الأخطار المحتملة للهندسة الوراثية في 'فيل وردي صغير'

رواية السويسري مارتن زوتر تأتي في إطار الخيال العلمي وتطرح تساؤلات تتمعن في مسألة تكاثر الأفيال والتلاعب الجيني وملكية المخلوقات الجينية المتغيرة.

ماذا ستفعل إذا استيقظت ذات صباح لترى فيلًا ورديًا صغيرًا حيًا متوهجًا ويتنفس يختبئ في الجزء الخلفي من ملجأه؟ إذا كنت مثل شوش مدمن على الكحول والمتشرد الذي يعيش في شوارع زيورخوالمستاء من حظه العاثر، فقد تعتقد جيدًا أن الوقت قد حان لترك زجاجة الكحول بعيدًا قبل أن تصبح هلوساتك غريبة وتعود للنوم.ولكن ماذا لو كان الفيل الوردي الصغير "سابو" لا يزال موجودًا عند الاستيقاظ مرة أخرى؟ ومن الواضح أنه بحاجة إلى من يعتني به؟ وماذا لو اكتشفت أنه مستنسخ وراثيا وأنه تم إنشاؤه من خلال الهندسة الوراثية، من قبل مجموعة من العلماء يريدون فقط استخدامه ليصبحوا أثرياءدون اهتمامبحياته؟ وأنهم لن يتوقفوا عند أي شيء لاستعادته؟.

في إطار الخيال العلمي التأملي تأتي هذه التساؤلات التي تتمحور حولها رواية "فيل وردي صغير"للروائي السويسري مارتن زوتر،الذي كتب في الصحف الأوروبية، بتمعن في مسألة تكاثر الأفيال، والتلاعب الجيني، وملكية المخلوقات الجينية المتغيرة. إن هذا النوع من الظاهرة المعدلة وراثيًا احتمالًا واقعيًا، يلمح الروائيإلى العديد من المشاكل المحيطة بذلك، حيث يتطرق إلى كل من القضايا العلمية والأخلاقية.

يدعو زوتر في روايته التي صدرت عن دار العربي بترجمة د.هبة شريف إلى التساؤل عما إذا كان علينا أن نلعب دور الخالق مع الحيوانات الحية، ومن يجب أن يمتلكها، ولماذا يجب علينا تغيير بنية الجينات؟ ويحاول إيصال رسالة أخلاقية واضحة جدًا: أن الأخطار المحتملة للهندسة الوراثية في أيدي علماء عديمي الضمير تفوق بكثير أي فوائد محتملة، كما يدعو إلى احترام الأفيال العاملة بمختلف أنواعها واحترام حاجتها إلى ملاذات آمنة.

نعود إلى الوراء بضع سنوات لنرى مكائد معمل التلاعب الجيني، الذي يعتمد على تربية الفيلة الهندية في السيرك لاستنساخ جنين متغير، وهنا نتعرف أكثر على مثل هذه الإجراءات التي يتم استخدامها هندسيا.. يستغرق صغار الأفيال وقتًا للنمو، وخلال هذه الأشهر، يصبح مدرب الفيل الصغير من بورما "كاونج" مقتنعًا بأن مسؤوليته قد تؤدي إلى ولادة طفل فيل مقدس، حيث أنالباحث الجيني رو. يريد أن يحول هذا الاكتشاف إلى ضجة كبيرة في جميع أنحاء العالم. في حين يعتقد البورمي كاونج، الذي رافق ولادة الحيوان

إنه يرغب في تحريره عند وصوله للمعمل من التجريب والملكية عديمة الضمير، لكن المستثمرين الأجانب من آسيا لا ينخدعون بسهولة.

قد تمت هندسة الفيل "سابو" وراثيًا ليكون وردي اللون ومتوهج في الظلام ولكن الطفرة الجينية تسببت في صغر حجمه. بعد هروبه، عزمت الشركة التي استنسخته بشدة على استعادته وتحقيق الثراء من ورائه، وهنا تبدو حبكة الرواية وكأنها حكاية خرافية أو ربما خيال طفل، لكن لغة الرواية وجمالياتها الفنية والسردية توضح أن هذا مكتوب لجمهور ناضج، إنها رواية مبهجة ومختلفة للغاية، مليئة بالدفء والاحتفال المطلق بكل خير في الطبيعة البشرية. إنها مليئة بأكثر الصور المحببة المتمثلة في شخصيات مثل شوش نفسه، والطبيب البيطري هانس يورج ريبيروڨاليري. وهناك مشهد مؤثر للغاية حين يبدأ"سابو" بالتصرف بغرابة. عندما استفسر شوش عن هذا، وقالت له ڨاليري إن سابو يطالب فقط بالاحترام، وهذا حقه، كما أن من حقه الحصول على الرعاية والحماية. وبينما نقرأ عن "سابو" والاهتمام والرعاية والحماية التي يحظى بها من جانب كل شخصية عاقلة في الرواية، من الواضح أن الروائي يبعث برسالة مضمونها التشجيع على التفكير في الطريقة التي نتعامل بها مع البشر الآخرين، لا سيما في عالم اليوم.

