواقية، والمفكات، والقفازات، وأشياء أخرى تُركت في المدار".

إلى جانب تلك الأشياء الملموسة، هناك ملايين من أجزاء الحطام في المدار تسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة.

كل تلك الأشياء تتراكم وتزيد من خطر حدوث اصطدامات فضائية انفجارية، وهو أمر خطير بالنسبة لرواد الفضاء والأقمار الصناعية.

أصبح مدار الأرض مزدحماً للغاية الآن لدرجة أن هناك حوالي 1000 تحذير يومياً من احتمالية وقوع اصطدامات وشيكة تصل إلى مشغلي الأقمار الصناعية، وفقاً لبيرغر.

عندما انحرفت قطعة من الحطام الفضائي باتجاه محطة الفضاء الدولية في نوفمبر، استعدّ سبعة رواد فضاء على متنها لمواجهة الخطر. أشعلت مركبة فضائية روسية متصلة بالمحطة محركاتها لمدة خمس دقائق، مما أدى إلى تعديل طفيف في مسار المحطة وإبعاد المختبر الضخم بحجم ملعب كرة قدم عن الخطر.

 ووفقًا لوكالة ناسا، لو لم تغيّر المحطة مسارها، لمرت قطعة الحطام على بعد 4 كيلومترات فقط من مدارها، مما كان يمكن أن يسبب كارثة.

الاصطدام بالحطام قد يؤدي إلى خفض الضغط في أجزاء من المحطة، مما يدفع الرواد إلى العودة الطارئة إلى الأرض.

 ومع ذلك، فإن مثل هذه الحوادث ليست نادرة، إذ أجرت محطة الفضاء الدولية مناورات مشابهة عشرات المرات منذ تشغيلها في نوفمبر/تشرين الاول 2000. وتزداد مخاطر الاصطدام سنويًا مع زيادة عدد الأجسام المدارية حول الأرض.

قال آراز فايزي، المؤسس المشارك لشركة بيانات المدارات "Kayhan Space"، في رسالة إلكترونية لـ BI، إن بعض الأقمار الصناعية التابعة لعملاء الشركة تتلقى ما يصل إلى 800 تنبيه يومياً من القوات الفضائية الأميركية.

 وكتب شريكه المؤسس، سيا ماك هيسار، لاحقاً في مقال رأي بموقع "SpaceNews"، أن الشركة تتابع "أكثر من 60,000 تنبيه أسبوعياً لعدد يقارب 100 قمر صناعي".

معظم تلك التحذيرات تأتي من منطقة واحدة في مدار الأرض، على ارتفاع حوالي 550 كيلومتراً (340 ميلاً)، حيث توجد أقمار "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس".

قال بيرغر، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز تكنولوجيا الطقس الفضائي والأبحاث والتعليم بجامعة كولورادو بولدر: "أصبح من الصعب على مشغلي الأقمار الصناعية تحديد أي من هذه التحذيرات مهم وأيها يجب الانتباه إليه".

من الصعب على مشغلي الأقمار الصناعية تحديد أي من هذه التحذيرات مهم

بسبب عدم قدرة أجهزة التتبع على التنبؤ بدقة بمواقع الأجسام في الفضاء، تُطلق هذه التحذيرات عندما يُتوقع أن تمر الأجسام بالقرب من بعضها. لكن جزءاً صغيراً فقط من هذه التحذيرات ينتهي باصطدام.

عندما تصطدم الأجسام الفضائية، فإنها تقذف حطاماً عالي السرعة في اتجاهات متعددة، مما يخلق منطقة جديدة من الحطام الخطير في المدار.

مشكلة تتفاقم

منذ سنوات، حذّر خبراء حركة المرور الفضائي من الازدحام المتزايد في المدار، اذ ان الاصطدامات السابقة، والانفجارات، والاختبارات العسكرية أنتجت عشرات الآلاف من قطع الحطام القابلة للتتبع، وملايين أخرى غير قابلة للرصد بالتقنيات الحالية.

ويمثل هذا الحطام خطرًا كبيرًا ليس فقط على رواد الفضاء، بل أيضًا على الأقمار الصناعية والتقنيات الأرضية المرتبطة بها مثل نظام تحديد المواقع GPS والإنترنت عالي السرعة.

وأوضح الدكتور فيشنو ريدي أستاذ علوم الكواكب بجامعة أريزونا أن الزيادة الحادة في عدد الأجسام الفضائية خلال السنوات الأربع الماضية تقربنا من ظاهرة تُعرف بـ "متلازمة كسلر".

وتمت صياغة المصطلح من قبل الفيزيائي الأميركي دونالد كسلر في ورقة بحثية عام 1978، وهو يشير إلى سيناريو تصاعدي حيث يؤدي اصطدام واحد إلى سلسلة من الاصطدامات الأخرى، ما يخلق سحبًا متزايدة من الحطام المداري. قد يصل الأمر إلى درجة يصبح فيها المدار مزدحمًا للغاية، مما يجعل الأقمار الصناعية غير قابلة للاستخدام، ويوقف عمليات استكشاف الفضاء.

ومنذ بدء رحلات الفضاء عام 1957، شهدنا أكثر من 650 حادثة تتضمن انفجارات، اصطدامات، أو أحداث تفكك أدت إلى انتشار الحطام.

في عام 2009، اصطدمت أقمار صناعية أميركية وروسية، مما أدى إلى إنتاج 2000 قطعة حطام كبيرة وآلاف القطع الصغيرة.

في عام 2021، تسبب اختبار صاروخي روسي في إنتاج أكثر من 1500 قطعة حطام يمكن تتبعها.

الحلول المطروحة

يجري العمل على تقنيات لتنظيف الحطام، مثل نظام السحب الجوي "ADEO"، الذي يستخدم أشرعة لزيادة مقاومة الغلاف الجوي وسحب الأقمار الصناعية غير النشطة إلى الأرض لحرقها في الغلاف الجوي. لكن هذه الحلول ما زالت تجريبية ومكلفة للغاية.

كما تبنت الأمم المتحدة  في سبتمبر/ايلول 2023 "ميثاق المستقبل" الذي يتضمن نية لمناقشة إطار جديد لإدارة المرور الفضائي والحطام.

ودعا خبراء إلى سن قوانين وطنية صارمة وتقديم الولايات المتحدة نموذجًا قياديًا في هذا المجال.