افتتاح نيوليبرالي

حفل افتتاح أولمبياد باريس كان تبشيريا بامتياز وتجاوز كل الخطوط الحمراء.

حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012 تضمن فقرة استعراضية عن ملاك الموت الذي يجول في الأرض وأسرّة المشافي البيضاء والممرضات واللقاح، لم يتوقف أحد حينها عند ذلك، وحتى لم يتذكروها أو يذكروها عندما هاجم وباء كوفيد 19 العالم. كانت رسالة غير بريئة ومضت.

ولكن في اولمبياد باريس 2024 تجاوز حفل الافتتاح ما هو رمزي الى ما هو فاقع وفج، وكأنه يبشر بعصر ما بعد الحقيقة، وكأن باريس تعلن بيانها الجديد للمستقبل، ما يمكن أن نسميه "مانفيستو باريس".

حفل الافتتاح كان تبشيرياً بامتياز، تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأعلن عن ما هو قادم، وعن تفاصيل السنوات القادمةـ من نبذ للأديان والوعد بالموت القادم على حصانٍ شاحب، وتكريس المثلية، والبيدوفيليا، والجندرية، ومحاكاة العشاء الاخير للسيد المسيح وتلاميذه بفوضى مشهدية تحوي كل ما هو مختلف وفج، وتكريس الإله القادم، وترميزه بالإله الاغريقي ديونيسوس إله الخمر والمجون والشهوة والنزوة. كان سكيّراً عربيداً وكانت عبادته مصحوبةً بنوع من الرقص الماجن الخليع.

"بيان باريس" كان هجومياً لم يترك لحظة من لحظات حفل الافتتاح إلا ومرّر فيها رسالة لما هو آتٍ، وتجلت الليبرالية الجديدة بصورة استعلائية متجاوزة كل الخطوط التي كانت لا تزال موجودة وإن كانت واهية وواهنة في أوروبا، وظهرت فرنسا كأنها تريد الألعاب الأولمبية ساحة جديدة في صراع سياسي تعيشه فرنسا من فترة ما بين اليسار واليمين المتطرف، لذا كانت باريس 24 تعتذر للكنيسة الكاثوليكية عن فقرة العشاء الاخير فقط، بينما لم توضح او تتحدث عن باقي فقرات الحفل الافتتاحي، في إشارة إلى أن فرنسا مصرّة على ما مر في الافتتاح، وتبشّر به، وكأنها تقول نحن نفعل كما كان يفعل الاغريق في الالعاب الاولمبية القديمة حيث كانوا يعطونها بعداً دينياً، وها نحن نقدم لكم قالبا دينيا جديدا هو الذي سيسيطر في السنوات القادمة.

"بيان باريس" خطير، واختيار منصة عالمية كالألعاب الأولمبية لإعلانه، يؤكد أن ما هو محيط بنا نحن القاطنين في اوروبا، يشبه ما حدث في حفل الافتتاح، ولكن هناك تفصيل صغير وخطير أراده القائمون على حفل الافتتاح، بأن الليبرالية الجديدة ليست واقعاً معاشاً، بل ستكون واقعاً مقونناً في قادم الأيام.