الأردن أمام اختبار صعب في الموازنة بين ضغوط الداخل والغرب

السلطات الأردنية تدرك مدى الغضب الشعبي لكنها غير قادرة على تجاهل أهمية العلاقات مع الغرب، خاصة بعد أن أصبحت المملكة هدفاً لإيران.

عمان -  يسعى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وحكومته إلى التوفيق بين مطالب الملايين من مواطنيه لاتخاذ إجراء صارم بشأن حرب غزة، وبين علاقات المملكة الوثيقة مع واشنطن وثلاثين دولة أخرى، في "عملية توازن صعبة" تأخذ بعين الاعتبار مصالح المملكة التي تأثرت بشكل كبير بتداعيات الحرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن  مسؤول بسفارة أوروبية في عمان، إنه مع تصاعد عدد الضحايا في غزة، أصبح الغضب في الأردن، كما هو الحال في أماكن أخرى في المنطقة، "مرتفعا للغاية".

الغارديان: نقاشات داخل أروقة السلطة الأردنية حول ما إذا كان ينبغي خفض أو تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة، التي لديها آلاف القوات في الأردن وترسل 1.5 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية سنويا.

وتقول الغارديان أن السلطات الأردنية تدرك جيداً الغضب الشعبي. وفي الوقت نفسه لا يمكنها تجاهل أهمية العلاقات مع الغرب، خاصة بعد أن أصبحت المملكة هدفاً لإيران.

وأضافت أن ما يحدث في غزة، يطلق موجة من التعاطف في مختلف أنحاء المملكة، أكان في الفنادق الفارهة، أو حتى في الأحياء الفقيرة على حد سواء، حيث تتنامى مشاعر "الغضب" تجاه الحرب وتبعاتها.

ويوجه أردنيون غاضبون الانتقادات للسلطات الأردنية إذ يرون أنهم لا يفعلون أي شيء للدفع بوقف الحرب والوقوف مع الفلسطينيين، ويتهمونها بحماية إسرائيل، خاصة عندما تم إسقاط طائرات مسيرة وصواريخ أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي فوق الأجواء الأردنية.

وتجري نقاشات داخل أروقة السلطة حول ما إذا كان ينبغي خفض أو تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة، التي لديها آلاف القوات في الأردن وترسل 1.5 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية سنويا.

وقال محمد أبو رمان، من معهد السياسة والمجتمع في عمان "لديك وجهات نظر مختلفة داخل النظام".

ودعا الملك عبدالله مرارا وتكرارا إلى تحرك دولي لوقف الصراع في غزة، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، في حين انتقدت الملكة رانيا "تواطؤ" الغرب.

وقدم دبلوماسيو المملكة خططًا متعددة لحكومة غزة "لليوم التالي" للصراع، في حين افتتح جيشها مستشفيات ميدانية في المنطقة وأسقط المساعدات جوًا على القطاع المحاصر.

ويقول المسؤولون إن مثل هذه التصريحات والمبادرات تعكس المشاعر الحقيقية لصناع القرار. لكن المراقبين يشيرون إلى أنها تساعد أيضًا في تجنيب البلاد الانتقادات الداخلية.

وقالت كاترينا سمور، المحللة السياسية في عمان “منذ البداية توقعت الحكومة إلى أين سيتجه السرد وسبقته. لكنني لا أعتقد أن أحداً يعتقد أن الأمر سيستمر لفترة طويلة.

وأضافت "الأردن يوازن بين الكثير من الضغوط المختلفة، لكن هذا قد لا يكون في صالحه. لقد وضعت المملكة نفسها دائمًا كحكم ووسيط".

وعلى الرغم من أن الأردن لا يزال ليبراليًا نسبيًا مقارنة بالعديد من الدول الأخرى في المنطقة، إلا أن العاملين في مجال الإعلام في المدينة قالوا إن "الخطوط الحمراء للنظام" بشأن ما يمكن نشره دون تداعيات قد شددت "بشكل كبير" منذ بدء الحرب.

وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش "هناك تضييق بشكل متزايد على حرية التعبير، ورقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتقال الصحافيين".

وتم اعتقال ما لا يقل عن 1000 متظاهر في عمان في الشهر الأول من الصراع، خاصة في المظاهرات القريبة من السفارة الإسرائيلية، والتي حاول البعض اقتحامها. وقال النشطاء لصحيفة الغارديان إنه تم اعتقالهم بعد أن تم التعرف عليهم كمنظمين أو ألقوا خطابات. وأفاد أحدهم لصحيفة الغارديان إنهم أمضوا أسابيع في السجن في وقت سابق من هذا العام قبل تبرئتهم من جميع التهم.

وقد تسببت الحرب على غزة بتحديات اقتصادية، مع انتشار الشكاوى من ارتفاع معدلات التضخم واتساع فجوة التفاوت بشكل مذهل.

وقال رمان "هناك الكثير من عدم الاستقرار، والشعور بعدم وجود آمال سياسية، ومعدل البطالة بين الشباب مرتفع للغاية".

وتقول الإحصاءات الرسمية أن عائدات السياحة انخفضت بنسبة 6 بالمئة فقط حتى الآن هذا العام، لكن الأدلة المتناقلة تشير إلى أن هذا أقل من الحقيقة. وصرحت يسرى قدر (38 عاما)، التاجرة في شارع الرينبو، إن مبيعات منتجاتها الصحية المصنوعة من الملح والطين من البحر الميت بلغت عُشر ما كانت عليه قبل عام، مما يجعل من الصعب توفير الطعام لأسرتها الممتدة المكونة من سبعة أفراد.

وذكرت بائعة أخرى في شارع الرينبو، إنه في بعض الأيام لم يكن أحد يدخل حتى لتصفح السيراميك والأوشحة وتماثيل الجمال المصغرة التي تصطف على رفوف متجرها، ناهيك عن شراء أي شيء. بينما قال شاب لصحيفة الغارديان: "الشيء الوحيد الذي يريده الناس هو الكوفية الفلسطينية". مضيفا "نحن جميعا نصلي من أجل نهاية الحرب."

ومنذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول والغزو الإسرائيلي لغزة، لم تواجه سوى دول قليلة في المنطقة تحديات حادة مثل تلك التي يواجهها الأردن، مع عدد كبير من سكانه من أصل فلسطيني، وأدواره البارزة في العالمين العربي والإسلامي، والصعوبات الاقتصادية والحرب.

ويهيمن الإسلاميون في المملكة على احتجاجات يوم الجمعة المنتظمة، حيث اقترب بعض المشاركين في إحدى الاحتجاجات الأخيرة من توجيه انتقادات علنية نادرة للملك، الذي يحكم الأردن منذ عام 1999.