الأردن يوسع تحركه لتجنب التصعيد في الشرق الأوسط
عمان - يواصل الأردن حراكا ديبلوماسيا دوليا واقليميا في محاولة لتجنب التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، بعد مرور نحو أسبوعين على اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/تموز الماضي، والقيادي العسكري البارز بـ"حزب الله" اللبناني فؤاد شكر ببيروت.
وبينما تبنت تل أبيب اغتيال شكر، تلتزم الصمت حيال اتهام إيران وحماس لها باغتيال هنية، وإن ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسؤولية بلاده عن قصف مقر إقامته خلال زيارة لطهران.
وفيما يترقب العالم ردا انتقاميا من الجيش الإيراني على إسرائيل، تحاول أطراف عديدة التهدئة بين الجانبين، خوفا من تفجر حرب إقليمية واسعة، لاسيما في ظل حرب إسرائيلية مستمرة على قطاع غزة للشهر الحادي عشر.
ويعد الأردن من أبرز دول المنطقة التي تحاول تجنب التصعيد، فهو جغرافيا يتوسط إيران وإسرائيل، وأي مواجهة بينهما قد تفرض عليه أدورا دفاعية، ولذا أكد مرارا أنه لن يسمح باختراق مجاله الجوي ولن يكون "ساحة معركة".
وردا على مقتل قادة من الحرس الثوري الإيراني بدمشق، شنت طهران هجوما على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، عبرت خلاله صواريخ وطائرات مسيّرة فوق أجواء الأردن، وأسقطت دفاعات بالمملكة بعضها لانتهاكها سيادة البلاد.
ولمنع تكرار هذا الوضع، تواصل عمان منذ اغتيال هنية حراكا دبلوماسيا مع عواصم إقليمية ودولية، تقدمتها واشنطن عبر اتصالين بين ملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس الأميركي جو بايدن، ومثلهما بين وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن.
وإلى جانب الولايات المتحدة كانت إيران من أبرز جهات حراك عمان لخفض التصعيد، حيث زار الصفدي طهران، وأجرى اتصالا هاتفيا وعقد لقاءين مع نظيره علي باقري كني.
وقالت الكاتبة والمحللة السياسية روان سليمان الحياري إن "الأردن يعي تماما، وسط التوترات التي تشهدها المنطقة، دقة المرحلة واستحقاقاتها".
وأضافت "بحكم موقعه الجيوسياسي ومصالحه الجيواستراتيجية، تتعاطى السلطات الأردنية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بحكمة بالغة".
وتابعت الحياري أن الأردن "لم يدخر أي جهود سياسية ودبلوماسية لحشد وتحريك المجتمع الدولي لوقف الحرب في القطاع والجرائم الإنسانية، وتحقيق السلام المبني على إيجاد أفق لحل سياسي توافقي عادل ومستدام للقضية الفلسطينية يحقن الدماء ويصون السلم العالمي".
واستطردت "تدرك عمان الوضع الحالي الخطير الذي أفضت إليه حرب غزة، واتساع رقعة الصراع، لتتجاوز أطرافه وتشمل الحلفاء"، مشيرة الى أن "احتمالية انزلاق أي من أطراف النزاع إلى التصعيد غير المدروس كردود أفعال على خروقات قواعد الاشتباك بحجة الوجود والنفوذ قائمة ومطروحة، حيث تسود الإقليم حالة من الفوضى، والتي قد تخرج فيها إدارة الصراع عن السيطرة"،
وأردفت "كان ومازال الأردن مؤمنا بالحل السياسي والدبلوماسي في المنطقة، وأرسل رسائل واضحة بأنه لم ولن تكون أجواءه أو أراضيه ساحة حرب أو تصفية حسابات لأي جهة من أطراف النزاع الذي تتراوح مصالحهم الاستراتيجية، حتى لا يفرض عليه أن يكون جزءا أو طرفا فيه".
الأردن لا يزال مؤمنا بالحل السياسي والدبلوماسي في المنطقة
وحسب الحياري فإن "الإقليم بات الآن على صفيح ساخن، لن تقتصر فيه تداعيات التوترات على أطراف النزاع وحلفائهم وحسب"، موضحة أن "الخسائر الإنسانية والاقتصادية وتهديد السلم العالمي، وإيجاد جبهات حرب استنزاف وبؤر صراعات ساخنة ستفضي حتما إلى المزيد من العنف وتجارة الحرب، كالمخدرات وتنامي أعمال الإرهاب و تقويض الوضع الاقتصادي، الذي يعاني أصلا منذ جائحة كورونا وبعيد الحرب الروسية في أوكرانيا منذ 2022 وكذلك عرقلة التنمية".
