اسرائيل وحماس.. استنساخ التجارب

قريبا سيعود المطبلون للحرب في الطرفين إلى انشغالاتهم وينسون معاناة الغزيين.

يتجه التصعيد بين دولة الاحتلال وحركة المقاومة الاسلامية "حماس" الى دخول أسبوعه الأول في ظل فشل الأطراف الدولية الفاعلة في التوصل الى وقف الأعمال القتالية بين الجانبين. والواضح أن حكومة نتنياهو مستمرة في التصعيد وفي غاراتها العسكرية على قطاع غزة بعد تلقيها الضوء الأخضر من الادارة الأميركية للمضي قدما في معاقبة حماس، الشيء الذي لا يحصل دون معاقبة سكان غزة طبعا.

وفيما تشير التقارير الاخبارية الى وجود حشد عسكري اسرائيلي بالقرب من حدود غزة استعدادا لتنفيذ عملية برية داخل قطاع غزة، يستبعد المحللون والخبراء الأمنيون في دولة الاحتلال مضي الجيش في اجتياح بري يطيح بحركة حماس ويعيد القطاع للسيطرة الاسرائيلية لما له من تكلفة ستزيد من خسائر اسرائيل المادية والبشرية في هذه الحرب. ولكن من المرجح أن تكتفي اسرائيل باحتياج جزئي الغرض منه تأمين منطقة عازلة أوسع تنهي أي محاولة لتسلل جديد في المستقبل وتعيد الثقة لسكان مستوطنات غلاف غزة.

لا يبدو صانعو القرار في دولة الاحتلال متحمسين لفكرة انهاء حكم حماس عسكريا ليس من منظور تكلفتها المادية واللوجستية وانما لما لها من تبعات ستزيد الضغط على المنظومة الأمنية الاسرائيلية خاصة وان ايران لن تقف مكتوفة الايدي وستعمل على توسيع ساحة المعركة في الشمال مع جنوب لبنان وجنوب سوريا، فضلا عن ان العودة الى القطاع ستؤكد وجود نوايا اجهاض حل الدولتين، الأمر الذي يعني قلب التضامن الغربي مع اسرائيل في صالح الفلسطينيين، فضلا عن اجهاض خطوات التقارب مع السعوديين الذين شددوا على أن أي خطوة تقارب مع اسرائيل لا ينبغي لها أن تكون على حساب الفلسطينيين، ولأن الاجتياح وسقوط حماس سيترتب عنه ضرورة تسليم القطاع الى سلطة رام الله فهذا يعني انهاء الانقسام الفلسطيني الذي خدم الاسرائيليين طويلا.

اسرائيل فشلت في كبح جماح حماس في مهاجمتها رغم الحصار الطويل الذي فرضته ضدها ومع أنها توصلت بعد كل تصعيد الى شراء هدنة مؤقتة باستخدام مقاربة الاقتصاد مقابل الأمن الا أن ذلك لا يعني سوى تأجيل المواجهة والحرب لبعض من الوقت. في الجهة المقابلة فشلت حماس ايضا بمعية حلفائها في تغيير معادلة الصراع وفك الحصار وردع الاحتلال. ومع ذلك يستثمر الطرفان في استنساخ نفس التجارب ويتوقعان حصول نتائج مغايرة. هو فشل سيستمر بالوقوع وفي حصد الأرواح من الطرفين في ظل غياب سلام حقيقي في المنطقة.

لا يضع الغزيون لتضحياتهم ثمنا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن أرضهم ومقدساتهم وهم على استعداد دائم لتقديم المزيد. لكن هذا لا يعني الزج بهم في حرب غير متكافئة وبهجوم تتخذ منه اسرائيل لنفسها حالة دفاعية تسمح لها بتحويل غزة الى ساحة قتال ومن دون أن تأبه للقوانين والاعراف الدولية. ومع أن حماس قد جربت ذلك سابقا، الا أنها اختارت الهجوم دون أن تأبه الى عواقبه وجعلت سكان القطاع يواجهون مصيرهم المحتوم.

قد يكون تضامن الغزيين مع حماس شعورا يفرضه احساس التعرض لعدوان وموقفا اخلاقيا يستدعي الوقوف مع المقاومة ضد الاحتلال. لكن وبعد أن تضع الحرب أوزارها سيجد الجميع أنفسهم مقبلين على تحمل فاتورة مواجهة زادت الطين بلة واغرقت القطاع في متاعب اقتصادية جمة. وكما خرج العشرات من الغزيين أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في الشهر الماضي مطالبين الأونروا بالوفاء بالتزاماتها إزاء متضرري حرب 2014، سيضاف الى القائمة متضررون جدد من حرب 2023، وسيختفي الداعمون لحرب حماس من منصات التواصل الاجتماعي وينصرفون بين التغريد والتعليق عن حرب أوكرانيا وانقلابات افريقيا وفضائح الفنانين ومباريات كرة القدم في أوروبا.

وبالمثل، فكما طبل الاسرائيليون لجيشهم وحثه البعض على الثأر من حماس، سيعود الآلاف منهم الى الشوارع لاستكمال ثورتهم ضد خطة اضعاف القضاء وستعود المعارضة للهجوم على نتنياهو وسيحصل المتضررون على تعويضات وعائلات الجنود القتلى على أوسمة وستنظر عائلات الأسرى المدنيين صفقة تبادل تعيد لهم ابنائهم من غزة.

قد تنجح الأطراف الدولية بعد أيام في التوصل الى هدنة انسانية يليها وقف اطلاق نار لكن ذلك لا يعني انهاء معاناة الغزيين ولا مخاوف الاسرائيليين الأمنية. سيكون ذلك كحقنة مخدرة يزول مفعولها ببدء جولة جديدة من جولات الصراع والذي لن ينتهي بوجود نفس الأسباب والمسببات. ويبقى الخاسر الأكبر في كل ما يحدث هو الانسان بغض النظر عن الانتماء، وكأن قدر الأبرياء هو تحمل مسؤولية الفشل الأممي والاكتواء بنيران صراع لا يجد حلا يرضي الطرفين.

تحديات ثقيلة في انتظار سكان غزة بدءا من أعباء اعادة الاعمار الذي لم يكتمل قبل أن تأتي هذه الحرب لتضيف له المزيد من الأعباء، وآمال كبيرة معلقة على دعم عربي قد ينسيهم مرارة مخلفات الحرب وقساوة العيش في وضع اقتصادي سيزيده الاغلاق الاسرائيلي والحصار بؤسا على شدة، يضاف له تضرر المزيد من البنية التحتية الهشة بالأساس وانهيار المنظومة الصحية وعجزها عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الطبية. لكن التحدي الأكبر يكمن في اخراج غزة من أتون الحروب المتواصلة والتي لن تسمح لها أبدا بأن تكون بيئة قابلة للعيش في أمان وكرامة.