اردوغان يُحاكي النموذج الإيراني؟!

تفتقر تركيا اليوم إلى معارضة حقيقية وتعدد سياسي.

تعيش تركيا على وقع أحداث واضطرابات منذ أيام بعد اعتقال رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام اوغلو المنافس السياسي البارز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتهم فساد.

وعلى ما يبدو أن اردوغان يسعى لمحاكاة النموذج الايراني بتحويل تركيا الى دولة يتم فيها التحكم في الانتخابات بشكل محكم، وتقتصر على واجهة ديمقراطية بدون ظروف حملات حرة ونزيهة. وكأنه يؤسس لنسخة تركية من "مجلس صيانة الدستور" الإيراني الذي يدقق في جميع المرشحين للانتخابات ويستبعد من يشكلون تهديداً لنظامه الإسلامي، فقبل اعتقال اكرم امام اوغلو اعتقل اردوغان الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش، الذي يقبع في السجن منذ عام 2016 وحتى الآن، في خطوات تؤكد أننا أمام مجلس صيانة للدستور بنسخته التركية.

اردوغان وخلال سنوات جعل من نفسه الحاكم الأوحد وبسلطة غير محدودة وبتحدي واضح لمن يجرؤ على الترشح أمامه في الانتخابات، معتمداً على نشر ايديولجيته السياسية الاسلامية العابرة للحدود بكل الوسائل المتاحة لتحقيق طموحاته.

وعلى مدى أكثر من عقد، استغل أردوغان النظام القضائي الجنائي، حيث قام بتعيين قضاة ومدعين موالين بينما استمال شخصيات معارضة من خلال الرشوة، والابتزاز، والترهيب. هدفه هو ضمان أن أي مرشح يصل إلى الانتخابات يكون قد تم تجهيزه مسبقاً للفشل. هذه الاستراتيجية للتقسيم والهيمنة داخل المعارضة قد تصبح مؤسسية قريباً — تمامًا مثل مجلس صيانة الدستور في إيران — إذا نجح أردوغان في صياغة دستور جديد ليحل محل الدستور الحالي. هدفه النهائي هو تفكيك الديمقراطية البرلمانية التركية المعطلة بالفعل وتوطيد حكمه الاستبدادي. أما الهدف النهائي له فهو إنشاء دستور يعكس أيديولوجيته السياسية الإسلامية، وفرض نظام حكم صارم وغير خاضع للمراقبة على 85 مليون مواطن تركي.

وبلا شك فإن أكرم إمام أوغلو هو التحدي الأكبر لأردوغان، حيث فاز ثلاث مرات في انتخابات عمدة إسطنبول ضد مرشح أردوغان، بما في ذلك إعادة الانتخابات في حزيران/يونيو 2019 بعد أن ألغت اللجنة الانتخابية التي تسيطر عليها الحكومة نتائج آذار/مارس 2019 بشكل مثير للجدل. والآن قد يصبح المنافس الرئيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أيار/مايو 2028، أو ربما قبل ذلك إذا تم الدعوة لانتخابات مبكرة.

الاتهامات الموجهة لإمام اوغلو ومن معه تبدو مقنعة استناداً للأدلة المقدمة حتى الآن، إلا أن هذا لا يبرر الاعتقال الكامل، خاصة في مرحلة التحقيق. من الواضح أن العملية برمتها مدفوعة بالتحفيز السياسي. لأن النتيجة المرجوة من الاعتقال هو إدانة إمام اوغلو واستبعاده من الترشح، ما قد يضطر المعارضة إلى تقديم مرشح أقل شعبية. فتصبح خيوط المشهد السياسي التركي كلها في يد اردوغان.

على الصعيد الإعلامي تخضع وسائل الإعلام الجماهيرية في تركيا لسيطرة الحكومة بشكل شبه كامل، بعد إغلاق مئات المنافذ الإعلامية وسجن أو نفي العديد من الصحفيين قسراً منذ عام 2015. ما مكّن الحكومة من تشكيل الخطاب الوطني والأجندة العامة قبل الحملات الانتخابية وأثناءها وبعدها. إذ يمكن تشويه سمعة أي مرشح معارض بسهولة أمام الرأي العام من خلال وابل متواصل من الأكاذيب والتلاعب وأنصاف الحقائق. علاوة على ذلك، أضعفت حملة أردوغان القمعية على رجال الأعمال المتحالفين مع جماعات المعارضة - مثل حركة غولن، قدرة المعارضة على تمويل الحملات الانتخابية بشكل كبير. وقد بعث الاستيلاء غير القانوني على أصول تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وسجن رجال الأعمال الذين رفضوا تأييد حكم أردوغان برسالة مخيفة إلى مجتمع الأعمال التركي.

وفي حين أن أردوغان فكك الديمقراطية البرلمانية بشكل منهجي، إلا أن الإرث الكئيب لحزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، قد ساعده على ذلك. لعقود، فقد قاد حزب الشعب الجمهوري سياسات استبدادية أدت إلى نفور الشعب التركي، وفرض علمانية متشددة وإجراءات قمعية، بما في ذلك الرقابة، وتجريم المعارضة، وحرمان النساء المحافظات من التعليم. واستغل أردوغان بمهارة استياء الرأي العام من حزب الشعب الجمهوري، فأبقى عليه معارضة ضعيفة وغير فعالة. ورغم محاولات حزب الشعب الجمهوري الأخيرة للنأي بنفسه عن أفعاله السابقة وتقديم اعتذاراته، إلا أنه لم يقنع الناخبين الأتراك الرئيسيين بالتزامه بالمبادئ الديمقراطية. ولا تزال فجوة مصداقية حزب الشعب الجمهوري لدى الناخبين قائمة حتى يومنا هذا.

نتيجةً لكل هذه العوامل، تفتقر تركيا اليوم إلى معارضة حقيقية وتعدد سياسي. فيُسمح فقط للمرشحين الذين يوافق عليهم النظام بلعب دور المعارضة، طالما أنهم لا يشكلون تهديداً خطيراً لحكم أردوغان، فإنهم يتبنون رواية النظام ويلتزمون بالخطوط الحمراء الصارمة المرسومة حولهم.