اكراهات اجتماعية وسياسية تجبر ايران على وقف تنفيذ قانون الحجاب
طهران - أوقف مجلس الأمن القومي الإيراني تنفيذ قانون الحجاب المثير للجدل. وقال محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان "أصدر مجلس الأمن تعليمات لنا بعدم تنفيذ قانون الحجاب"، فيما ذكر موقع "انتخاب" الإخباري أنه على الرغم من أن البرلمان مرر القانون إلا أن قرار مجلس الأمن له الأسبقية .
وإيقاف تنفيذ القانون المثير للجدل هو إشارة واضحة إلى وجود توترات داخلية حادة ووعي بخطورة التداعيات الاجتماعية والأمنية لتطبيق القانون، ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي والضغط الدولي، مع البحث عن مقاربات بديلة قد تكون أكثر فعالية في تحقيق أهداف النظام دون إثارة المزيد من الاضطرابات.
ومجلس الأمن الإيراني هو أعلى هيئة لصنع القرار في البلاد وبموجب الدستور، يمكن أن يراجع أيضا القرارات الصادرة عن البرلمان والحكومة.
ويفرض القانون الذي مرره العام الماضي متشددون إسلاميون في البرلمان غرامات باهظة والحرمان من الخدمات العامة وفي حال تكرار المخالفات، تصدر أحكام بالسجن بحق النساء اللاتي لا ترتدين الحجاب في الأماكن العامة.
وكان من المفترض في بادئ الأمر أن يتم تنفيذ القانون في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، لكن تم تأجيله بسبب احتجاجات واسعة في الداخل والخارج. ثم اعترضت الحكومة على القانون وأعلنت عن إجراء تعديلات عليه.
ولإيقاف تنفيذ القانون دلالات هامة ومعقدة، تعكس صراعا داخليا وتوازنا للقوى داخل المؤسسة الحاكمة في إيران، بالإضافة إلى الاستجابة لضغوط داخلية وخارجية.
وجاء هذا القانون في أعقاب احتجاجات واسعة النطاق وغير مسبوقة في إيران، والتي اندلعت إثر وفاة الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بسبب مزاعم انتهاكها لقواعد الحجاب. وكشفت هذه الاحتجاجات عن حجم الرفض الشعبي لسياسات الحجاب الإلزامي.
ويدرك النظام الإيراني أن تطبيق قانون أكثر صرامة للحجاب قد يؤدي إلى تجدد الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات على نطاق واسع، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً للاستقرار الداخلي، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والدولية.
وأدركت بعض الأطراف داخل النظام أن القانون بصيغته السابقة قد يكون غير قابل للتطبيق عملياً في ظل المقاومة المتزايدة من النساء، وأن محاولة فرضه بالقوة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
وتدخل مجلس الأمن القومي الإيراني، وهو أعلى هيئة أمنية في البلاد، لإيقاف تنفيذ القانون، يشير إلى أن القضية تجاوزت كونها مسألة تشريعية بحتة وأصبحت قضية أمن قومي. هذا يعكس أن هناك تياراً داخل المؤسسة الحاكمة يرى أن تداعيات تطبيق القانون أخطر من الفوائد المزعومة.
وحقيقة أن قرار مجلس الأمن له الأسبقية على قرار البرلمان، وفقاً لتصريحات رئيس البرلمان، يدل على السلطة الكبيرة التي يتمتع بها هذا المجلس في المسائل الحساسة المتعلقة بالأمن القومي والمصلحة الوطنية.
ويشير هذا الإيقاف إلى وجود خلافات داخلية بين الأجنحة المختلفة في النظام (البرلمان، الحكومة، مجلس الأمن القومي، القيادة العليا) حول كيفية التعامل مع قضية الحجاب، ففي حين أن البرلمان كان قد أقر القانون، فإن الحكومة والرئيس مسعود بزشكيان والمجلس الأعلى للأمن القومي عبروا عن تحفظاتهم.
وقد تكون هذه الخطوة محاولة من جانب النظام لإظهار بعض الليونة والاستجابة للمطالب الشعبية، خاصة بعد الضغط الداخلي والخارجي الهائل، فيما يدل الإيقاف على أن هناك عملية لإعادة تقييم استراتيجية النظام بشأن التعامل مع قضية الحجاب، وربما البحث عن مقاربات أقل تصادمية أو أكثر "ذكاءً" في تطبيق القواعد.
وتواجه إيران انتقادات دولية واسعة النطاق بسبب سجلها في حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وقوانين الحجاب. وهذا الإيقاف قد يكون محاولة لامتصاص بعض هذا الضغط.
وتشير التقارير إلى أن الحكومة بصدد إعداد مشروع قانون معدل وهذا يعني أن الإيقاف ليس إلغاءً للقانون بالضرورة، بل هو تجميد مؤقت لإعادة النظر في بنوده وصياغته بطريقة قد تكون أقل إثارة للجدل أو أكثر قابلية للتطبيق.
وعلى الرغم من إيقاف القانون، قد يتجه النظام نحو استخدام تقنيات أكثر تطوراً مثل الذكاء الاصطناعي وكاميرات المراقبة لتحديد المخالفين، بدلاً من الاعتماد على شرطة الأخلاق في المواجهات المباشرة، وهو ما قد يعتبر "إدارة ذكية" للمشكلة.
ويشير هذا التراجع إلى أن النظام يواجه أزمة حقيقية في قدرته على فرض إرادته بالكامل على المجتمع، وأن هناك حدوداً لما يمكن أن يتقبله الجمهور. وقال رئيس البرلمان إن "قضية الأمن القومي والمصلحة الوطنية تتجاوز كل القوانين" وهذا يدل على أن النظام يرى في الاضطراب الاجتماعي والاحتجاجات تهديداً وجودياً أكبر من التنازل عن بعض بنود قانون الحجاب.