الأزمة الاقتصادية تفاقم متاعب الطبقة الوسطى في مصر

قررات الحكومة المصرية الأخيرة تتسبب في تآكل كبير في مستويات معيشة المصريين مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية.

القاهرة – في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، باتت الطبقة المتوسطة في البلاد عاجزة عن توفير حاجياتها الأساسية مع ارتفاع قياسي في أسعار السلع، لاسيما مع تطبيق الحكومة المصرية برنامجا قاسيا للإصلاح للاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي حصلت بموجبه على قرض يبلغ ثمانية مليارات دولار.

وتقول منار البالغة 38 عاما وهي أم لطفلين "حتى قبل عامين لم تكن هناك مشاكل في توفير أساسيات الحياة"، مضيفة أنها باتت "تفكّر مرتين قبل شراء مواد أساسية من طعام وملابس واللحوم"، مضيفة "لم يثبت كلام الحكومة مصداقيته أبدا، والأسعار تتزايد دون توقف".

وتعمل المرأة مدرّسة بدوام جزئي ويرتفع دخلها مع دخل زوجها المهندس إلى 15 ألف جنيه شهريا (304 دولارات). وتشير الى أنها تريد "توفير الحدّ الأدنى من الرفاهية لأبنائي كالتدريبات الرياضية"، قائلة بحزن "أسلوب الحياة الذي نشأتُ عليه تغيّر تماما".

ورفعت الحكومة المصرية الشهر الماضي أسعار الوقود والمحروقات بنسبة تصل الى 17.5 في المئة بعد أقل من ثلاثة أشهر على زيادة أخرى بنسبة 15 في المئة. وأثار القرار استياء شعبيا بسبب انعكاساته على أسعار السلع، فيما بلغ معدّل التضخّم السنوي في أكتوبر/تشرين الأول 26.5 في المئة.

وتمرّ مصر، أكبر دولة عربية لناحية عدد السكان (107 ملايين) حاليا بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، خصوصا مع تراجع عائدات قناة السويس بسبب هجمات المتمردين الحوثيين على سفن في البحر الأحمر وخليج عدن على وقع الحرب في قطاع غزة.

وأعطى صندوق النقد الدولي قروضا إضافية لمصر بقيمة خمسة مليارات دولار في مارس/آذار، بعد قرض بقيمة ثلاثة مليارات في نهاية عام 2022. في المقابل، طالب بإصلاحات واسعة النطاق منها اعتماد سعر صرف أكثر مرونة وخطط تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد ومكافحة التضخم والدين العام.

وكانت القاهرة تبنت في 2016 برنامجا مماثلا مع الصندوق حصلت بموجبه على قرض بـقيمة 12 مليار دولار ألقى بظلاله أيضا على حياة المصريين آنذاك، إذ بلغ معدل الفقر 29.7 في المئة في عام 2020 بعد أن وصل في عام 2019 إلى 32.5 في المئة، حسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي حول الدخل والإنفاق في عام 2020. ومذاك لم يصدر الجهاز تقارير مماثلة.

ويشير مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وائل جمال إلى أن أثر القرض الأخير "أعنف"، قائلا إنّ القرارات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى "تآكل كبير في مستويات معيشة الناس" مع "ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات ووسائل النقل".

وفي مواجهة هذا الوضع الصعب، حرصت الحكومة المصرية على بعث رسائل طمأنة. والشهر الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنّ مصر تتعامل مع قرض صندوق النقد "في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية"، مضيفا أن هذا الوضع "يمكن أن يستمر لمدة عام كامل. إذا كان هذا التحدي سيجعلني أضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمّله الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع الصندوق الدولي".

وأكّد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مطلع الشهر الجاري أنّ حكومته لن تتخذ أي قرارات قد تضيف "أعباء مالية" على المصريين خلال "الفترة المقبلة" من دون أنّ يحدّد مدتها.

ويعتبر جمال أنّ هذه التصريحات تعكس "قلقا" حكوميا، لكنه شكّك في اتخاذ الحكومة "قرارات اقتصادية مختلفة"، قائلا "أعتقد أن الاتفاقيات مع صندوق النقد ستأخذ مدى زمنيا أوسع وستُنفّذ بطريقة مختلفة وتدريجية".

وفي متجر في حي سكانه إجمالا من الطبقة المتوسطة في غرب القاهرة، ينظر متسوّقون إلى الرفوف بحذر. ففي قسم الخضروات الطازجة، تلتقط سيدة خسّة تتفحصها بتمعّن قبل أن تضعها في سلتها، بينما يقف رجل بالقرب منها يمسك بكيس أرز ليدقّق في سعره.

وتتحدّث ربة المنزل زينب جمال (28 عاما) عن "زيادة أسعار" في كل مرّة تتسوّق، مضيفة "سابقا كنت أبتاع مشترياتي مرة واحدة في الشهر، الآن أنزل أسبوعيا وأشتري حاجات أقلّ". وتتابع "لم نعد نشتري حلويات، وبالنسبة للألبان قللنا الكميّات".

أما الموظفة في شركة خاصة نورهان خالد (27 عاما)، فاستغنت عن شراء ملابس جديدة والعطور بل والشكولاته، قائلة "المرتّب كلّه يُصرف على المواصلات والأكل، وبالطبع لا أشتري كلّ ما أريده".

وكانت العائلات التي تعتبر نفسها تنتمي الى الطبقة المتوسطة في بلاد النيل تسمح لنفسها بتمضية عطل في الخارج بين وقت وآخر، وتدفع ثمن نشاطات خارج المدرسة لأولادها، ولا تحرم نفسها من أمور كثيرة.

ويعمل ملايين المصريين في الخارج، وهم يرسلون قرابة 30 مليار دولار إلى البلاد سنويا. وتشكّل هذه التحويلات مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي في مصر. أما اليوم، فباتوا يرسلون ايضا لعائلاتهم سلعا باتت تعتبر ترفا.

وتقول منار "بتنا نعتمد على أخي ليجلب لنا الرفاهيات مثل الملابس ذات العلامات التجارية المعروفة والنسكافيه غولد" الذي لم يعد شراؤه ممكنا بعدما تجاوز ثمن العلبة  400 جنيه (8.1 دولار)، متابعة "كلّ تفكيري في الوقت الحالي ماذا سنفعل إذا حدثت زيادات أخرى في الفترة المقبلة".