ادارة الغضب

بين التهور والغضب خيط رفيع يصعب التمييز بينهما في ساعة الهيجان والانفعال.

التحكم بالافعال وردودها في موقف الغضب، فضيلة نفسية، لا يقدر عليها الا الحكماء، وهذا ما يسمى بعلم النفس الاكلينيكي «ادارة الغضب» الانفعالات النفسية هي افعال غير محسوبة.

ففي ساعات الغضب تظهر القدرة على استيعاب الموقف من عدمه، فما يصدر من قول او فعل غير محسوب قد يؤدي الى كوارث كبيرة، بالخصوص حينما تكون في موقع القيادة او المسؤولية.

وربما تبدأ المأساة بكلمة وتنتهي بجائحة او بتهديد ثم حرب وكم من بلد دمر جراء كلمة غضب او تلويح بسلاح.

لذا لم يكن السلاح يوماً ما حلاً للنزاعات بين الاخوة والشركاء، فالجميع خاسر في معركة تفقد مبرراتها المنطقية، فقبل ان تضع يدك على الزناد تذكر انكما كنتما في مترس واحد.

فالحوار يمكن ان يسع الجميع، لكن التشدد لا يحتمل الا طرف واحد.

فمن السهولة ان تطلق الرصاصة الاولى باتجاه من تختاره انت، ولكن من الصعب ان تتحكم ببقية الرصاص واتجاهاته.

فالغضب مهلكة العقلاء في ساعة شيطانية، فليس من الشجاعة ان تتباهى بالقوة، فالشجاع منْ يملك نفسه عند غضبه، وليس من الجرأة ان تطلق التهديدات.

الحكمة تقول: «أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه».

فالحكمة ضالة المؤمن كما يقال.

فكل ما يصنعه الانسان لتحسين جودة الحياة يأتي في ساعات السكينة والاسترخاء، وكل ما يدمر صفو الحياة هو صنيعة الغضب.

الغضب العنيف هو استجابة فطرية للامعقول فهو. يلهم المشاعر والسلوكيات العدوانية في كثير من الأحيان، ممّا يتيح لنا القتال والحرب واظهار مشاعر الكراهية.

وعلينا الاعتراف ان الغضب ليس شعورًا سلبيًا تمامًا، وجزء منه مناسب وضروري للردع والتوازن. لكن لا يمكننا بطبيعة الحال ان لا يخرجنا الى مساحات اللاعودة في الحوار ومد الجسور.

ففي كل المواقف هناك محددات والية لادارة الغضب.

وحينما يقال ان "ذنب العالِم كالعالم" يعني الزعيم والمسؤول والقيادي يجب ان لا يجره غضبه الى التهور.

فبين التهور والغضب خيط رفيع يصعب التمييز بينهما في ساعة الهيجان والانفعال.

الغضب ربما يكون مبرراً في حدوده الطبيعية، اما التهور هو الخروج عن الحالة الطبيعية والانسياق وراء المشاعر العاطفية.

صحيح ان جزءا من الغضب هو عاطفي، الا ان التحكم بالرد وفنونه هو من ينقل الغاضب من خانة العقل الفوضوي الى العقل المنظم، الذي يتجنب عواقب الامور.

وحينما تركن للعقل، لا يعني ذلك ابداً بانك جبان او متلدد، بل قمة الشجاعة ان تضع الامور في نصابها وانت منفعل. فمن الحكمة ادارة الغضب.

"وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ" القران الكريم.