مقتطف من الرواية:

15 يونيو/حزيران 2016

استيقظ لأنه شعر بمن يلعق إصبعه الصغير. كان "سابو" قد ترك السلة الصغيرة ووقف متوهجًا إلى جانب يده اليمنى. سحب يده بحرص ونظر إلى ساعته، كانت تشير إلى السابعة. تسلل بعض الضوء إلى داخل الغرفة من خلال فتحة صغيرة في إحدى الستائر المسدلة، أزاح الستارة جانبًا. كان ثمة لوح ناقص في مصراع إحدى النوافذ فاستطاع أن يرى بعض أشجار التنوب في مرج لم تقص حشائشه، كما رأى كشكًا به مقاعد للحديقة وقد قلبت على حافة الطاولة.

أفزعه صوت عزف على الجيتار، رفع "سابو" أيضًا أذنيه وخرطومه. انقضت فترة حتى أدرك أن صوت الموسيقى يأتي من تليفون "ڨاليري" المحمول. ضغط على زر "قبول المكالمة". سألته في قلق:

- هل كل شيء على ما يرام؟

- الفيل يشعر بالجوع.

- وكيف عرفت ذلك؟

- إنه يلعق إصبعي.

- هذه علامة جيدة، سوف أشتري بعض الأشياء فور أن تفتح المتاجر.

- المتاجر التي أعرفها مفتوحة الآن.

- لكن لا يوجد بتلك المتاجر زيت جوز الهند.

ساعتان قضاهما "شوش" في الانتظار، وانشغل خلالهما بالتعرف على التليفون المحمول. كان يمتلك في حياته السابقة بالطبع تليفونات محمولة، إلا أنه لم يكن يستطيع آنذاك تصوير فيديو بهذه الأجهزة. حاول عدة مرات أن يصور فيديو لـ"سابو" الذي كان يلعق إصبعه الصغيرة بين الحين والآخر.

سمعا أخيرًا صوت صرير البوابة الكهربائية. وسرعان ما دخلت "ڨاليري" الغرفة وهي محملة بأشياء عديدة. أفرغت حقائب المشتريات؛ ترموس، علب بلاستيكية، أفرع شجر بأوراق خضراء، زجاجات مياه معدنية.

-  زيت جوز الهند هو الأساس، فالأفيال الصغيرة لا تتحمل دسامة حليب الأبقار، ثم نضيف إليه بعض المعادن والفيتامينات. سوف أعلمك كيفية تحضيره.

رجت إحدى زجاجات الرضاعة التي أحضرتها وأزالت غطاءها وناولتها لـ"شوش".

- أنا؟

- نعم، ما دام يلعق إصبعك.

انحنى فوق "سابو" ومد إليه بزجاجة الرضاعة. أدخل "سابو" الزجاجة في فمه دون أي تردد وبدأ يرضع. أشرق وجه "ڨاليري":

- أرأيت؟

ابتسم "شوش".

- هل تعتقدين أن الأمر سينجح؟

- هذا يتوقف عليك.

- عليَّ أنا؟

- إذا كنت ستقدر على أن تقوم بإرضاعه كل ثلاث ساعات، وأن تكون إلى جانبه طوال الأربعوعشرين ساعة.

نظر إليها "شوش" في ذهول.

- هذه هي قواعد تربية الأفيال.

- لا أستطيع القيام بذلك دون مساعدة.

هزت رأسها نفيًا.

- لا تنظر إليَّ، فأنا لديَّ وظيفة.

- أنا أيضًا.

- وما هي؟

- مشرد.

نظرا إلى الفيل الرضيع وهو يرضع من الزجاجة في نهم. قال "شوش":

- "سابو".. أطلقت عليها اسم "سابو".

- كيف تأكدت أنها فتاة.

