اضطراب قناة السويس يلقي بظلال قاتمة على مصر وأوروبا

نحو 15 بالمئة من حركة الشحن العالمية تمر عبر قناة السويس ومن شأن توجيه السفن حول أفريقيا أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والضغط على النمو الاقتصادي.

القاهرة  - يلقي تعطل الشحن عبر قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين بظلال قاتمة على الاقتصاد المصري المتعثر، فيما ينتظر أن يؤدي أيضا إلى ارتفاع الأسعار والضغط على النمو الاقتصادي، خاصة في أوروبا، التي تعاني بالفعل من مزيج من ارتفاع التضخم والانكماش الاقتصادي.

وتعد إيرادات الرسوم التي يدفعها أصحاب السفن مصدرا مهما للدخل بالنسبة للاقتصاد المصري، وبلغت مستوى قياسيا عند 9.4 مليار دولار في غضون عام حتى 30 يونيو/حزيران.

ومن شأن تعليق الشركات العالمية لعملية الشحن عبر قناة السويس أن تحرم مصر من إيرادات مالية هامة، ما ينذر بتفاقم أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تشمل نقصا حادا في العملة وارتفاعا في معدل التضخم وتراجعا في قيمة الجنيه وارتفاع الدين العام للدولة، ما أدى إلى غلاء مشط في الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية.

ويمكن للقناة استيعاب أكثر من 60 بالمئة من إجمالي الأسطول العالمي للناقلات عند تحميلها بالكامل، وأكثر من 90 بالمئة من ناقلات البضائع السائبة. ويمكنها أيضا استيعاب جميع ناقلات الحاويات وناقلات السيارات وسفن الشحن العامة.

وبإمكان السفينة التي تحمل الخام السعودي من الخليج أن تصل إلى روتردام، على سبيل المثال، على مسافة تبلغ 6436 ميلا بحريا إذا عبرت القناة. ويؤدي المسار حول أفريقيا إلى زيادة المسافة إلى 11169 ميلا بحريا، مما يزيد الوقت والتكلفة على مالك السفينة.

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول، قالت هيئة قناة السويس إنه منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني غيرت 55 سفينة مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بينما مرت 2128 سفينة عبر القناة في الفترة نفسها.

ويمر نحو 15 بالمئة من حركة الشحن العالمية، بما في ذلك حوالي 30 بالمئة من تجارة الحاويات العالمية عبر قناة السويس ومن شأن توجيه السفن حول أفريقيا زيادة مدة رحلتي الذهاب والإياب بحوالي أسبوعين ونصف الأسبوع، مما يقلل من قدرة الشحن ويؤدي إلى ارتفاع التكاليف.

وحسب تقديرات بنك يو.بي.إس، فإن "المدة الأطول للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح تقلل من القدرة الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بنسبة 25 بالمئة".

وبالنظر إلى أن مثل هذه الرحلة يمكن أن تستغرق أكثر من عشرة أسابيع، فإن أي تعطل لفترة قصيرة سيكون له تأثير طويل الأجل قد يستمر عدة أشهر. ومع ذلك، يعتبر موسم العطلات هذا العام آمنا إذ وصلت معظم السلع اللازمة لموسم عيد الميلاد.

وعندما عطلت سفينة حاويات حركة الشحن في قناة السويس لستة أيام في عام 2021، قدر خبراء الاقتصاد أن تجارة يومية تصل قيمتها إلى عشرة مليارات دولار قد توقفت.

ويمكن أن تصل مطالبات التأمين من هذا الحادث في النهاية إلى ما يصل إلى ملياري دولار، وفقا لتقديرات شركة سكور لإعادة التأمين.

ويمكن أن تأتي التكاليف على قنوات متعددة. وسيكون التأثير الأسرع من خلال أسعار الطاقة لكن الأسواق هادئة حتى الآن. وارتفعت أسعار النفط إلى حد ما ولكن ليس بأكثر من واحد بالمئة مقارنة بالأسبوع الماضي. ومع ذلك، انخفضت أسعار الغاز مما يشير إلى عدم وجود قلق كبير بشأن حدوث تأخير في حركة الغاز الطبيعي المسال.

وقال جان هوفمان رئيس فرع لوجستيات التجارة في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) "إنها أخبار سيئة لأنها تصل إلينا في وقت نعاني فيه بالفعل من بعض الاتجاهات الأخرى التي لها تأثير سلبي على تكاليف الشحن"، مضيفا أن أسعار شحن الحاويات أصبحت الآن عند أعلى مستوياتها خلال العام.

وتابع "لا تزال أحدث أسعار شحن الحاويات منخفضة مقارنة بأزمة سلاسل التوريد خلال جائحة كوفيد. لكنها أعلى الآن مما كانت عليه مقارنة بأي وقت آخر في عام 2023".

وتتعلق التكلفة الأكثر تعقيدا بتأخير الشحنات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين لأن البضائع قد تستغرق وقتا أطول للوصول إلى المستهلكين.

وقال كارستن برزيسكي الاقتصادي في آي.إن.جي "قد نشهد عودة المشكلات في سلاسل التوريد وارتفاع التضخم وتباطؤ النمو. ولحسن الحظ، ليس بالحجم نفسه الذي كان عليه في أثناء الجائحة ولكن سيكون له تأثير ملموس"، موضحا أنه "إذا استمر الوضع لفترة أطول، فسنشهد ارتفاع التضخم مرة أخرى".

وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية، التي تضع في اعتبارها المخاطر المحتملة على اقتصادها المعتمد بشدة على التجارة، اليوم الثلاثاء إنها تراقب الأحداث في البحر الأحمر عن كثب.

ومع ذلك، يرى الاقتصاديون أن الاضطرابات التي حدثت في الأيام القليلة الماضية ليست كافية حتى الآن للتأثير على النمو أو التضخم.

وقال جاي ميلر كبير خبراء استراتيجية السوق في مجموعة زوريخ للتأمين "شهدنا تحسينات هائلة في سلاسل التوريد منذ كوفيد. لا يوجد نقص في المنتجات حاليا وتمت إعادة ملء المخزونات" وأضاف "من منظور الصورة الأكبر، لا أرى أي تأثير مادي سواء على النمو أو التضخم في هذه المرحلة".

وأدت مجموعة من العقبات في المعروض عالميا والناجمة عن الاضطراب الاقتصادي الناتج عن كوفيد - 19 وتأثير تدابير التعافي بعد الجائحة إلى دفع التضخم إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ السبعينيات، وهو ما دفع البنوك المركزية إلى الاستجابة عبر تشديد نقدي لم يسبق له مثيل.

لكن صناع السياسات لا يستجيبون إلا للاتجاهات الأطول أجلا، لذا فمن غير المرجح أن يتحركوا إلا إذا رأوا تأثيرا مستمرا يمكن أن يغير مسار التضخم بعد سنوات.

ومع ذلك، فإن معظم البنوك المركزية الكبرى تتطلع الآن إلى إبقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة الحالية لبعض الوقت وأي اضطراب يمكن أن يرتفع معه التضخم عالميا قد يزيد الحذر حيال التيسير السريع للسياسة النقدية.