ارتباك التاريخ وعزلة الجغرافيا

لعب البريطانيون دورا كبيرا في العالم. لكن ما مستقبل لندن عندما تكون وحدها في خصام مستمر مع الاتحاد الأوروبي.
هناك أحساس مختلف بالمكان والعلاقة مع الجغرافيا عندما يغير بريكست التاريخ

هناك حديث مستمر ومتصاعد عن المخاطر الاقتصادية لبريكست على بريطانيا، بينما يبقى غائبا الكلام عما يكنه الإنسان في بريطانيا لمحيطه وعلاقته بالعالم بعد بريكست.

ما الذي سيترتب علينا بعد أن تصبح بريطانيا جزيرة معزولة؟ كيف سندير علاقتنا بالعالم؟ بريطانيا جزء من أوروبا وفق قدر الجغرافيا، اللغة الإنكليزية ليست سببا كافيا كي تجعل المملكة المتحدة والولايات المتحدة توأما هجينا.

علينا أن نتحدث عن ملايين المغتربين في بريطانيا عربا وآسيويين وعلاقتهم بأوطانهم، هل ستبقى مشاعرهم بالمكان والمحيط قائمة كما هي بعد بريكست؟

خذ علاقة البريطانيين بأقرب الناس إليهم، لا يفصلهم سوى القنال الإنكليزي في دوفر، ستعاد حتما الضغينة التاريخية المتوترة مع الفرنسيين، وبوريس جونسون سيكون دافعا مرجحا بامتياز لتصاعدها كما تعبر عن ذلك سمات شخصيته، لقد وصف جونسون الفرنسيين بأنهم “خسيسون” ضمن فيلم وثائقي جديد أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” وتم قطع هذا الجزء لاحقا.

يبدو لي هناك أحساس مختلف بالمكان والعلاقة مع الجغرافيا عندما يغير بريكست التاريخ، المشاعر البريطانية لن تبقى كما عهدها الآخرون لأنهم سينظرون إلى عزلتهم بندم فظيع على الهوة السحيقة التي أوجدها بوريس ومجموعته الطائشة وأوقع البريطانيين فيها.

دعك من الاقتصاديين والحي المالي في وسط لندن والكلام عن البنوك التي ستقفل والمصانع التي ستغلق بواباتها والبطالة التي ستتفشى، والنزوع الكبير إلى بيع العملة، دعك من كل ذلك مع أنه الأهم والأكثر مدعاة للمخاوف، هناك ما هو محسوس ومنظور في الشارع البريطاني، فثمة ازدهار هائل يتمثل في الأسواق والمنتجات والخضروات والبضائع المتوفرة في بريطانيا، لا يمكن أن يغيب عنها أي من الفواكه والخضروات النادرة والبضائع المعلبة في تجارة ذكية استثمرت التنوع الهائل في بريطانيا ووفرت ما لا يخطر على البال، ماذا بشأن كل تلك البضائع، هل ستبقى متاحة مع قانون ضرائب جديد وتجارة بقانون مختلف، فجونسون يفكر بالخروج من دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي؟

لعب البريطانيون دورا كبيرا في العالم. لكن ما مستقبل إنكلترا عندما تكون وحدها في خصام مستمر مع الاتحاد الأوروبي؟ أحد الخيارات -وفق مارتن وولف الكاتب في صحيفة فايننشيال تايمز- أنها ستتبع أميركا دونالد ترمب الأحادية الغارقة في الأنا، التي تعد أحد أعداء الاتحاد الأوروبي.

ويبحث وولف عن المبرر الذي يمكن استخدامه من أجل إبقاء المملكة المتحدة عضوا دائما في مجلس الأمن للأمم؟ لكنه لا يجد غير ما يحدث الآن لا يليق ببلد جاد. ويقول “خلاصة الأمر أن المملكة المتحدة لم تعد بلدا من هذا القبيل”.