واعتبرت أن "هذا كله لن يقتصر على الإقليم، فآثاره السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى بدت واضحة التأثير على العالم"، مضيفة أن "ما يحدث حاضر في بيانات مترشحي الرئاسة الأميركية، وكذلك بمتابعة للتقارير المعنية بالخسائر والكلف الإنسانية والاقتصادية والمالية وحتى سيناريوهات إعادة الإعمار واليوم التالي".
ووفق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية بدر الماضي فإن "عمان لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن التأثيرات والتداعيات المحتملة للتصعيد في المنطقة، وهي التي في مرمى هذه الارتدادات السلبية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول".
وأضاف الماضي أن "هناك مجموعة من المخاوف تقلق صانع القرار السياسي على المستوين المحلي والدولي، ليس أقلها الدعاية الأيدولوجية والزيف الذي استخدمته بعض الأذرع السياسية لطهران في المنطقة، وخاصة باستهداف الأردن، مستغلين المساحة التي توفرها السلطات الأردنية للتعبير عن الغضب لما يجري في قطاع غزة".
وتابع "هذه الضغوطات تحاول إظهار المملكة الأردنية أنها تقف موقفا ليس متسقا مع ما تروجه له من تدعي أنها تمثل المقاومة الحقيقية، مما أسهم في تشكيل حالة من الشد والجذب الداخلي ليحدث قلقا أردنيا داخليا لشدة استجابة البعض من الشارع الأردني لمثل هذه الدعوات غير البريئة".
و "في ظل هذه المخاوف ومحاولات تحقيق مواقف استراتيجية لكلا المتناوئين سواء الإسرائيلي أو الإيراني، جاء الاستهداف الاسرائيلي لزعيم حماس في قلب طهران"، كما أضاف الماضي.
وأردف أن "هذا السلوك العدواني الإسرائيلي وضع الإيرانيين في موقف صعب وخيارات لا يمكن وصفها إلا أنها الأقسى منذ اغتيال قادة الحرس الثوري في دمشق والرد الإيراني في أبريل/نيسان الماضي المتفق عليه بين كافة الأطراف".
واستطرد "في ظل هذا الوضع المتأزم، لم يتردد الأردن في الإعراب عن موقفه الصريح ومن قلب طهران أنه لن يسمح بأن تكون أجواءه ساحة نفوذ بين الإسرائيليين والإيرانيين".
وبالنسبة لأهم السيناريوهات المحتملة للرد الإيراني، قال الماضي "أولا أن تقوم طهران بالرد تحت سقف ما جرى سابقا كنتيجة لتصفية قادة الحرس الثوري في دمشق".
وأضاف "أما الثاني فهو الرد عبر الأذرع الموجودة، وهي حزب الله وجماعة الحوثي، وستكون المخاطر جدا شديدة وخاصة على لبنان وحزب الله تحديدا، أما الحوثي في اليمن فقد أصابته ضربة إسرائيل لميناء الحديدة (غرب) بمقتل الشهر الماضي، ولكن هذا الخيار يبدوا محتملا".
وتابع أن الخيار الثالث هو "ألا تقوم إيران بأي ضربة عسكرية مباشرة، ويتم استيعاب الصدمة بالتدريج، وأكثر ما يمكن فعله ضرب بعض القواعد الإسرائيلية خارج تل أبيب" لافتا إلى أن "الأردن نشط دبلوماسيا في البعدين الإقليمي والدولي لمحاولة تجنب هذا الصراع، واستطاع أن يحشد رأيا دوليا ساهم في تأجيل الرد الإيراني على أقل التقدير".
وأردف أن عمان "حاولت أن تستغل الوضع لتسريع عملية التفاوض لإنهاء الحالة المستعصية في غزة، لتفويت الفرصة على مَن يحاول اللعب على جراح الفلسطينيين" مشيرا الى أن "جرّ الأردن إلى مثل هذا الصراع تستفيد منه كل من إيران وإسرائيل، وللأسف برزت ظاهرة جديدة بالمملكة".
وبيَّن أنه "لأول مرة تقود بعض من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية حراكا يستهدف الدفع بها المملكة الاردنية إلى الانتحار السياسي والعسكري مدعوما من مظلة إعلامية يقودها بعض من اليسار الإعلامي، والذي لا يلتقي مع النهج الأيديولوجي لإيران إلا بزعزعة أمن واستقرار الأردن".
واعتبر أنه "هنا يمكن أن تُخلق مساحة لتأثير إيراني كبير كانت تبحث عنه طهران منذ زمن في البلاد وعبر مثل هذه الأصوات الغاضبة، بل أصوات تريد الانتقام من الموقف الأردني بحجة أنه لم يدعم المقاومة".
وختم "على الجانب الآخر، يمكن لإسرائيل أن تكون مستفيدة من إذكاء الصراع وجر عمان إلى مثل هذه المساحة، لتفريغ مشاكلها التي تعاني منها وخاصة الديمغرافية، وهذا يمكن تأطيره بترحيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتهجيرهم إلى المملكة".