افتح الشباك ولا اقفله

بأعين البعض، السعودية ملومة مهما فعلت.

كتب أحدهم تغريدة، اعرف معناها ولكنها استوقفتني كثيرا. توقفت أفكر في الأسباب لا أفكر في التفاصيل، فالتفاصيل كثيرة وقد تضيع الصورة الكبرى إذا غرقت في التفاصيل.

التغريدة تقول:

نتنياهو يزور مسقط

علم إسرائيل يرفع في الدوحة

تركيا تقوم بإنشاءات في إسرائيل

والفلسطينيون يحرقون صورة الملك سلمان. (انتهت التغريدة)

ما الذي يحدث في الفكر العربي؟ كيف تنقلب لديه المفاهيم والحقائق؟

ناقشت الكثيرين عبر لقاءات خاصة وعبر الفيسبوك وعبر تويتر، وكلما ناقشت أحدهم وجدت أسباب كرهه للسعودية حكومة وشعبا غير واضحة. ويعتمد على بعض وسائل الاعلام. وليته اخذ من مصادر مختلفة التوجهات، بل من مصادر موحدة التوجه.

قد يكون لهذا التوجه عمقا في تاريخنا المعاصر والقريب.

بدأ الكره من حرب الدرعية ودخول جيش محمد علي باشا الى منطقة نجد، وتدمير عاصمة الحكم السعودي، وكان هذا لأن الدعوة (وليس المذهب) التي قام بها محمد بن عبدالوهاب تركز على توحيد الربوبية والألوهية لله، وتكره وتحرم التوسل والدعاء والاستعانة بالأموات من الأئمة.

هذا الكره وبدء ظهور كلمة "وهابي" ووصفها لكل العرب في السعودية اليوم، مع ان محمد بن عبد الوهاب كان حنبلي وتقريبا كل اهل نجد حنابلة المذهب، وليس لمحمد بن عبدالوهاب مذهب قائم بذاته.

ثم تلقف هذا القول (وهابي) شيعة العراق وإيران وبدأ يصمون به كل من خالفهم ويدعون ان محمد بن عبدالوهاب كفّر المسلمين، مع ان أحد منهم لم يقرأ كتب محمد بن عبدالوهاب بل قرأ ما كتب عنه، بينما القاعدة المنطقية تقول "اسمع مني ولا تسمع عني" أي اقرأ لي ولا تقرأ عني. وتحول هذا القول (وهابي) الى صفة مكروهة وأصبح يلصق بها تكفيري فأصبح وهابيا تكفيريا. بينما اول من كفر الامة في تاريخنا الحديث هو سيد قطب الذي كفر المجتمعات والحكومات، ولكن لم نر أحدا يصف تلامذته من الاخوان المسلمين بأنهم تكفيريون.

استمرت هذه الدعوة الى ان حدثت الثورة المصرية في 23 يوليو 1952 وبدأت الحملة الإعلامية على الملكيات العربية في السعودية والأردن ودعوتها بالرجعية، او الرجعية العربية.

ترسخت "الوهابية" في الذهنية العربية كصفة دينية مكروهة و"الرجعية" كصفة سياسية مكروهة، وكلتا الصفتين الصقتا بالمملكة العربية السعودية. بالطبع هنالك صفات مثل البداوة، وبول البعير، أصبحت صفات تجدها دائما لدى الكاره.

زد على ذلك، العمالة لأميركا، والغرب، ثم اتهمت السعودية بتسهيل احتلال العراق وتمويل الحركات الإرهابية.

أصبحت السعودية تعني الوهابية، التكفيرية، الرجعية، الإرهابية، البدوية، عميلة أميركا والغرب، ومحط الكراهية.

لن أتكلم عن الوهابية والتكفيرية فهاتين صفتين تكلمنا عنها سابقا. وسأتكلم عن باقي الصفات.

صفة الرجعية، صفه هلامية. هل نستطيع ان نصف أنظمة بقية الدول العربية على انها أنظمة تقدمية؟ هل أنظمة حافظ الأسد او جمال عبدالناصر او معمر القذافي كانت تقدمية؟ ولنقارن بين هذه الدول والسعودية في نسب التعليم والابتعاث الخارجي والجامعات والمستشفيات والطرق والمياه. نسب التعليم في هذه الدول هل تقارن بالسعودية، ولمن سيكون قصب التفوق؟

اما تهمة تسهيل احتلال العراق فهي تهمة باطلة، ويكفي بحث في جوجل لمعرفة ان السعودية كانت ضد هذا ومنعت استخدام أراضيها لهذا، وهي تهمة الصقت بالسعودية بغير أي اثبات او دليل.

اما تمويل الحركات الإرهابية ومساندتها، فهي تهمة اقل ما يقال فيها انها زائفة. فهل يعقل ان يضرب الإرهاب السعودية وتحاربه وتعلن عليه حربا شرسة بينما هي تموله؟ ولنبحث من هي الدولة التي لم يصبها الإرهاب؟ ومن اعترف بانه سهل مهمة القاعدة في احداث 9/11؟ ومن اجبرته المحاكم الاميركية على دفع تعويضات؟ ومن الذي قبض عليه في أكثر من حادث إرهابي مؤخرا في اوروبا؟

أما العمالة لأميركا، نسأل من الذي وقع معه أوباما اتفاقية تحفظ مصالحه ولا تحفظ مصالح أميركا وفتح له المجال للعبث في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومن الذي يقف معه الحزب الديموقراطي وبعض افراد الحزب الجمهوري الأميركي ضد عقوبات ترامب لها. ومع من يقف الاتحاد الأوروبي ضد أكبر شريك سياسي عسكري تجاري؟ الى جانب من يقف الغرب؟

يتكلمون عن مبالغ دفعت لترامب، بينما هي قيمة صفقات أسلحة، كأنه كان مطلوبا من السعودية الا تشتري السلاح الأميركي، او ان تحصل عليه مجانا.

السعودية مطلوب منها ان تتحرك لمواجهة أطماع إيران، ومطلوب منها ان تتحرك لمواجهة المخطط الصهيوني وان تعمر بلدها ولكنها حين تفعل ينتقدها البعض. فهي ملامة ان سكتت وملامة ان تحركت.

يذكرني هذا بمقولة في أحد المسرحيات المصرية’ حين أجبر أحدهم على دفع غرامة لفتحه شباك في بيته، فقام بغلقه فغرم على الغلق، فأصبح يصيح "افتح الشباك ولا اقفله".

هل مطلوب من السعودية ان تفتح الشباك او تغلقه؟