استفاقة أممية متأخرة على تدخل أجنبي غير مسبوق في ليبيا

الأمين العام للأمم المتحدة يصف الحشد العسكري حول مدينة سرت بـ"المخيف" ويندد بالمستوى المرتفع للتدخل الخارجي المباشر في ليبيا لما يشكله من انتهاك واضح لحظر الأسلحة الذين تفرضه الأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن.
غوتيريش يعبر عن"قلقه" إزاء الحشد العسكري قرب سرت
رفض مصر وفرنسا وروسيا الحل العسكري يبقي تركيا في حالة شلل
انحياز بعثة الأمم المتحدة في ليبيا يبقيها عاجزة عن القيام بمهامها

طرابلس - نددت الأمم المتحدة بـ"تدخل خارجي بلغ مستويات غير مسبوقة" في ليبيا، مع "تسليم معدات متطورة وعدد المرتزقة المشاركين في المعارك"، وذلك بعد أشهر من تحذيرات متكررة من الجيش الوطني الليبي وبرلمان شرق البلاد بالإضافة لعدة دول غربية وعربية من التدخل السافر الذي تنفذه تركيا على الأراضي الليبية سواء عبر المرتزقة السوريين أو السلاح الذي ترسله إلى الميليشيات في طرابلس.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء خلال مؤتمر وزاري لمجلس الأمن عبر الفيديو عن "قلقه" إزاء حشد قوات عسكرية في محيط مدينة سرت الاستراتيجية الواقعة بين طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق).

وأشار غوتيريش إلى أن حكومة الوفاق الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس "تواصل بدعم خارجي كبير، تقدّمها نحو الشرق وهي حاليا على مسافة 25 كلم من سرت".

وأوضح أن قوات حكومة الوفاق قامت في السابق بمحاولتين للسيطرة على سرت.

وتواجه حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة بالسلاح والمرتزقة السوريين والمستشارين العسكريين الأتراك قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.

ومنذ شهر يناير الماضي تمادى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تدخلاته المباشرة في ليبيا دعما لحكومة فائز السراج في طرابلس حتى أصبحت أنقرة هي من تقرر الآن كل كبيرة وصغيرة هناك حتى أنها دفعت الحكومة الوفاق لرفض أكثر مرة دعوات وقف إطلاق النار من القوى الغربية والعربية.

وقال غوتيريش "نحن قلقون للغاية إزاء الحشد العسكري المخيف حول المدينة (سرت) والمستوى المرتفع للتدخل الخارجي المباشر في النزاع والذي يشكل انتهاكا لحظر الأسلحة الذين تفرضه الأمم المتحدة، ولقرارات مجلس الأمن ولتعهدات الدول المشاركة في (مؤتمر) برلين" الذي أجري في كانون الثاني/يناير.

وأشار الأمين العام إلى إمكان إقامة "منطقة منزوعة السلاح" تتولى مراقبتها بعثة الأمم المتحدة الموجودة في ليبيا دون الخوض في التفاصيل.

ووصل تعنت أردوغان إلى طلب مواصلة الحرب ضد الجيش الليبي حتى السيطرة على مدينة سرت الغنية بالنفط وهو ما رفضه الجيش الليبي الذي ساندته في ذلك كل من مصر وروسيا وفرنسا رافضين التدخل الخارجي في ليبيا.

وحذرت مصر من التدخل التركي في ليبيا معتبرة أن أي تقدم نحو سرت سيضطر الجيش المصري للتدخل عسكريا في ليبيا.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسيفي 21 يونيو الماضي إن "سرت والجفرة خط أحمر"، مؤكدا أن "ليبيا لن يدافع عنها إلا أهلها، وسنساعدهم في ذلك"، داعيا إلى الحفاظ على الوضع القائم حاليا في ليبيا دون تغييره، والبدء فورا في مفاوضات سياسية لإنهاء الأزمة.  

ي
تنديد فرنسا باتهاكات تركيا في ليبيا وصل حد انسحاب قواتها من عملية مراقبة حظر الأسحلة التابعة للناتو

واعتبر الرئيس المصري أن أي تدخل مصري مباشر في ليبيا بات شرعيا، مؤكدا أن "جاهزية القوات المصرية للقتال صارت أمرا ضروريا". وشدد على أن "مصر حريصة على التوصل إلى تسوية شاملة في ليبيا"، كما أنها حريصة "على سيادة ووحدة الأراضي الليبية".

من جهته حمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا ما وصفها بـ"مسؤولية تاريخية وجنائية" في الصراع الليبي كدولة "تدعي أنها عضو في الناتو" في اعقاب منع قوات تركية عملية أمنية أوروبية في المتوسط تابعة للناتو لمراقبة حظر الاسلحة من تفتيش سفينة تركية محملة بالأسلحة متجهة إلى ليبيا.

وتصاعد التوتر بين أنقرة وباريس ما اضطر وزارة الجيوش الفرنسية مطلع الشهر الجاري اعلان انسحابها المؤقت من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.

كما برزت خلافات أخرى بين تركيا وروسيا أيضا بعد أن كانت أنقرة تعول على استنساخ تعاونها مع موسكو كما في الحرب السورية لاقتسام النفوذ، لكن تمادي أردوغان في أطماعه وفي الانقضاض على ثروات ليبيا أدى إلى بروز توتر بين البلدين.

وقال تقرير موصوف بأنه سري للغاية، أصدره مراقبو العقوبات المستقلون لشهر مايو موجهين إياه للجنة العقوبات الليبية التابعة لمجلس الأمن، إن لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة ما يصل إلى 1200 شخص منتشرين في ليبيا، لمساندة قوات الجيش الليبي، وهي الخطة التي قد تكون قد عززتها موسكو لكبح جماح أنقرة التي واصلت استقدام لآلاف المقاتلين السوريين للقتال إلى جانب ميليشيات الوفاق.

وتحشد الأطراف المتحاربة في الوقت الراهن قواتها على الخطوط الأمامية الجديدة بين مدينتي مصراتة وسرت. 

وتوجه اتهامات لبعثة الامم المتحدة والقوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة بالتهاون مع التدخل التركي في ليبيا وعدم اجابر أردوغان على التوقف عن إرسال الاسلحة ما اجج الصراع اكثر في البلد العربي الذي يطل على المتوسط حي الحدود الجنوبية لأوروبا.

وسبق وأن اتهم ليبيون بعثة الأمم المتحدة في بلادهم بالانحياز والرضوخ لحكومة الوفاق ما أربك أهدافها الداعية لإحلال الأمن وانهاء النزاع بين أطراف الصراع الليبي، حيث اغمضت البعثة اعينها عن انتهاكات جسيمة لميليشيات طرابلس ضد المدنيين ترتقي لجرائم حرب.

ويؤكد فشل الأمم المتحدة في تعيين مبعوث أممي جديد حتى الآن كبديل لغسان سلامة الذي استقال من منصبه في مارس الماضي، عجرها في الحياد بشأن الملف الليبي ورضوخها لحسابات القوى الدولية الفاعلة في المنظمة الأممية، حيث غلبت المصالح السياسية على هدف حفظ الأمن والسلام.