- لا أرى شيئًا هنا بالأسفل.

- الخصيتان عند الأفيال مخبأتان داخل تجويف البطن والقضيب تحت جلد البطن.

- هل يمكن أن تكون صبيًا إذًا؟

- ذكر الفيل، هكذا نطلق عليه.

تأملا الكائن الصغير الذي يرضع. قال "شوش":

- ذكر الفيل.

ثم ابتسم. قالت "ڨاليري":

- كان ثمة ممثل في هوليوود يدعى "سابو".

- وأنثى الفيل التي هربت من السيرك كانت تدعى كذلك أيضًا.

رضعت "سابو" الزجاجة كلها. مدت لها "ڨاليري" بفرع شجرة. أمسكت به بخرطومها وبدأت تنزع

الأوراق عنه بفمها.

- لا بد أنك أيضًا تشعر بالجوع.

أخرجت "ڨاليري" من إحدى الحقائب شطائر مرتديلا ملفوفة داخل ورق الألمونيوم.

- شكرًا.

- وأحضرت شرابًا أيضًا.

وضعت زجاجة مياه معدنية إلى جانب الشطائر.

- أو ربما تفضل شيئًا مثل هذا؟

ووضعت علبًا من البيرة إلى جانب الشطائر. هز "شوش" رأسه.

- فلتأخذيها معك.

أدخلت "ڨاليري" علب البيرة داخل الحقيبة من جديد. رمت "سابو" بفرع الشجرة منزوع الأوراق عاليًا وكان من الواضح أنها ترغب في المزيد. وضعت "ڨاليري" بعضًا من الأشياء الخضراء فوق الأرض

وانطلقت "سابو" تأكل. قال "شوش":

- كانت بالأمس على وشك الموت.

خمنت "ڨاليري":

- ربما كان فقط اضطرابًا في المعدة وليس تسممًا.

أخرجت "سابو" بعض كرات الروث، وسقطت فوق الأرض كأنما تؤكد كلام "ڨاليري". ضحكت "ڨاليري":

- لن تستطيع أن تمرنها على عدم إخراج الروث في أي وقت.. هذا مؤكد.

وضعت كوبين فوق الخزانة الصغيرة، وفتحت أحد الترامس وصبت قهوة داخل الكوبين وسألته:

- لبن وسكر؟

- سكر فقط، الكثير منه.

ناولته الفنجان وبدأت تزيل ورق الألومنيوم عن شطائر المرتديلا. وفوجئ "شوش" أنه قادر على الأكل على الرغم من أن الساعة لم تبلغ العاشرة بعد. سألها وفمه ممتلئ بالطعام:

- والآن، ماذا سيحدث بعد ذلك؟

هزت "ڨاليري" كتفيها. اقترح "شوش":

- ربما يوجد مكان يهتم بحيوانات التجارب، ربما مؤسسة أو شيء مثل هذا القبيل.. أو ربما صندوق الحفاظ على الطبيعة WWF أو جمعية رعاية الحيوانات.

قالت "ڨاليري" بنبرة شك:

- الجمعيات التي ترعى الحيوانات تتصرف بشيء من السذاجة في معظم الأحوال. نحن نحتاج إلى أشخاص على قدر كبير من الصلابة. أشخاص قادرون على تقديم نوع من برامج حماية الشهود، كما في الأفلام.

- عندما كنت أشاهد أفلامًا في السابق، كنت أرى أن تلك البرامج تفشل في معظم الأحيان. فدائمًا كان ثمة من يتعرف على الشهود.

رشف "شوش" من القهوة. خطرت على بال "ڨاليري" فكرة:

- منظمة السلام الأخضر.. تلك حالة يمكن أن تهتم بها المنظمة. إنهم منظمون بشكل جيد ولديهم أموال.

- منظمة السلام الأخضر؟ إنهم ناجحون في توصيل رسالتهم للرأي العام، ولكن هل هم قادرون على الحفاظ على الأسرار؟

استعدت "ڨاليري" للذهاب، فقد حان موعد عيادتها في مستشفى الحيوانات.

- سوف أسأل وأبحث في الأمر. سأحضر بعد انتهاء العمل. ربما أكون قد وجدت الحل عندئذ. لا تنسَ، زجاجة الرضاعة كل ثلاث ساعات، عدم الإكثار من الأشياء الخضراء، وأنت عليك...

قاطعها بصوت عالٍ متذمر:

- أنا قادر على تولي الأمر، اللعنة.