الأزمنة المتأزمة اختبار مصيري لدور المثقف

الكاتب العراقي كه يلان محمد يعتبر أن على المثقف أن يلعب دور المراقب للتوتر النفسي والاجتماعي الذي خلفته جائحة كورونا وأن يسعى إلى نشر الهدوء والأمل ويعتبر ان ما نعانيه من الكسل العقلي والانحطاط الروحي وغياب إرادة المبادرة هو نتيجة لتهميش الفلسفة.

حبيبة غريب
الجزائر (مقابلة)

يرى الكاتب العراقي كه يلان محمد  أن على المثقف أن يلعب دور المراقب للتوتر النفسي والاجتماعي الذي خلفته جائحة كورونا وأن يسعى إلى نشر الهدوء والأمل في الأنفس معرجا على العديد من النقاط الخاصة في تعامل النخبة مع الأزمة الصحية وكيف يمكن توظيفها في أدب الأزمات وفي البحث عن الإنسان.

وفي ما يلي ابرز المحاور التي تناولتها المقابلة.
انعكاسات الأزمة الصحية على دور المثقف 
اعتبر الكاتب العراقي أن فيروس كورونا باغت العالم وكان التحصن بالعزلة خيارا وحيدا في البداية لتفادي تداعيات هذه الهجمة الوبائية ولكن ما لبث أن تبين أن ذلك ليس حلا أمثل فبدأت المساعي لايجاد البدائل لهذا الواقع المُختنق والموبوء إذن لم يعد الفضاء مفتوحا بوجه النشاطات الإنسانية وما زاد من صعوبة الموقف هو أن الانتظار قد طال قبل أن يرتفعَ الدخان الأبيض من صومعة العلم ما يعني أنَّ مساحة اللامتوقع في الحياة لاتزال أوسع.
 وأفاد انه من الخطأ الحديث عن نهاية التاريخ أيا كان حجم المكتسبات العلمية والمنجزات التكنولوجية فإن الأفقَ لايزال مشرعا بوجه ما يفاجأُ المرء وبالتالي يعيد النظر بأفكاره وأجندته الحياتية، والحال هذه فمن الطبيعي أن يكون السؤال قائماً عن دور المثقف والفنان في الأزمنة المتأزمة هل يتمُ الاكتفاء بسرد الكوارث الطبيعية أو الإنسانية التى حلت بكوكب الأرض على مر التاريخ؟ في الحقيقة لابُدَّ أن يلعبَ دوراً أكثر فعاليةً في متابعة أعراض هذا الواقع المرهق على المستوى النفسي والاجتماعي والسلوكي كما يمكن للمثقف أو الفنان المشاركة في إعادة الهدوء إلى الأنفس المتوترة من خلال نشر المواد التي تؤثر إيجابيا على نمط التفكير.
ويرى كه يلان أن المثقف قد خسر كثيرا من رصيده مقابل القيام بأدوار شكلية وحضور باهت إلى أن تحولَ إلى ملحق للكيانات المؤثرة في الفضاء العام غير أنَّ الأزمات الكبرى هي بمثابة اختبار مصيري لأصحاب المشاريع الفكرية والثقافية وقد تسفرُ هذه التحولات عن التبدل في المواقع والأدوار.
 وافاد كه يلان بأن العالم بأسره شهد بأن ما تحتاجُ إليه المجتمعات هو وجود الكوادر الطبية والعلمية فيما قد بدا السياسيون أقلَ تأثيرا وفقدوا زمام المبادرة على كل المستويات، وما يحظى باهتمام الرأي العام العالمي هو أخبار متسربة من مختبرات العلم بدلاً من تصريحات السياسيين، والأخطر من الأزمة الوبائية هو أن يستوعبَ العالم متطلبات مرحلة مابعد كورونا ونحن نتراوحُ في محطات الترقب .
وعن الاستعدادت لمواجهة الموجات الجديدة وإمكانية الاستفادة من تجربة السنة الأولى عندما أعلن الحجر الصحي على المستوى العالي
يرى الكاتب العراقي أن العالم قد استعاد توازنه نسبيا في التعامل مع الوباء وآثاره مشيرا أن الإنسان يكتسب خبرة من الأزمات فالضربة التي لا تقضي عليه تزيده قوة على ادارة المعضلة الوبائية وتقليص من آثارها على المجالات الحيوية. 
ورأى ان الدول الأوروبية نجحت في تنظيم بطولة رياضية على مستوى القارة كذلك أقيمت دورة الأولمبيات في اليابان.
