الأردن يعيد ضبط علاقته مع سوريا وفق سياسة تغليب المصلحة العامة

وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب يجري محادثات في الأردن مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، في أول لقاء من نوعه منذ بدء الصراع في سوريا قبل 10 سنوات
الملك عبدالله الثاني نقل لبايدن وبوتين رؤيته بشأن سوريا
عمان تريد تأمين حدودها ودمشق تتطلع لعودة إقليمية الأردن بوابتها
وزير الدفاع السوري يبحث في عمان أمن الحدود مع قائد الجيش الأردني
الأردن يسعى إلى إنهاء أزمة أثقلت كاهله سياسي واقتصاديا وأمنيا

عمان - منذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011 حرص الأردن على الالتزام بموقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديمغرافي مع جارته الشمالية، وبحكم الدور الذي لطالما اضطلع به الأردن بأن يكون رمانة الميزان في المنطقة، والوسيط الذي تربطه علاقات بمختلف الأطراف، كما هو الحال مع الملف السوري.

في قمة الأزمة السورية وتدهور العلاقات الإقليمية والدولية مع نظام الأسد في سوريا، وجمود العلاقات بين عمان ودمشق، كثيرا ما نادى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بترك الباب مواربا مع نظام الأسد.

لم يكن مردّ ذلك الموقف فقط ملف اللاجئين السوريين وتداعيات الحرب في سوريا على الأردن، الذي كان من أوائل الدول التي استقبلت قيادات الجيش الحر والمعارضة السياسية ممن انشقوا عن النظام السوري.

كانت هناك نظرة استشرافية مأتاها علاقة الأردن بكل الأطراف الفاعلة في الملف السوري من القوى الإقليمية إلى القوى الدولية كما محافظة الأردن على توازنات في علاقاته بين المعارضة والنظام في سوريا.

وعلى مدى سنوات كانت الرؤية الأردنية الأقرب إلى الواقع فيما يتعلق بالملف السوري. ومؤخرا التقى الملك عبدالله الثاني مع الأمريكي جو بايدن ولقاء آخر مع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، حيث أطلعهما على رؤيته وحلوله المقترحة لإنهاء الأزمة.

وتعتبر واشنطن عمان أحد أبرز حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، بينما موسكو هي الداعم الرئيس لنظام الأسد في دمشق. وكان للعاهل الأردني لقاءات سابقة مع الرئيس الروسي تمحورت حول سوريا وتداعيات الأزمة على الأردن، خاصة بعد الموقف الأميركي السلبي تجاه الأردن في عهد دونالد ترامب وأزمة صفقة القرن.

مع وصول بايدن للبيت الأبيض، وقرار التراجع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط عاد الأردن كأحد أبرز محطات الدبلوماسية لحل الصراعات في المنطقة، ومنها الحرب في سوريا خاصة بعد أن تغيرت المعادلة وصار التعامل مع نظام الأسد واستمراره أمرا واقعا ولا مجال للحديث عن سوريا بلا أسد على المدى القصير.

من هنا لا يرى المتابعون مفاجأة في العودة  التدريجية للعلاقات. فالأردن يريد فتح المعابر الحدودية وحماية حدوده وتأمين خط الغاز، في المقابل تتطلع سوريا/الأسد إلى عودة إقليمية يمكن أن يكون الأردن بوابتها.

وشهدت الشهور القليلة الماضية زيارات رفيعة المستوى بين البلدين، أحدثها زيارة وزير دفاع النظام السوري العماد علي أيوب، لعمان الأحد، واجتماعه مع قائد الجيش الأردني يوسف الحنيطي، حيث بحثا ملفات، منها أمن الحدود بين الجارتين.

وهذه الزيارة هي الأولى منذ اندلاع الحرب في سوريا، وجاءت في ظل تطورات كبيرة على الجانب السوري، بعد أن استطاع النظام فرض سيطرته على محافظة درعا (جنوب)، مهد الثورة في البلاد، إلى جانب قلق أردني واضح، خاصة مع وجود آلاف المسلحين على حدوده، وحرصه على ألا يتطاير شرر صراع محتمل إلى أراضيه.

وهي معطيات ميدانية تحتم على الأردن لين الجانب مع النظام السوري، لكنها في الوقت ذاته تؤشر إلى أن عمان تسعى بالوسائل كافة وعبر منظومة العلاقات الدولية وارتباطاتها مع واشنطن وموسكو، إلى إنهاء أزمة أثقلت كاهلها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

وأكّد ذلك محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، لافتا في تصريحات صحافية إلى أن “حفظ أمن الحدود بين الأردن وسوريا لا يمكن أن يتحقق دون التنسيق بين جيشي البلدين، ولذلك شهدنا لقاء عسكريا هاما جمع قائد الجيش بوزير الدفاع السوري”.

