صراع أجنحة يهز بيت الحزب الحاكم في الجزائر

تأسيس هيئة تنسيق لإنقاذ جبهة التحرير الوطني يظهر أن الحزب الحاكم منذ الاستقلال ليس كتلة واحدة متجانسة، بل ساحة لتنافس تيارات وأجنحة مختلفة.

الجزائر - يشير تأسيس هيئة التنسيق الوطنية لإنقاذ حزب جبهة التحرير الوطني المعروف باسم 'الافالان' وهي التسمية الفرنسية المختصرة، إلى أن الحزب الذي يهيمن على الحياة السياسية في الجزائر والحاكم منذ الاستقلال، يمر بمرحلة حرجة من الصراع الداخلي وضعف القيادة.

وقد تكون هذه الهيئة محاولة من بعض قيادات الحزب القديمة أو المتأثرة بفكر الثورة لاستعادة الحزب من قبضة من يرون أنهم "انحرفوا" به عن أهدافه الأصلية.

واستنادا إلى ذلك تكشف هذه الأزمة صراع أجنحة بين الحرس القديم من جهة والحرس الجديد من جهة أخرى. ولا يبدو ذلك معزولا عن السياقات السياسية العامة حيث تأتي هذه التطورات بينما تمر الجزائر بفترة حرجة إقليميا ودوليا مع تنامي حالة العزلة الناجمة عن توترات متناثرة مع تحالف دول الساحل الجديد ومع فرنسا وحلفائها الأوروبيين.

وتظهر هذه التطورات أيضا صراعا بين الأجيال القديمة والجديدة داخل الحزب، أو بين تيارات مختلفة تسعى لتوجيه 'الأفالان' في المرحلة القادمة.

وتوجد في الوقت الراهن محاولات لإعادة تعريف دور حزب جبهة التحرير ومكانته في المشهد السياسي الجزائري، مع وجود رغبة في إصلاحه من الداخل، لكنها رغبة تصطدم بحالة التشظي وانقسامات عميقة تعكس صراعا على النفوذ والقيادة.

ويعكس ظهور هيئة هدفها "الإنقاذ" ضعفًا في قيادة الحزب الحالية التي تواجه اتهامات بـ"انحرافات خطيرة" و"انتهاك قوانين الحزب"، ما يؤكد حالة عدم الرضا الداخلي.

وتشير بعض التقارير المحلية إلى أن سبب ظهور هذه المعارضة هو "إبعاد عدد كبير من المناضلين" خلال إعادة انتخاب هياكل الحزب، مما يوحي بغياب الديمقراطية الداخلية أو تهميش بعض الأطراف.

ويكابد الأمين العام الحالي للحزب عبدالكريم بن مبارك الذي خلف أبوالفضل بعجي في هذا المنصب، في مواجهة حالة تمرد داخلي.

ويقول القائمون على تأسيس الهيئة إن الهدف هو "إصلاح حزب جبهة التحرير الوطني" وإعادة توجيهه نحو مسار يعتبرونه صحيحا. وهذا يعني أنهم يرون أن الحزب قد حاد عن مبادئه الأساسية أو فقد جزءا من مكانته.

ويقول منسق الهيئة قاسي عبدالقادر إن الحركة "ليست حكرا على أصحابها، بل إنها مفتوحة على كل المناضلين" وهذا يدل على سعيها لحشد الدعم الواسع داخل الحزب وإضفاء الشرعية على حركتها.

وحزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الذي قاد ثورة التحرير الجزائرية، وكان له دور مهيمن في الحياة السياسية بعد الاستقلال. وظهور هيئة للإنقاذ يدل على شعور بأن الحزب قد فقد بعضا من بريقه أو تأثيره، وهناك رغبة في استعادة دوره المحوري في المشهد السياسي الجزائري.

ويُظهر هذا التأسيس أن جبهة التحرير الوطني ليس كتلة واحدة متجانسة، بل ساحة لتنافس تيارات وأجنحة مختلفة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الانقسامات أو على النقيض، قد يدفع إلى حوار داخلي لبدء إصلاحات تبدو ملحة.

وهذه الأزمات الداخلية في حزب بحجم جبهة التحرير الوطني يمكن أن يكون لها تداعيات على الاستقرار السياسي العام، خاصة في أوقات التحولات. حيث للأحزاب التاريخية وزن كبير.

ويمكن أن تعكس هذه التطورات تزايد المطالبات بالشفافية والديمقراطية داخل الأحزاب السياسية في الجزائر، في ظل المناخ السياسي العام الذي شهد حراكا شعبيا يطالب بالإصلاح.

وتقول تقارير إعلامية محلية إن اعلان تأسيس هيئة التنسيق لإنقاذ الحزب، حمل توقيعات العشرات من مختلف المحافظات وأشار كذلك إلى أن الموقعين على البيان يعلنون رفضهم للقيادة الحالية.

وجاء في الوثيقة أن المناضلين "أعلنوا رفضهم للقيادة الحالية وعلى رأسها الأمين العام للحزب عبدالكريم بن مبارك"، فيما فوض الموقعون على البيان المنسق الوطني للهيئة "مواصلة المسيرة النضالية لإرجاع حزب جبهة التحرير الوطني إلى سكته الأصيلة التي اختفت مع ضعف القيادة ورداءة التسيير الذي أفقد حزب جبهة التحرير الوطني تأطير المجتمع، وضمان استقراره السياسي والاجتماعي في مرحلة حرجة تعيشها الجزائر".

وبرر هؤلاء مبادرتهم بـ"غياب صوت الحزب المدوي والمؤثر في الساحتين الوطنية والدولية". وقال قاسي عبدالقادر في فيديو بثه على صفحة مستحدثة باسم هيئة التنسيق الوطني إن الهيئة تسعى إلى "عقد مؤتمر وطني جامع لإطارات الحزب وإرجاع أدبياته وبرنامجه النوفمبري المفقود وتخليص الحزب من الغبن والرداءة والإفلاس الذي لحق أخيرا بمساره السياسي والفكري".

وفي المقابل يقلل قادة ومسؤولون في الحزب من الحراك السياسي الجديد المناوئ للأمين العام الحالي ويعتبرون أنه لا أهمية لخطوة تأسيس 'هيئة التنسيق' تستوجب الرد على من أسسها وانخرط فيها.