وقال "كل ذلك مؤشر إلى أنَّ العالم على طريق التعافي النسبي وأصبح الجميع أكثر إدراكاً لقيمة الحياة وفرصة العيش على هذا الكوكب لهذا بدأ الإهتمام من جديد بالبيئة وحمايتها من التلوث المدمر.
العودة إلى نيتشه ضرورة ملحة
وذكر الكاتب بأنَّه في البداية استفاد كثيرا من الوقت ولفت إلى قراءته للكتب والروايات التي تفيد لدعم المناعة النفسية.
 وقال في هذا الصدد: "وجدتُ بأن العودة إلى نيتشه ضرورة ملحة في هذه المرحلة لأنَّ فلسفته تقومُ على تقويض الوهم ورفض الشكوى ناهيك عن احتفائها الحميم بالحياة، وحاولت حتى خلال إصابتي بالوباء متابعة بعض العناوين التي تتناول إمكانية تحويل التجارب الحياتية إلى فرصة لمراجعة أجندتك  وآرائك غير أن الأرهاق والقلق قد استنفد الطاقات والمشكلة الأساسية هي أن هذا الوباء يطوع المصاب رغما عنه أداة لغزو الآخرين ومن هنا تشتدُ أعراض الحالة النفسية" .
 دور العالم الافتراضي في زمن كورونا
يرى الكاتب العراقي بأن في ظل الإغلاق العام على مستوى العالم بأسره وانسحاب الجميع إلى المساحات المحدودة حتى بدأت النشاطات الثقافية والفنية تبرز في الفضاء الافتراضي وكان لذلك دور إيجابي في التخفيف من هيمنة العزلة.
 واعتبر انه إلى الان هناك مبادرات لإجراء الحوار واطلاق البرامج من خلال منصات بديلة .
اكتساب القوة على الفرح
وقد أكد كه يلان محمد أنه يجب أن نتعامل مع كل يوم باعتباره مشروعا جديدا ونقدر أشياء بسيطة ولعلَّ أهم مشروع بالنسبة للجميع هو اكتساب القوة على الفرح.
وقال في هذا الصدد "صحيح كما قال فرويد أن "تحمل الحياة عسير على البشرية كلها فما بالك على الفرد"، لكن الركون إلى الحزن أو الامتثال لليأس ليس قراراً بطولياً".
 وشدد على أن العودة إلى القيم الإنسانية الرفيعة قد تكون عاملاً حاسماً في تحديد شكل المستقبل البشري.
علاقة الأدب بالوباء 
أشار الكاتب العراقي أن موضوعات الأوبئة ليست بجديدة في الأعمال الأدبية ولا ينفصل الأدبُ عن واقع الحياة وما يختبرهُ الإنسان من التجارب المتعددة كما لا يخلو النص الأدبي من البعد النبوئي، ودور الأدب يتمثل في ردم الفجوة القائمة بيننا وبين الحقيقة المنسية وهي أنَّ المصير الإنساني مترابطُ فبالتالي الإنتماء إلى الإنسانية هو مايشتغلُ عليه الابداع الأدبي ومن هذا المنطلق يتعاطى مع الظواهر البشرية والطبيعية .
أهمية الفلسفة ومكانتها في زمن الوباء 
وتطرق كه يلان الى ازدياد الإهتمام بالفلسفة في الآونة الأخيرة ولاسيما الجانب التطبيقي من هذا النشاط العقلي.
 وافاد ان الكتاب الذي كان يواظب على متابعته وزير الصحة الفرنسية منذ إنتشار كوفيد19 هو "تأملات ماركوس أورليوس".
 واعتبر انه من المعلوم أن الهدف من الفلسفة هو تحسين نمط التفكير حيث يقول ديكارت أن حسن التفكير يؤدي إلى حسن السلوك إذن لا يمكن الحديث عن قيمة التسامح والتعايش والفضيلة قبل تنظيف العقل من الشوائب الخرافية كما تنظفُ المداخن.
وقال "لاشك أنَّ ما نعانيه من الكسل العقلي والانحطاط الروحي وغياب الإرادات المبادرة هو نتيجة لتهميش الفلسفة وتعشعش الأفكار الظلامية في الرأس، إذن كما قالت الباحثة والأكاديمية التونسية أم الزين بنشيخة المسكينى يجبُ أن نراهن على تحرير الفلسفة من المؤمنين بها وإعادتها إلى مقام المخاطرة واحتلال الشوارع من أجل فضاءات جديدة للحقيقة، اذ لا يُتوقع وجود الثقافة العقلانية الجريئة دون الإهتمام بالفلسفة ولكن مع الأسف الحملات متواصلة لحقن العقول بالشعارات الغوغائية الفارغة لذلك لا استغراب من التقهقر إلى الوراء والمشي بعكس اتجاه حركة التاريخ".