وتابع: “الأردن صاحب مصلحة في استقرار سوريا، وأي حديث بخلاف ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، دمشق عمقنا الجغرافي كما هو حالنا بالنسبة لهم”، مضيفا أنه “لم نغير موقفنا تجاه ما تشهده سوريا، ولطالما تحدثنا عن أهمية حل سياسي يحفظ أمنها واستقرارها، وحان الوقت لأن تعود سوريا إلى الحضن العربي”.

وزاد المومني بأن “قادة الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، يدركون أهمية رؤية الملك عبدالله وحرصه على تحقيق الاستقرار داخل سوريا، وقد نقل مقترحاته خلال اللقاءات التي جمعته بهم مؤخرا”.

وتوقع أن “تشهد الفترة القادمة مزيدا من اللقاءات التنسيقية والتشاورية بين البلدين، بما يضمن عودة علاقاتهما إلى سابق عهدها ويحفظ استقرار سوريا”.

وأردف: “منطقتنا من أكثر مناطق العالم في الأزمات، ولا بد من تغليب المصلحة العامة على أية مناكفات سياسية، وصولا إلى مواقف موحدة تمكننا من تحقيق مرادنا جميعا، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس المحتلة”.

إعادة تطبيع العلاقات

قال وصفي الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، إن “المرحلة الحالية تشهد إعادة تطبيع للعلاقات الدبلوماسية والأمنية مع سوريا، تمهيدا لفتح الحدود وتسهيل عملية التبادل التجاري”.

وربط الشرعة هذه الخطوة بزيارة الملك عبدالله الأخيرة لموسكو في أغسطس الماضي، حيث رأى أنها “كانت للحصول على ضمانات من بوتين لإعادة فتح الحدود، وإجراء ترتيبات أمنية مشتركة مع سوريا”.

ورأى أنه “من المحتمل أن يقوم الأردن بخطوة إعادة ترميم المراكز الحدودية مع سوريا، بحيث يتولى مهمة الإعدادات اللوجستية كدلائل على حسن نية من جانب عمان”.

وبعد أن استعد الأردن لإعادة تشغيل كلي لمعبره الحدودي مع سوريا “جابر ـ نصيب”، على أمل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية، قرر في 31 يوليو الماضي إغلاقه بالكامل، مرجعا ذلك إلى ما قال إنها “تطورات الأوضاع الأمنية في الجانب السوري”.

ويرتبط البلدان بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما “الجمرك القديم”، ويقابله معبر “الرمثا” في الأردن، و”نصيب” ويقابله “جابر”، وكانت تنشط عبرهما حركة التجارة والأفراد، قبل اندلاع الأزمة السورية في 2011.

وتوقع الشرعة أن “يقوم وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بزيارة قريبة إلى دمشق للقاء نظيره السوري، وهو أمر مهم وسيكون على ضوء اللقاءات التي جرت في موسكو”.

وفي 2019، رفع الأردن تمثيله الدبلوماسي مع سوريا إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، بعد أن كانت سفارته في دمشق مفتوحة، لكن لا يوجد بها سوى موظفين إداريين فقط.

وبشأن زيارة وزير الدفاع السوري إلى عمان، اعتبر الشرعة أنها “إشارة مهمة لحاجة سوريا لخدمات أمنية أردنية، خاصة في موضوع المليشيات المسلحة وإمكانية أن تلعب المملكة دور الوسيط في تسلم الأسلحة منها”.

اتزان الموقف الأردني

أرجع محمد الخريشة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية (حكومية)، تطور علاقات بلاده مع سوريا إلى “ثقة جميع الأطراف الإقليمية والدولية باتزان الأردن وكفاءته بتحقيق استقرار المنطقة”.

وقال إن “الأردن لاعب إيجابي رئيسي لدى الجميع في ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والتسويات السياسية على مختلف المستويات”، مضيفا أن “الأردن يتمتع بعلاقات طيبة مع روسيا والولايات المتحدة والصين وغيرها، وحتى التنظيمات المتطرفة لا تعتبر الأردن هدفا، وذلك بفضل اتزانه في تعاطيه مع جميع القضايا وخطابه الإسلامي الوسطي، فهو لا يستفز أحدا”.

واستطرد مشيرا إلى أن “الموقع الجيوسياسي للأردن مهم جدا لجميع الأطراف، بحيث يشكل منع أي احتكاك للقوى المتنافرة في المنطقة”. كما أن عمان لا ترغب في وجود مليشيات شيعية موالية لإيران ولا فصائل جهادية سنّية على حدودها.