الأخبار الرسمية كانت وحدها الوهمية


عندما يتعلق الأمر بالحكومات العربية فأن الأخبار الرسمية أما لا تقول شيئا أو تنشر كي لا تقول الحقيقة التي تبقى من مكان آخر، صار يعرفه المواطن الصحافي ويعمل جهادا لإيصاله إلى الناس.
الجمهور لا يثق بصحافة الحكومات العربية

عندما يتعلق الأمر بالحكومات، فإنها المصدر الأول للأخبار الكاذبة، الاتحاد الأوروبي لا يناقش هذه الفكرة تحديدا وهو يعمل جاهدا على تطبيق قانون جديد بشأن المعلومات المغلوطة يحرز تقدما وتنتظره الكثير من الصعوبات.

القانون الأوروبي الجديد لمكافحة الأخبار الكاذبة حريص على أن تترافق التحقيقات حول الكيفية التي تأثرت بها العمليات الديمقراطية في السنوات الأخيرة، كما تبدو الحاجة ماسة وعاجلة لمنع تكرار تأثير الأخبار المزيفة في الدورات الانتخابية القادمة.

لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فمصطلح “تفضيل” الأخبار المزيفة من قبل الجمهور يبدو خادعا. حسب بول تشادويك محرر شؤون القراء في صحيفة الغارديان البريطانية.

فإذا كان القانون الجديد جيدا بما فيه الكفاية، هل سيحرز تطبيقه تقدما حقيقيا في منع التزييف المستمر والمتصاعد إلى حد أن هناك شعورا جمعيا بأن لا شيء يبدو صحيحا، وهذا يعني أن كل شيء يمكن أن يكون كاذبا!

يدين العالم إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكونه رفع مصطلح “الأخبار المزيفة” إلى المنصة العليا، مما أثار الشكوك بشأن المعلومات المضللة والجدل المتفاقم بشأنها، لكن من يضع تصريحات ومقولات ترامب نفسه تحت مجهر الشك إن كانت تندرج ضمن الأخبار الكاذبة؟

سبق وأن رفض جاك غولدسميث وتيم وو مؤلفا كتاب “من يحكم الإنترنت؟ أوهام عالم بلا حدود” التعاطف مع الرومانسية المجردة في النظر إلى السلطة والعولمة تجاه الفضاء الإلكتروني. ولم يكتفيا بعرض الجانب اللطيف للحكومة، عندما يقولان إن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما، بل تعمل من أجل أن تتمكن من فرض سيطرتها على الإنترنت، وإن أي حكومة تمارس القمع يمكنها السيطرة على الإنترنت، بالطبع الأمور تكون أفضل في ظل نظام ديمقراطي يتمتع بحرية الصحافة والتعبير وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة.

لقد تم إحياء المصطلح القديم “الأخبار المزيفة” ووصلنا إلى مرحلة “ما بعد الحقيقة” في عصر ترامب الذي هو أشبه ببرنامج من تلفزيون الواقع، تُحمل فيه مواقع التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا الكبرى مسؤولية تلك الأخبار الملفقة. مع أن هذه الشركات تنكر أي خطأ في أعمالها تعمد تزييف الحقائق.

ويوافق فيسبوك وتويتر وغوغل على أن “المجتمعات الديمقراطية المفتوحة تعتمد على المناقشات العامة التي تسمح للمواطنين المطلعين على التعبير عن إرادتهم من خلال عمليات سياسية حرة ونزيهة”. والآراء الناتجة عن ذلك لا يمكن عدها بطريقة أو بأخرى ضمن الأخبار الكاذبة. تعترف مديرة سياسة التدبير في فيسبوك، مونيكا بيكيرت، بأن وجود ملياري مستخدم لفيسبوك يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق حول ما ينبغي نشره وما يتوجب حظره. وتقول مثل هذا “يتطلب الكثير من التفكير في أسئلة مفصلة وكثيرا ما تكون صعبة وتوفير الإجابة الصحيحة أمر نتعامل معه بجدية بالغة، فمهما جرى الاجتهاد في ضبط المحتوى، ستظل هناك مساحة رمادية يصعب الحسم فيها إزاء عدد من النقاط، إذ من الصعب مثلا إيجاد حدود التماس بين السخرية والتهكّم المسيء”.

تعطي بيكيرت، التي قضت أكثر من عقد من الزمان تعمل مدعية جنائية في الولايات المتحدة، مثالا مقنعا يمس أكثر وسائل الإعلام في تغطيتها الخبرية وقصصها التحليلية فتقول في السياق الثقافي قد يكون انتقاد النظام السياسي الملكي مقبولا في المملكة المتحدة، لكن في بعض بلدان العالم سوف تحصل على حكم بالسجن، إن لم يكن الإعدام كما كان ولم يزل! لهذا لا ترى مديرة سياسة التدبير في فيسبوك من السهل الامتثال لقانون واضح.

يعرّف القانون الأوروبي الجديد المعلومات المضللة على أنها “معلومات خاطئة أو مضللة بشكل يمكن التحقق منه” والتي “يتم إنشاؤها وتقديمها ونشرها لتحقيق مكاسب اقتصادية أو لخداع الجمهور” و“قد تسبب ضررا”.

ويشمل الضرر “تهديدات للعمليات السياسية وإعادة صناعة السياسات الديمقراطية بالإضافة إلى الأمور العامة مثل حماية صحة مواطني الاتحاد الأوروبي أو البيئة أو الأمن”.

ولا يشمل التعريف الإعلانات المضللة أو أخطاء التقارير أو الهجاء أو المحاكاة الساخرة أو “الأخبار والتعليقات الحزبية المحددة بوضوح”.

ومن بين أهداف القـانون، الشفافية حول الإعـلان السياسي والقـائم على أسـاس القضايا “بهدف تمكين المستخدمين من فهم سبب استهدافهم بإعلان معين”.

ويعترف القانون بقضايا حرية التعبير الكامنة في تشكيل ردود فعل قابلة للتطبيق على المعلومات الخاطئة. لا ينبغي على الحكومات الموقعة على القانون “اعتماد سياسات طوعية، لحذف أو منع الوصول إلى محتوى قانوني آخر فقط على أساس الاعتقاد أنه خاطئ”.

ألا يعني هذا أن المعلومات المضللة عندما يكون مصدرها سلطات عليا، ستكون محمية بالقانون!

يتساءل الكاتب البريطاني كنان مالك في لغة تهكمية عما إذا كنا نريد تخليص عالمنا من الأخبار المزيفة اليوم عن طريق العودة إلى الأيام التي كانت الأخبار الوهمية الوحيدة هي الأخبار الرسمية؟

وعندما يتعلق الأمر بالحكـومات العربية فإن الأخبار الرسمية إما لا تقول شيئا وإما تُنشر كي لا تقول الحقيقة التي تبقى من مكان آخر، صار يعرفه المواطن الصحافي ويعمل جاهدا لإيصاله إلى الناس.